الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معرض أبوظبي للكتاب... سحر المعرفة

معرض أبوظبي للكتاب... سحر المعرفة
16 مارس 2011 19:11
لا أدري بالضبط من الذي اخترع فكرة تنظيم معرض للكتاب، ولا متى ولا أين أقيم أول معرض للكتاب في العالم؟ لكنني أستطيع أن ألمح وراء مثل هذه الفكرة تلك المخيلة المبدعة التي رسمت صورة لآلاف الكتب في شتى أنواع المعرفة، تصطف فوق الرفوف، تقول للمارين بها: هذا زادي أحضرته لكم من شتى حقول المعرفة، قطفت ما وصلت إليه يداي، وجمعت زبدة ما توفر عندي فتناولوه هنيئاً مريئاً. فكرة خلاقة بلا شك ـ وإن كانت فقدت بريقها عندنا بسبب العادة ـ تلك التي يمكنها أن تجمع صناع المعرفة البشرية على مر الدهور والأزمان تحت شجرة المعرفة. وربما بسبب خصوبة الفكرة وثرائها يقسم المعرض عادة إلى أجنحة فليس مثل الجناح أقدر على التعبير عن مفهوم التحليق الذي يتصل اتصالاً مباشراً بما يفعله الكتاب في قارئه... بأثره الساحر. يتوفر معرض الكتاب، أي معرض للكتاب، على فكرة جوهرية تؤسس حضوره في الوعي المجتمعي، إن لجهة سعيه لتأصيل حضور الكتاب بما هو وعاء ثقافي في ضمير الأفراد والمجتمعات أو لجهة ما يؤديه على صعيد تعميم المعرفة ونشرها وجَسر الهوة بين القارئ والكتاب. ولا يخرج معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي يقام تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بتنظيم من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وشركة “كتاب”، خلال الفترة من 15 ولغاية 20 مارس الجاري في الإجمال عن هكذا رؤية. بل يمكن القول إن المعرض واحد من الرهانات التي تتبناها أبوظبي وهي تجدّ لتحقيق حلمها في أن تكون منصة ثقافية متقدمة عربياً و... عالمياً، إذا ما تذكرنا أنها تخطط لتكون عاصمة ثقافية للقرن الواحد والعشرين. قشة الغريق لقد كان الكتاب وسيظل رافعة من رافعات الوعي، رغم غربته ورغم كل التحديات التي يعانيها في هذا العصر الاستهلاكي الذي لا يفهم إلا لغة البورصات والأرقام. ولا يكاد يمنح بركاته إلا للثقافة المرئية خاصة التلفزيونية التي تشكو من هزال فكري شديد رغم ما يكسوها من شحم يظنه البعض عافية هو في الحقيقة ورم... في عالم يعترف بسرعة صاروخية بكل رديء ويدعمه ويكرسه بكل السبل وينسى أو يتناسى الكتاب الذي لا يكاد يحضر إلا على هيئة بيت من الشعر عفى عليه الزمن... في عالم مصاب بأكثر من عمى ثقافي ويتجه أكثر فأكثر إلى تنميط الاحتياجات الاستهلاكية للإنسان العالمي وصهره في بوتقة هذه الاحتياجات وترتيبها وفق منتجات المصانع والآلة الاقتصادية الغربية، يصبح الذين يفكرون في الخصوصيات المحلية والثقافات الوطنية (فدائيون بامتياز). وبالمنطق الرياضي المحسوب تبدو الخسارة أمامهم مؤكدة... لكن الثقافة لحسن الحظ عنيدة، بل شديدة العناد، ولها حسابات أخرى مغايرة تجعلها مثل العنقاء تحيا من رمادها لتجابه وتكافح وتتمسك بكل ما من شأنه أن يحتفظ بإنسانية الإنسان وإبداعاته وأشواقه ونزوعاته أمام الخطر الكامن في تلك الحمى المنتشرة لعولمة الإنتاج الفني والثقافي وتسليعه وعرضه في السوق الاستهلاكية التي تبتلع كل شيء. ولعل أهم وسائل