الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ميكانيزمو» البرازيل.. ومسلسل قضايا الفساد

4 ابريل 2018 22:25
بمجرد أن هيمنت فضيحة «غسل السيارات»، والتحقيق فيها على اهتمام الجمهور عام 2014، بدأت القصة تلهم أعمالاً درامية محترمة، من بينها عمل تلفزيوني ومسرحية وبرنامج وثائقي متعدد مصادر التمويل وفيلم روائي، وأحدث هذه الأعمال، سلسلة كاملة توزع في أكثر من 190 دولة. فما الذي يمكن توقعه بخلاف هذا مما قد يكون أكبر مخطط فساد في التاريخ الحديث؟ وشعر البرازيليون ببعض الاعتزاز المستحق بعملية التطهير التاريخية التي طاردت النصابين الماليين من القصور ومن الملاذات الضريبية الآمنة في منطقة خط الاستواء. لكن يظل هناك سؤال وهو هل يستطيع المبدعون أن يقدموا عن المحققين في الفساد في البرازيل ما قدموه عن مجرمي وبلطجية البلاد في أفلام روائية شجاعة مثل «الطفل الصغير» و«مدينة الرب» و«عصابة الصفوة»؟ وإذا كان أي شخص يستطيع هذا، فإنه المخرج «جوزيه باديلا»، الذي أخرجَ وأنتج بعضاً من أرقى الأعمال الدرامية عن الجريمة تضمنت «عصابة الصفوة» عن رجال الشرطة الفاسدين ولوردات المخدرات وفيلم «ناركوس» عن تاجر المخدرات الكولومبي البارز السابق بابلو اسكوبار. لكن فيلم «أو ميكانيزمو» (الآلية) الصادر عن نتفليكس، وهو أحدث أفلام «باديلا»، لا يصيب الهدف تماماً لسوء الحظ. وجزء من المشكلة هو كثرة التفاصيل في قضية تغوص في طبقات متداخلة من السلطات الحكومية والأحزاب السياسية والشركات والشرطة ومؤسسات الرقابة المالية والتدقيق. وملأ «باديلا» سلسلته المؤلفة من ثماني حلقات بسرد صوتي لراو لا يظهر على الشاشة، ويحكي القصة بدلاً من عرضها ربما كي يستطيع المشاهد غير العليم بالتفاصيل أن يتابع كثرة الأحداث. والمشكلة الأخرى هي الجرعة الزائدة من المجاز التي استخدمها «باديلا» لتسريع الإيقاع. فرغم أن الفيلم «مستوحى من أحداث حقيقية»، لكنه غيّر الأسماء وعصف بالتواريخ وزخرف الشخصيات. لكن المشكلة الأساسية هي أن «باديلا» وصف الفيلم بأنه شهادة وتعليق على اللحظة السياسية المثيرة للشقاق الآن في البرازيل. والفيلم، لحسن الحظ، ليس مادة للتناحر الحزبي الذي سيطر على هذا البلد منذ الانهيار السياسي واتهام ديلما روسيف صنيعة أسطورة «حزب العمال» السابق والمدان حالياً بالفساد «لويس إناسيو لولا دا سيلفا». فقد حاول أن يشير إلى الفساد باعتباره «آلية» لها تروس كثيرة و«دون أيديولوجية» كما كرر الشرطي الغامض «ماركو روفو» مراراً على امتداد العمل الدرامي. وبعض من أكثر المواقف إحراجاً لم يختص بها «لولا» ولا حليفته اليسارية بل المعارضة من يمين الوسط التي صور الفيلم شخصية منها، باعتباره انتهازياً. لكن حتى المحكمة العليا في البرازيل التي تستحق بصفة عامة الإطراء لم تسلم من سهام «باديلا». فقد هتف أحد أقطاب النفط المعتقلين بفرح قائلاً لرفاقه في السجن «أصبحنا أحراراً! لقد ذهبت إلى المحكمة العليا!» بعد أن سمع أن المحكمة العليا تولت قضية الفساد من محكمة أدنى تشتهر بصرامتها. وزلة «باديلا» تتمثل في مشهد يزمجر فيه شخص يمثل دور «لولا»، ويحمل اسم «هيجينو» في العمل الفني أمام محاميه عن الحاجة إلى منع تحقيق الفساد من أن «يستنزف» الحلفاء السياسيين. والواقع أن هذا نقل حرفي لتصريح من المعسكر المنافس. وهذا الخطأ أدى إلى عاصفة نارية على مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى الدعوة إلى إلغاء عرض العمل. وأعلنت «روسيف» أن هذا «أنباء كاذبة!». وهذا الانفجار يخبرنا بالكثير عن الوضع الحالي في البرازيل الذي لن يراه المرء على الشاشة الكبيرة. فإذا كان لفضيحة «غسل السيارات» دلالة فهي أن الفساد بلا لواء أو هوية معينة. واتضح هذا في اعترافات جوسلي باتيستا الذي اعترفت شركته بأنها قدمت رشى إلى 1829 سياسياً من 28 حزباً. وهذه النقطة اتضحت في عمل باديلا كما في كثير من الأعمال. واللغز يتعلق عن سبب استمرار انتعاش الطائفية السياسية رغم شيوع مثل هذا التوحيد في الإجرام. *كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©