الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نور الدين محقق يسرد قصة حب عبر الرسائل الورقية

21 مارس 2014 23:19
محمد نجيم (الرباط) - يقدم الكاتب المغربي نور الدين محقق في روايته الثانية «بريد الدار البيضاء» نصاً يحفل بالمشاعر الإنسانية النبيلة والبريئة، والتي جمعت في زمن بين الفتى المغربي السارد نور الدين والفتاة التونسية كوثر، حيث تحكي الرواية عن سيرة هذا الفتى المغربي وتلك الفتاة التونسية التي أحبها الكاتب، وهذا ما يُلمس في الرسائل ومنها هذا النموذج: «لهذا حين ألححت عليك ببعث صورة لك، لم تبعثيها، جاءتني رسالتك تنبهني إلى سمو النفس وورقة العواطف. كنت فتى أرغب في رؤية عينيك تحديداً، سحر العينين يذيب القلب». في هذه الرواية الصادرة حديثاً يبدو التواصل بين بطلي الرواية نور الدين وكوثر عبر البريد العادي الورقي، وامتدت الصداقة بينهما قوية، إلى أن ضبط والد الفتاة رسائل الفتى إليها، فقام بتمزيق الرسائل ومنع الفتاة من متابعة التراسل. وظل الفتى ينتظر رسائل الفتاة إلى أن ملّ الانتظار معتقداً بأن الفتاة لم تعد ترغب في ذلك. وتمضي الأيام ويصبح الفتى كاتباً معروفاً، كما تصبح الفتاة كاتبة معروفة هي الأخرى. وعلى غير المتوقع يلتقيان مصادفة في موقع ثقافي، ويتعرفان على بعضهما بعضاً من جديد. الرواية اعتمدت في عملية الصياغة على التخييل الذاتي والسيرة الذاتية من حيث المضمون العام لها، وعلى السرد المتواصل والسرد المتقطع، كما ضمت الرسائل، والأشعار في توليفة سردية محكمة الصنع. ما جعل منها حداثية تجمع بين التجريب الفني، وتحافظ على متعة الحكاية في ذات الآن. يقوم بناء الرواية على تقنية الاسترجاع، واستعادة الطفولة الهاربة من حياة الكاتب، ونقرأ من الرسائل المتبادلة بين نور الدين وكوثر، بطلي الرواية: « عزيزتي ما أروعك أيتها الصبية. كنت لحظتها لا أعرف من تونس الخضراء سوى شاعرها الكبير أبي القاسم الشابي، ما عداه لم أعرف في ذلك الوقت سوى صبية صغيرة جداً اسمها كوثر. الأدب كان يستهويني جداً. أذكر وبعض أصدقائي يشهدون إلى الآن على صدق ما أقول، إنني دخلت في مباراة شعرية مع أحمد شوقي نفسه. حين كان أستاذ اللغة العربية يلزمنا بحفظ الشعر، قلت، ذات غرور صبياني جميل، أستطيع أن أكتب قصيدة أروع من قصيدة أحمد شوقي هذا الذي تلزمنا بحفظ قصائده. ابتسم الأستاذ، وأمرني باستظهار القصيدة الشوقية فوراً، أنجزت المهمة بنجاح، فاستغرب مني، وقال لي ها أنت قد استظهرتها وبصوت شاعري رائع، ولك النقطة الأولى، فلم قلت ما قلت؟، قلت له، لا أدري، إنها مجرد رغبة في التفوق..أما أبو القاسم الشابي، فقد كان يثير مخيلتنا الصغيرة بلباسه التونسي الجميل وبقصائده الرومانسية الفاتنة عن الراعي وشياهه، عن الطبيعة ورحابتها، وكان يثير الرغبة فينا في مجاراته، خصوصاً وأنه ظل دائماً في أعيننا ذلك الأخ الأكبر الذي لا يتجاوز عمره السادسة والعشرين ربيعاً، لقد تجسد في مخيلتنا الصغيرة كالنسر المحلق في القمة الشماء، في حين كان بقية الشعراء الآخرين مثل آبائنا، بمن فيهم العملاق أحمد شوقي، خصوصاً في قصائده التعليمية، نهرب من البيت منهم، فنصادفهم في المدرسة حاضرين بقوتهم الرمزية أيضاً… وللحديث بقية طبعاً يا صغيرتي.. محبتي الخالدة، خلود الأدب الرفيع في قلبك.. ومن الرواية نقتطف أيضا: «عزيزتي كوثر حين كنت أعود إلى البيت، أنزوي في ركن من الغرفة التي تركتها لي الأسرة حباً فيّ، تلك الغرفة التي تتميز بأنها غرفة منعزلة عن بقية غرف البيت، فهي تتوافر على باب خارجي، يجعل منها تشبه بيتاً صغيراً قائم الذات. كنت أشعل الشمعة تشبها بكبار أدباء العصور القديمة الرومانسيين، في حين أن بقية غرف البيت، تشع نوراً، وهو ما كان يغضب أمي مني كثيراً. كان صوتها يأتي مرعداً، ستصاب بالعمى أيها المجنون، أو أنك قد تترك الشمعة مشتعلة وتنام. ومن جراء ذلك، كانت تحرص على المرور عليّ، ولا تغمض لها عين إلا بعد أن تتأكد إما من نومي ومن إطفائي للشمعة المشتعلة، وإما من خضوعي لإرغامها لي على إشعال نور الكهرباء أو النوم فوراً. كنت أنزوي في سريري، وأحمل إليه عوداً مربعاً، ظل بشكل من الأشكال هو المكتب اليومي المتنقل معي إلى الآن. كلما ذهبت إلى السرير حملته معي. كنت أطلق عليه سرير الكتابة. آخذ قلماً واقتطع ورقة من أقرب دفتر إليّ، وأبدأ في كتابة رسالة إلى صبية فاتنة اسمها، كوثر. كان خطي جميلاً، وكنت حريصاً على المبالغة في جعله يبدو أجمل من المعتاد. كنت عازماً على جعل هذه الصبية الأديبة، التي كانت تحرجني بأسئلتها الكبيرة جداً، على جعلها تنصاع إلى قوة أسلوبي، في حين، كانت هي تصر على معرفة آرائي في كثير من الأشياء، في الفن، في الصداقة، في الأدب، في مختلف العوالم الإنسانية المحيطة بنا، وكنت أحار في الإجابة عن أسئلتها. مرة غضبت منها، فأجبتها في رسالة قصيرة جداً، قائلاً لها: «كل شيء حولي جميل، دعيني أكتب فيك قصيدة، وكفى» . كانت أعمق مني، كانت تعرف كل شيء تقريباً، أما أنا فكنت أحرص على التفوق عليها فيما تعرفه، لكني لم أعرف أنها كانت تأتي الأولى دائماً في قسمها مثلي تماماً. لم تقل لي ذلك أبداً، أما أنا فلعلي قلته لها من أول رسالة إليها، قصد تعريفها مع من تتراسل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©