هذا الكفاح وأمضاها: الكتاب. من هنا، وفي عالم كهذا، يصبح أي فعل يعمق حضور الكتاب مهماً وضرورياً لأنه يعيد إليه الاعتبار، وربما بدا أحياناً (القشة التي يتعلق بها الغريق)... وما أكثر الغرقى في بحر الصور التي تتسيد الفضاء الإنساني، وتقولبه، وترسم له مصائر ومآلات تبعد عن جوهر الثقافة بعد المشرق عن المغرب. وليت الأمر يقف عند هذا الحد لهان الأمر، وسهل العلاج، إذ أننا بعد معاناة ومكابدة موجعة مع سطوة الصورة التلفزيونية بتنا أمام سطوة أدهى وأمرّ هي سطوة الإنترنت التي لم تقصر إطلاقاً في تكريس غربة الكتاب وزحزحته عن مكانته التقليدية في قلوب القراء. والإنترنت المقصودة هي الإنترنت المُلْهية بصورها وعوالمها الافتراضية وتشاتها وغرف دردشتها وليس الإنترنت التي تقدم المعرفة؛ فهذه الأخيرة في اعتقادنا لا تشكل خطورة على الكتاب، ونعتقد أنها لا تنافسه ولا تقصيه، كما يشاع، بل تعضده وتؤازره في مهمة نشر الثقافة. وسواء كان الكتاب ورقياً أو إلكترونياً فالرابح في النهاية هو الإنسان والمجتمع والثقافة التي هي بمثابة طوق النجاة أو الخندق الأخير الذي تتخندق به الشعوب وهي تدافع عن ذواتها الحضارية وهوياتها الثقافية. خير أنيس أما معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي أخذ على عاتقه مهمة إيقاظ رغبة القراءة في النفوس والعقول، والاحتفاء بالكتاب ومبدعيه وناشريه، وإدخال القراء إلى عوالمه، والإسهام في الحراك الثقافي ما يجعله من أهم الأحداث الثقافية التي نعيشها في مارس من كل عام. ويرى الروائي والكاتب الصحفي علي أبو الريش مدير مشروع “قلم” التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث أن “معرض الكتاب في كل سنة يعتبر إضافة للسنة السابقة، إن لجهة حجم الحضور أو حجم مشاركة دور النشر أو تواجد المفكرين العرب والأجانب والإماراتيين”. ويقول علي أبو الريش: “إن المعرض يعتبر منارة من منارات العلم والثقافة في العالم العربي، خاصة أنه يستقبل المئات من دور النشر التي تأتي بزادها المعرفي. وفي أجوائه تزهر العلاقات الإنسانية وتشع ببريقها الذي يضيء أرواح الأصدقاء بكل ما تشهده أروقته من حوارات ولقاءات ثقافية وفكرية يتحقق من خلالها تلاقح الثقافات، لا سيما ونحن في مرحلة من مراحل الانفتاح الثقافي والحوار مع الآخر”. ويعتبر أبو الريش المعرض “متنفساً للإنسان بشكل عام، وفي هذه الظروف الضاغطة التي يمر بها العالم العربي من حولنا وما يشهده من احتقان سياسي تكتسب الثقافة أهمية إضافية، فالثقافة تظل هي بارقة الأمل بالنسبة لنا، تمنحنا شيئاً من الصلابة التي تسند أرواحنا، وتعين الإنسان على احتمال ما يحيط به من أحداث مأساوية”. ويضيف: “لا شك أن أي معرض في أي إمارة يعتبر قيمة إبداعية تضاف إلى رصيد البلد لأن الثقافة جزء لا يتجزأ من سجلها الحضاري. وبالطبع يضيف هذا الحضور الإعلامي الكبير إلى رصيد المعرض ويعطيه تألقاً وبريقاً”. وحول الخطوة الأخيرة التي تضع إصدارات “قلم” بين يدي القارئ إلكترونياً بحيث يمكن تصفحها على الـ (آي بود) أكد علي أبو الريش أن “التكنولوجيا الحديثة تسهم بلا شك في انتشار الكاتب والتعريف به وبأعماله الإبداعية، خاصة بعد