الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات بريطانيا... إلى أوروبا وليس أميركا!

انتخابات بريطانيا... إلى أوروبا وليس أميركا!
2 مايو 2010 22:44
لا شك أنكم قد رأيتموهم في الحملة الانتخابية الأميركية الأخيرة... أقصد تلك الطائفة من الصحفيين الشبان من الجنسين، المحمرة عيونهم بسبب عدم الحصول على كفايتهم من النوم نظراً لتنقلهم بين ولايات يختلف فيها التوقيت، والممسكين بدفاتر صغيرة للملاحظات بيد وكاميرا في اليد الأخرى يسجلون بها كل حركة، ويمطرون أطقم المرشحين بأسئلة جادة، وينقلون ما يسمعونه بدأب إلى المركز الرئيسي لوسيلة الإعلام التي يعملون بها. منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأ الحزبان الرئيسيان في بريطانيا -العمال والمحافظون- يرسلان أعداداً قليلة من المستكشفين عبر الأطلسي كي يدرسوا كيف تعمل الانتخابات الأميركية، لكن في انتخابات عام 2008 الرئاسية كان هناك العشرات منهم، يشهدون على نجاح أوباما، ويعودون إلى بريطانيا وهم مفعمون بالأفكار والطرق التي يمكن لهم من خلالها المساعدة في تأمين الفوز لمرشحيهم الذين يخوضون السباق الانتخابي البريطاني. وهذه الدروس يجري تعزيزها حالياً، على أيدي كتيبة من خبراء الحملات الانتخابية الأميركية، تشمل "أنيتا دان" المديرة السابقة للاتصالات في البيت الأبيض، التي تساعد المحافظين على إضفاء نوع من البريق على رسالتهم الإعلامية، كما تشمل "جويل بينينسون" كبير مسؤولي استطلاع الرأي في حملة أوباما، والذي تم تجنيده من قبل "العمال"، و"مايكل شيهان" مدرب الخطابة السياسية الذي تخصص في تخفيف توتر السياسيين وجعلهم أكثر طلاقة في الحديث. وبينما تقترب الانتخابات من موعد انطلاقها، يرى المراقبون على ضفتي الأطلسي حملة بريطانية تشبه نظيرتها الرئاسية الأميركية إلى حد كبير: فهناك "براون" الذي يطلب منك أن تكون صديقه على الفيس بوك. وهناك كاميرون، زعيم المحافظين، الشاب الناعم البشرة الذي يدعوك للتواصل معه عبر موقعه الإلكتروني المصور الذي أطلق عليه "ويب كاميرون". وهناك كليج زعيم الديمقراطيين الأحرار ذو الوجه الطفولي والذي تنتشر رسالته انتشار النار في الهشيم على موقع تويتر. وهناك أيضا سارة براون، سامانتا كاميرون، وميريام كليج، وقد راحت كل منهن تساعد زوجها في حملته وتحاول أن تبدو بصورة السيدة الأولى المنتظرة، التي توفر لزوجها جواً عائلياً مريحاً. وهناك برامج بعنوان "إفطار مع آل كاميرون"، و"غداء مع آل براون" و"جولة في الحديقة مع آل كليج" وهي برامج تبدو أميركية الطابع لحد غريب. لكن الشيء المدهش بالنسبة لتلك الانتخابات هو أنه في الوقت الذي تكتسب فيه صبغة أميركية واضحة، فإنها ساهمت على النقيض مما كان متوقعاً في إعادة ترتيب المشهد البريطاني السياسي، ودفعت بريطانيا بعيداً عن أميركا وجعلتها أقرب ما تكون إلى أوروبا. فالطابع الرئاسي الواضح للانتخابات البريطانية يرجع أساساً لتركة محبوب أميركا السابق، بلير، الذي كثيراً ما كان يخاطب ناخبيه من فوق رأس حزبه المتشكك، وهو الشيء الذي دفع ثمنه عندما أُخرج من 10 داونينج ستريت، ليدخل محله براون الذي يتشبث بمفاتيح المقر بكل ما أوتي من