الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا والريادة في حماية الخصوصية

4 ابريل 2018 22:25
نشر «مارك زوكيربيرج» المدير التنفيذي لشركة «فيسبوك» مؤخراً صفحة إعلانية كاملة في صحف كبرى عدة كتب فيها: «نحن وحدنا الذين نتحمل مسؤولية حماية معلوماتك. وإذا فشلنا في تحملها، فلن نكون أهلاً لها». إنه لأمر جيد أن نرى «فيسبوك»، وهي تحمل نفسها مسؤولية استغلال المعلومات الشخصية لأكثر من 50 مليون مستخدم لموقعها في أغراض وحملات الانتخابات السياسية. إلا أن المتمعّن فيما قاله «زوكيربيرج» يمكنه أن يفهم أنه لم يتمكن حتى الآن من الوفاء بهذا الوعد. ولا يتعلق الأمر المهم بما إذا كانت شركات الإنترنت «تستحق» أن نأتمنها على معلوماتنا الشخصية، بل بالسبب الذي يجعلنا نحن المستهلكين لخدماتها نفتقر لأساليب فعّالة لحماية تلك البيانات ومنعها من أن تصبح عرضة للبيع على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم تقدم لنا الحكومة الأميركية إلا القليل جداً من المساعدة في هذا الشأن. ويتلخص كل ما تطلبه «لجنة التجارة الفيدرالية» من شركات الإنترنت بأن تنتهج سياسة واضحة المعالم لحماية خصوصيات مستهلكي خدماتها وبحيث تسمح لهم بالاستفادة من تلك السياسة بسهولة، إلا أن هذا الطرح يعني أيضاً أنه يمكن لأي شركة أن تغيّر سياستها في هذا المجال متى شاءت بدعوى أنها تحاول التوصل لحلول أفضل لهذه المشكلة. ونتيجة لذلك، تواصل شركات الإنترنت الاستيلاء على البيانات المتعلقة بخصوصياتنا الشخصية وتخفي عنّا هذه الحقيقة بطرق مختلفة وتحت غطاء من الألاعيب والحيل القانونية. ويتعامل الاتحاد الأوروبي مع هذه المشكلة بطريقة مختلفة تماماً. وبدءاً من شهر مايو المقبل، سوف يدخل «القانون الشامل لحماية البيانات العامة» GDPR حيز التطبيق العملي في 28 دولة أوروبية في الاتحاد. ومن خلال مطالعة سريعة، يبدو أن القانون الأوروبي الجديد ينطوي على القوة الكافية لتحقيق الهدف المنتظر. فهو يؤكد على أن مستهلكي خدمات الإنترنت هم المالكون الحقيقيون لبياناتهم ومعلوماتهم الشخصية، وهذا يمنحهم الحق الكامل بمراقبتها ومتابعة طرق استخدامها. وينص أيضاً على أن من واجب شركات تشغيل مواقع الإنترنت أن توفر للمستهلكين أدوات التحقق والمراقبة للتأكد من التزامها بهذه الشروط. وتشترط الإجراءات الأوروبية أن توفّر الشركات التكنولوجية لمستهلكي خدماتها وصفاً مفصلاً مصاغاً بلغة بسيطة ومفهومة يشرح أسلوبها في جمع المعلومات والبيانات الشخصية ويبيّن أوجه وطرق استغلالها، وما إذا كان المستهلكون قد «وافقوا» من حيث المبدأ على تخزينها واستخدامها في غايات مختلفة. ويمنح القانون الجديد المستهلكين الحقوق الكاملة للاطلاع على السبب الحقيقي، الذي يدفع الشركات التكنولوجية لتخزين بياناتهم الشخصية فضلاً عن توفير التقنيات الإلكترونية التي يحتاجون إليها من أجل حذف ما يريدون إخفاءه من تلك البيانات متى أرادوا ذلك. فلماذا لا نتبنّى أساليب حمائية مشابهة في الولايات المتحدة؟ لقد سبق لنا أن بادرنا لمثل هذا من قبل. ففي عام 2016 اقترحت «لجنة الاتصالات الفيدرالية» فرض إجراءات مشابهة على الشركات التكنولوجية المعنيّة بتسويق خدمات الإنترنت تجبرها على طلب «الموافقة المسبقة» من المشترك في خدماتها على تخزين بياناته الشخصية وبشرط أن تتكفل بحماية تلك البيانات من الاستغلال في أغراض سياسية أو دعائية. إلا أن التقيّد بهذه الإجراءات لم يدم طويلاً، وانتهكتها شركات تكنولوجية كبرى عديدة بما فيها شركات الاتصالات وعلى رأسها شركة AT&T عندما استغلّت بيانات «فيسبوك» و«جوجل» لفرض الضغوط السياسية على أعضاء الكونجرس. وخلال هذا العام (2018)، صادق الكونجرس على مشروع قانون حظي بتوقيع الرئيس ترامب أيضاً يقضي بإلغاء كافة القيود الحمائية على البيانات الشخصية، ويمنع «لجنة الاتصالات الفيدرالية» من فرض مثل هذه الإجراءات في المستقبل. ونجح ائتلاف مماثل من أرباب المصالح التجارية بالضغط على حكومة ولاية كاليفورنيا ومنعها من إمرار مشروع قانون محلي مشابه لذلك الذي اقترحته لجنة الاتصالات الفيدرالية. ولكن، ولحسن الحظ، فإن القانون الذي أقرّه الاتحاد الأوروبي سيكون لمصلحة الأميركيين أيضاً وبطريقة غير مباشرة. وخلال أسابيع قليلة مقبلة، سوف تلتزم «فيسبوك» و«جوجل» وبقية شركات الإنترنت التي تعمل على تخزين المعلومات والبيانات المتعلقة بخصوصياتنا الشخصية بإتاحة الفرصة أمام المستهلكين الأوروبيين لخدماتها باستخدام أنظمة الحماية التي ضنّت بها على المستخدمين الأميركيين. ففي عالم مترابط اتصالياً، وحيث لا تعترف رموز التشفير الرقمية بالحدود الوطنية للدول، لا بد أن يكون لهذا الإجراء الجديد تأثيره الإيجابي على العالم أجمع. وتحضّر شركات الإنترنت للمستقبل بحيث تلتزم طواعية بإعلام أي مواطن منفرد من دول الاتحاد الأوروبي بالقانون الجديد الذي اقترحته لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية والذي يضمن حماية معلوماته وبياناته الشخصية بغض النظر عن شركة الاتصالات المحلية التي تراقب تشغيل موقع التواصل الاجتماعي الذي يستخدمه. ونحن نأمل من هذه الشركات أن تنظر لهذه الإجراءات المتعلقة بحماية الخصوصيات الشخصية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من مسؤولياتها التي يجب أن تتكفل بها بدلاً من النظر إليها وكأنها مؤشرات لقرب نهايتها. ويمكن القول بكلمة واحدة إن على حكومة الولايات المتحدة أن تعمل كل ما في وسعها لإعادة حقوق مراقبة المعلومات والبيانات لأصحابها الشرعيين. *زميل في «معهد بروكينجز» في نيويورك ورئيس سابق للجنة الاتصالات الفيدرالية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©