انتشارها واتساع استخداماتها وتطبيقاتها وإقبال القراء على مخرجاتها”. وألمح إلى أن “منطقة الخليج سابقاً، ولظروف تاريخية وجغرافية عديدة، كان يعتبر “هامشاً” حين كانت الثقافة العربية تتحدث عن متن وهامش وعواصم ثقافية مركزية، لكن هذه الحواجز تهاوت بفعل عدة عوامل من بينها وسائل الاتصال والتكنولوجيا التي أوصلت صوت الخليج الثقافي وإبداعات أبنائه، والآن باتت الثقافة تحيط بالجميع مثل المياه التي تحيط باليابسة من كل حدب وصوب”. وفي أعماق علي أبو الريش أمنية بخصوص الكتاب، قد لا تتحقق في المنظور القريب أو العاجل، هي “أن يصبح الكتاب في كل لحظة وفي كل يوم وعلى مدار السنة حاضراً في حياتنا، فهو خير جليس وخير أنيس وهو المساحة البيضاء التي يجد المرء نفسه فيها”. حالة فرح من جهتها تؤكد الشاعرة والكاتبة ميرة القاسم أن معرض أبوظبي للكتاب بالنسبة إليها “حالة فرح ثقافي وإنساني، ذلك أنه يغير إيقاع يومها، وينقلها من الرتابة إلى حال مختلفة”. وتعتقد أن معرض الكتاب معلم من معالم مدينة أبوظبي الثقافية، والحدث الأبرز فيما تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث من نشاطات وفعاليات لأسباب عديدة أهمها أن المعرض يتجه إلى المجتمع كله، بشرائحه المختلفة في حين تقتصر أنشطة أخرى على المثقفين أو محبي الموسيقى أو عشاق الشعر أو الباحثين عن المتعة الفكرية في ندوة أو محاضرة. ويكفي المعرض أهمية، تقول ميرة، إنه يحتفي بهذا الكائن الجميل الذي يسمى الكتاب، والذي غالباً ما نتركه للغبار والإهمال والنسيان، فيأتي المعرض ليذكرنا بما لدينا من كنوز، أوبما يمكننا أن نحصل عليه من كنوز المعرفة. ويبدو لي، والكلام لميرة القاسم، أن المعرض رسخ حضوره وتجذر في وعي أبناء الإمارات من جهة، وحجز له مكانة متقدمة بين معارض الكتب العربية من جهة ثانية، ويحظى باحترام مرموق في المحافل العالمية، وربما يعود ذلك إلى الصبغة العالمية التي باتت تميزه. فالكثير من البرامج والأنشطة تتصل بشكل أو بآخر بالثقافة العالمية وموضوعاتها ومنتجها الإبداعي والفكري، كذلك الضيوف الأجانب لهم حضور لا تخطئه العين في فعاليات المعرض وبرامجه المختلفة. وتلفت ميرة إلى أن واحدة من أسباب حرصها على زيارة المعرض، بالإضافة إلى اقتناء ما تحتاج إليه من الكتب، هو ركن الأطفال الذي تجد فيه بيئة ثقافية وفنية خصبة لإشباع رغبة أطفالها إلى التعلم والرسم والقراءة، فضلاً عن عثورها على بعض الكتب التي تناسب أعمارهم وميولهم. وتؤكد الفنانة التشكيلية ابتسام عبد العزيز أن معرض الكتاب بالنسبة إليها “حدث مهم وأساسي في الحياة الثقافية المحلية، وله دور مهم في نشر المعرفة وتعميق حضور الكتاب في حياتنا”. وترى فيه “ظاهرة حضارية وثقافية تعلي من شأن الكتاب، وتمنح المثقفين والمبدعين بل والناس العاديين فرص اللقاء والحوار وانتقاء زادهم المعرفي”. وتحرص ابتسام عبد العزيز على زيارة المعرض للحصول على زادها وانتقاء الكتب التي تتنوع بين الروايات والمجموعات الشعرية بشكل عام، لكنها تركز بشكل خاص على كتب الفنون التي تقول إنها لا تتواجد بكثرة في معارض الكتب العربية بشكل عام، بسبب بطء ترجمة ما يصدر في الحقل التشكيلي