قوة، خصوصا بعد التعليق الذي أدلى به بينما كان الميكروفون مفتوحاً ووصف فيه سيدة قابلها أثناء جولة انتخابية بأنها "متعصبة"! وهي غلطة قد تكلفه هذه الانتخابات، كما تظهر ذلك الفروق الهائلة بين الصورة التي يحاول الظهور بها أمام الناخب البريطاني، وصورته الحقيقية خلف الكاميرات. وربما تكون المناظرات التلفزيونية بين المرشحين الثلاثة هي المظهر الأكثر شبهاً بالانتخابات الأميركية خصوصا وأن تلك المناظرات كانت مصحوبة باهتمام موازٍ من الناخبين على شبكة الإنترنت، يركز على كل حركة، وكل إشارة، يقوم بها أحـد المرشحين وكل لفظ وكل كلمة يتفوه بها، ثم يقـوم بتحليلها والتنبؤ بنتيجتها المحتملة على مسار الحملة الانتخابية. غير أن تلك المناظرات أبرزت ظاهرة جديدة وهي "الهوس بكليج"، رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي ظهر خلال تلك المناظرات، أكثر قدرة على الوقوف أمام الكاميرا ومخاطبة الجماهير القابعة في البيوت كي يقول لها: لا تدعوهما يقنعونكم بأن الخيار المتاح أمامكم هو فقط الاختيار بين حزبين ظلا يتناوبان على السلطة طيلة خمسة وستين عاماً الماضية ويقدمان نفس الوعود ثم يفشلان في الوفاء بها المرة بعد المرة". ولابد أن كاميرون يعض بنان الندم الآن، خصوصاً وأنه كان هو صاحب فكرة إدراج كليج في المناظرات التي كان يفترض أن تنحصر بينه وبين براون بداية. وكليج المتزوج من محامية إسبانية، والذي يحمل أبناؤه أسماء البيرتو وإنطونيو وميجويل، هو نفسه نصف هولندي ويؤمن إيماناً تاماً بمفهوم أوروبا الموحدة التي تلعب فيها بريطانيا دورا قياديا بدلا من الدوران حول نفسها. وعلاقاته الطبيعية المتوقعة سوف تكون مع بروكسل، العاصمة الفعلية للاتحاد الأوروبي وليس مع واشنطن. وقد قال أكثر من مرة إن أوروبا الموحدة، سوف تلعب دورا أكبر بكثير على الساحة العالمية، وسوف تحصل على احترام أكثر، ليس فقط من الولايات المتحدة وإنما من الصين أيضا. لقد ساعدت تلك المناظرات الناخب البريطاني على أن يرى زعماءه وجها لوجه، ويقيّم ما يتمتعون به من صفات حميدة أو سيئة، من خلال الطريقة التي يتكلمون ويتصرفون بها خلال تلك المناظرات التي انتهت، وعلى خلاف ما هو متوقع، في صالح "كليج". وهكذا فإن الانتخابات التي كانت تشير إلى أن المحافظين سوف يخسرونها قد تحولت إلى سباق بين ثلاثة جياد. وتشير معظم استطلاعات الرأي إلى أن تلك الانتخابات سوف تنتهي إلى برلمان معلق أي برلمان لا يحوز فيه حزب واحد على الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده، ومن ثم سيضطر الحزب الفائز، مهما كان، للدخول في ائتلاف مع الحزبين الآخرين لتشكيل الحكومة. وإذا ما انتهت الانتخابات إلى هذه النتيجة فإن سيطرة حزب واحد من الحزبين على الحكومة لسنوات طويلة بل لعقود، سوف تصبح شيئاً من الماضي، وستصبح الحكومة الائتلافية شيئا عاديا في بريطانيا شأنها في ذلك شأن ألمانيا وهولندا، وهو ما سيدفع بريطانيا لمسافة ما تجاه القارة، مما يعني أن أكثر الانتخابات التي شهدناها في بريطانيا شبها بنظيرتها الأميركية قد قادت بريطانيا لنتائج غير أميركية بالمرة. مات فراي - لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©