إلى العربية. لهذا تجد ضالتها في الكتب الأجنبية. الآخر.. حاضراً في دورته الحادية والعشرين يفتح معرض أبوظبي الدولي للكتاب بوابة معرفية على الآخر، على ثقافاته وآدابه وعلومه. ولهذا جاءت برامجه حاملة عدة فعاليات تلبي هذا الجانب وتصب في الحوار الثقافي الذي يطمح المسؤولون أن يكون معرض الكتاب ساحة له ومكاناً لاحتضانه. وفي سياق التعرف إلى الآخر تلتقي عدة ثقافات عالمية في أجواء المعرض، منها الثقافة الفرنسية حيث فرنسا هي الضيف الخاص في المعرض، ويخصص لها يوم كامل يرسم لها صورة متعددة الأبعاد، ويرتكز على مجموعة واسعة مما تمثِّله الثقافة الفرنسية اليوم: صناعة النشر وحياة الفن والمناقشات الفكرية والأنشطة التعليمية. ومن بين الشخصيات الفرنسية المهمة المدعوة إلى المعرض الروائية والصحافية الفرنسية كينزي مراد صاحبة رواية “تحديات من الأميرة الميتة” و”أرضنا المقدسة: أصوات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، والروائي الفرنسي الفائز بجائزة غونكور لعام 1992 باتريك شامويزيو، صاحب “طفولة الكريول”، و”سجل الآلام السبعة” 1986، و”سوليبو العظيم”، والفيلسوف الشاعر ميشال دوجي، والشاعرة والمترجمة فينوس خوري غاتا. كما تحضر الثقافة الكورية بقوة في معرض هذا العام، سواء لجهة الأدب أو صناعة النشر أو كتب الأطفال، حيث يستضيف المعرض الكتاب الكوريين: مونيول بي وكيم جو يونغ وكيم مين جيونغ. وللثقافة الهندية من الطيب نصيب، حيث تشارك أكثر من 28 دار نشر هندية والعديد من الكتاب الهنود في مقدمتهم الشاعر الشهير ساتشيداناندان، وثوبيل محمد ميران، كما يحضر القارئ الإلكتروني “وينك” الذي سيكون متاحاً للبيع للمرة الأولى في الشرق الأوسط، ويقوم هذا الجهاز الأكثر تطوراً والمدعوم بـ 15 لغة بعرض إلكتروني لما يزيد على 200 ألف كتاب. وفي السياق نفسه يحضر الكاتب السويدي الشهير جوستين غاردر صاحب “عالم صوفي” و”فتاة البرتقال” و”قلعة في البرينيه”، والكاتب السويدي اولف ستارك والرسامة انّا هيجلند للتوقيع على عملهما الجديد الصبي والصبية والجدار والذي ألفه الكاتب بعد زيارة قام بها إلى فلسطين، والروائية التركية أويا بيدار صاحبة “الكلمات المفقودة”، والفيليبيني فرانسيسكو سيونيل خوسيه أكثر الكتاب الفيلبينيين قراءة، وأوسنه سايرستاد وهي صحفية وكاتبة نرويجية، اشتهرت بكتابها الأخير، “ملاك غروزني” الذي صورت فيه أوجه حياة العائلات الأفغانية بعد أحداث 11 سبتمبر، والمصورة ورسامة المنمنمات الإيرانية فيروزة جولمو حمادي، والرسام والكاتب الجنوب افريقي بريتين برايتنباك، والكاتب الألماني إنغو شولز... وغيرهم. إلى ذلك، تتيح جلسات الحوار والمناقشات التي يشارك بها مبدعون ومثقفون من كافة الاتجاهات والأساليب ومن كل الجنسيات نافذة واسعة لجمهور المعرض ليطل على جانب من مشهد ثقافي عربي وعالمي ذي دلالات متنوعة وثيمات مختلفة. وفي موضوع التعرف إلى الآخر، لابد من الانتباه إلى أن ثقافة الآخر الذي نحاوره تستند الى ذاكرة تاريخية، وأنها تحمل على المستوى المفاهيمي معنى مزدوجاً ومصطلحاً مركباً ومربكاً أيضاً ينبغي التعاطي معه بوعي عميق ومعرفة دقيقة، فالعلاقة الثقافية لا تنطوي دائماً على الانسجام والتآلف وقد تتوفر على قدر غير قليل من التنافر والتضاد. وفي هذا السياق من المفيد التعاطي مع “حوار الثقافات” من موقع الندية لأن نظرة كهذه من شأنها أن تحقق التنوع والتعددية التي تحرص عليها الإمارات، وبهذا فقط، يمكن أن يصبح الحوار فعلاً تشاركياً ومنتجاً بل ويغدو ساتراً تتحطم على جدرانه مبررات المفهوم الأحادي للثقافة؛ فهو يمتلك في داخله قدرة على احترام كافة أنواع الثقافات وهذا بالتحديد يمدنا بإمكانيات لا حصر لها في مواجهة الأحادية التي تصبغ وجه العولمة. ناهيك عن أن التعددية الثقافية ركيزة أساسية من ركائز أي مشروع ثقافي حداثي او يطمح إلى أن يكون حداثياً. قراءة مدى الحياة في الغاية، يسعى المعرض إلى بناء الفرد القارئ، وفي ظل التراجع المؤلم في معدلات القراءة عربياً يتجلى نبل مثل هذا الهدف. ولكي يحقق أي مجتمع مثل هذه الغاية عليه أن يتوجه الى الأطفال، لأن القراءة عادة حميدة ينبغي أن يُنشأ عليها الطفل منذ نعومة أظفاره. وقديماً قالت العرب “من شب على شيء شاب عليه” فإن شب الطفل على حب القراءة وحب الكتاب يكون الهدف في سبيله الى التحقق عملياً. من هنا، جاء اهتمام معرض أبوظبي للكتاب بكتاب الطفل وثقافته. وحول ثقافة الطفل وضرورة الاهتمام بالناشئة في سبيل خلق الإنسان القارئ يقول الأديب والباحث المتخصص في ثقافة الطفل الدكتور هيثم الخواجة: لا ريب في أن العناية بالطفل منذ الصغر ضرورة لازبة على الكبار من أجل بناء جيل واعد، ولا ريب في أن هذه العناية لابد أن تكون نوعية، وممنهجة، ذلك لأن مناخات الفوضى تدفع الطفل إلى مساحات ضائعة قد تكون رمادية في كثير من الأحيان. بناء على ذلك، فإن غالب الباحثين والدارسين بل جلهم يدعون إلى الخطط المدروسة وإلى المنهجية، ليست التراكمية، وإنما البنائية، وهذا يقودنا إلى القول إن الطفل القارئ يحتاج إلى أنشطة لاصفية نوعية، ويحتاج إلى أسرة واعية، وإلى مؤسسات معنية تعزز القراءة لديه وتطبع له ما يجب أن يطبع، وأفضل ما يجب أن يطبع أي الكتاب الذي يشد الانتباه من جهة والذي يؤسس لبناء شخصيته وفكره وسلوكه من جهة أخرى. لأن المشهد الثقافي في أي بلد عربي مليء بالكتب التي لا تصلح للأطفال سواء أكانت مترجمة أم مؤلفة، بسبب الغاية التجارية، والرغبة في الربح المالي السريع، وعلى هذا تترتب على المؤسسات طباعة الكتاب ليصل إلى جميع الأطفال بسهولة ويسر. ويرى الدكتور الخواجة أن استقطاب المتخصصين والمثقفين والتربويين لهذه الغاية غدا ضرورة وأن استبعاد المتنطعين والمجربين (الذين يجربون في الطفل) غداً واجباً. ويشير الدكتور الخواجة إلى أن “دولة الإمارات لديها الكثير من الاتجاهات الفاعلة والمؤثرة سواء من خلال جوائز أدب الأطفال أم من خلال معارض الكتاب أم من خلال بعض المؤسسات”، ويدلل على ذلك بهذه الورشات المصاحبة لمعارض الكتب وللمهرجانات التي تؤسس لمنهجية يمكن أن تنسحب في المستقبل على المدارس المؤسسة الأولى المعنية بالطفل، ويضيف: “ولا أفرق هنا بين دور الأسرة في تدعيم هذه المنهجيات ودور المدرسة”. ويجد الأطفال في المعرض ضالتهم المعرفية/ الكتب، وضالتهم الترفيهية/ الرسم والإبداع والتلوين وغيرها من وسائل التسلية والتعليم، فضلاً عن الاهتمام بمن يكتبون للطفل أو يقومون بتعليمه وتربيته وينتجون ثقافته حيث تخصص هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ركناً لأنشطة الطفل تحت مسمى “ركن الإبداع” يركز على ثلاثة مجالات من الأنشطة هي “المسرح، ركن الطفل الصغير، ورشة العمل”، وفيه تحكى القصص وتقام ورش العمل التوضيحية للصغار والناشئة، علاوة على حافلة “كتاب” التي ستتيح للأطفال والناشئة الصعود على متنها والتمتع بمطالعة كتبهم المفضلة، من دون إغفال أن الحافلة تسعى إلى إيصال الكتب إلى الجميع. ومن بين الأنشطة “جدارية الشباب” المتواجدة بالقرب من “ركن الإبداع” التي يعبر الأطفال من خلالها عن أنفسهم، إلى جانب فعاليات أخرى تعلم الطفل كل ما هو جديد في عالم الكتاب والقراءة والتجريب أيضاً عملياً وليس نظرياً. ومن بين الأنشطة الموجهة للطفل مسابقة “أداء القراءة” التي يتبارى فيها تلاميذ الصف الخامس من مدينتي العين وأبوظبي على مرأى ومسمع من الجمهور مباشرة في قراءة مختارة من كتب مشروع “كلمة” التابع للهيئة. بالإضافة الى وجود الكتاب والأدباء الذين سيلتقي بهم الطلاب والصغار للتعرف على تجربتهم الإبداعية. وفي الثقافة المسرحية يتابع الأطفال أداء اثني عشر مونولوجاً مختارة من روائع المسرح العالمي، تتضمن أعمالاً لشكسبير وموليير إلى جانب كتاب إماراتيين. ولعل تخصيص منطقة حصرية لمرحلة ما قبل المدرسة، من سن سنتين إلى 5 سنوات، يعكس اهتمام الهيئة بثقافة الطفل. ولا يقتصر الاهتمام بالطفل وثقافته على الهيئة أو “كتاب” بل يتسع ليشمل جامعة زايد التي تنظم جملة محاضرات وندوات وورش عمل مهمة تحت عنوان “الفصل التعليمي الثالث” بهدف تعليم جيل جديد من الأطفال على القراءة وغرس حب الكتاب والكلمة المكتوبة في قلوبهم، وتقديم فرص مبتكرة وذات شأن عالمي نحو تطوير قدرات المعلمين. وتقول جون ر. كراين من جامعة زايد، أنه “تم انتقاء هذه المجموعة المتنوعة من ورش العمل بعناية، ويتم تقديمها من قبل أكاديميين من كلية التربية في الجامعة، وخبراء في مجال أصول التدريس. وصُممت لإعطاء المندوبين الفرصة لتطوير مهاراتهم كمدرسين وللمشاركة مع أفضل الخبرات والعلاقات مع غيرهم من المربين في المجال نفسه”. وفي قراءة لموضوعات الورش يتضح اهتمامها بكيفية تطوير القراءة والكتابة لدى الأطفال في إطار تفاعلي، مما يساعدهم بالتالي على إتقان اللغة ويسهل عليهم القراءة الحرة خارج المنهاج الدراسي، وكلها تسعى لجعل القراءة شيئاً ممتعاً ومثيراً للطفل. إلى ذلك، ثمة متسع كبير لدور النشر المتخصصة في طباعة كتاب الطفل لتقديم تجاربها على هذا الصعيد. ومن الجهات المهتمة بثقافة الطفل معهد غوته - المركز الثقافي الألماني في الخليج الذي يناقش عبر مشروعه “الكتّاب الإماراتيون يكتبون للأطفال الإماراتيين” سلسلة من القضايا التي تخص الكتابة للطفل، ويثير أسئلة مهمة حول الكتب التي تترجم ومدى تلبيتها لحاجات الطفل الإماراتي، وأهمية كتب الأطفال في دولة الإمارات العربية المتحدة ومستقبلها. وقالت سوزانا شبورر مديرة معهد غوته إن المشروع “جزء من التزام المعهد الدائم لتشجيع القراءة بين أطفال الإمارات”، وأضافت: “إذا ما كان لدى الأطفال الفرصة لمطالعة الكتب المثيرة والإبداعية التي تعكس واقعهم الثقافي، فإنهم في الغالب سيمارسون القراءة طوال حياتهم”. لا مكان للقراصنة ومن سمات معرض أبوظبي للكتاب مكافحته الدائبة للقرصنة، وقد سجل في العام السابق إغلاق دار نشر تمارس القرصنة واعتبرت هذه الخطوة أول خطوة من نوعها في معرض كتاب عربي. ويقول منظمو المعرض أن عدد دور النشر التي تم وضعها على قائمة الانتظار أو تم رفض مشاركتها في دورة المعرض الحالية لدواعي حقوق الملكية بلغت 69 دار نشر تم الاعتذار عن قبول مشاركتها. وتأتي هذه الخطوة تعزيزاً لالتزام المعرض بقوانين حقوق النشر والتأليف، والحق يقال إن المعرض حقق سمعة مرموقة على هذا الصعيد. ومنها أيضاً العناية الواضحة بصناعة النشر الذي ذهب بنصيب الأسد من البرنامج المهني المصاحب للمعرض، حيث تعقد لمناقشتها موائد مستديرة بعضها يطل على تجارب دول في صناعة النشر وبعضها يبحث في تحديات النشر الإلكتروني وحقوق الترجمة والنشر الأكاديمي، والقرصنة على الإنترنت، وأساسيات إدارة الحقوق الرقمية، وصناعة الكتاب، وتوسع العلامات التجارية على الإنترنت’ وكيفية بيع حقوق الروايات للأفلام وعملية ترجمة كتاب إلى فيلم، وكيفية إنتاج وترويج الكتاب المنتج، والعرب وحرية النشر، وغيرها من التفاصيل المتعلقة بهذه الصناعة. ...وللنساء مكانهنَّ ويتميز معرض الكتاب هذا العام بحضور نوعي للنساء على صعيد المشاركة في البرنامج المصاحب، وليس المقصود حضور النساء في الفعاليات واللقاءات والحوارات أو أجنحة المعرض بل أيضاً تنظيمهنَّ برنامجاً متكاملاً في “الملتقى” الذي قالت مؤسسته ورئيسته أسماء صديق المطوع: “الآن بعد ما يزيد على عقد من الزمن على تأسيس الملتقى، أدركنا أهمية ما أثمرت به جهودنا من خلال تلمس النتائج الإيجابية، حيث تمكنا طوال السنوات الماضية من اجتذاب مجموعة من مبدعي العملية الثقافية، ولم يكن الأمر سهلاً ولكن رغم التحديات أسس الملتقى سمعته ليصبح منبراً وموضع ثقة واحترام، من خلال منحه المؤلفين فرصة لقاء قرائهم وجهاً لوجه وفرصة للقراء أنفسهم الذين استطاعوا مناقشة واقع العمل الثقافي وأبعاده المستقبلية وتسليط الضوء على نتائجهم. وكان لهذا أثر كبير على تنمية قدراتنا بل وفي تشجيع عدد من الأعضاء على ممارسة الكتابة الإبداعية والنقد الأدبي”. وأضافت: “هل يقرأ الكتاب نفسه؟ لتجيب: لن يكون ذلك شاقاً إذا منحناه القدرة على أن يأتي إلينا. وذلك بأن نمد أيدينا لنتلقاه في منتصف الطريق. وهذه الحالة لا تحدث إلا عندما تكون هناك رغبة حقيقية بين طرفي المعادلة: الكتاب والقراء. وهذا ما يسعى الملتقى إلى تأكيده من خلال تحفيز العملية الإبداعية للوصول إلى أفق يكون فيه منتج النص ومتلقيه في تآلف متكامل”. وترى المطوع أنه لا يمكن عزل القراءة عن محيطها باعتبارها إعادة نشر لما بين السطور، فالنص يتنوع بتنوع القراء وتنوع تفسيره كلّ من وجهة نظره. ولتأكيد ذلك لا بد من دعم وتأكيد التواصل بين جميع أطراف العملية الإبداعية لإيماننا بأنهم جميعاً ينحدرون من قبيلة واحدة: قبيلة الإبداع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©