السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كل شيء عشته إلا الحياة

كل شيء عشته إلا الحياة
16 مارس 2011 19:26
للشاعر السعودي عيد الحجيلي صدرت مجموعة شعرية جديدة تحت عنوان “جوامع الكمد” وهي تضك مجموعة من القصائد القصيرة الخاطفة والسريعة والتي تبرز فهم الشاعر للحظته الشعرية وعالمها الخاص، إذ الشعر اليوم لم يعد يحفل بتلك المطولات أو بالتداعي البلاغي بقدر ماهو حالة شعورية لاينقصها ذلك الاحساس بمفارقات الحياة وتناقضها وحالة من التوثيق الروحي لكل مايعبر بالشاعر وهو يمضي في طريقه نحو الشعر وفضاءاته، صوت شعري يواصل رحلته مع القصيدة عبر هذا الديوان الثاني له وبدون ضجيج بل وفي عزلته يكتب قصيدته تلك التي تعتني باللغة التي ستكون ملفتة لأول وهلة عند قراءة القصائد، في نص “محبرة” يقول: “الصمت محبرة الكلام” وفي قصيدة “وأد” يقول “كلما ولدت فكرة وأدتها العبارة”، وبين الصمت والكلام والفكرة والعبارة سيدور فلك هذه المجموعة في فضاءات الشاعر الباحث عن ظلال أوسع وضفاف فسيحة للكتابة، فهو الشاعر الذي يترقب لحظته بإمعان ويصل إليها ويحدد مسارها لتكون القصيدة قادرة على أن تقول ماليس في حسبان الشعر وفي توقع القارئ العادي. وسنلاحظ أن عيد الحجيلي يعطي لقصيدته دورتها كي تكتمل بلا زوائد ولا هوامش فهي القصيدة تماما حتى وهو يضع لها عنوانا فلا يكون العنوان بمثابة التسمية في بطاقات الولادة أو لمجرد تسمية القصيدة، بل كجزء من كائن النص ولربما لو قرأ أحدهم النص دونما ذلك العنوان لشعر بالقيمة التي أضافها النص، وهذا شأن الشعر الحديث وشأن الشاعر وهو يقدم لوحة فنية تعنيه فيها كل ضربات الفرشاة أيا كانت وكل الفراغات بل وتلك النقاط المترامية التي نراها في قصائده، سنقرأ في قصيدة له تحت عنوان “نبوءة” يقول: “في سرير أحابيلها/ المحكمات/ يشيم مخايل/ نوم عميق” هذه نبوءة الشاعر في فلسفته وفي داخله العميق. وفي قصيدة “اعتراف” نقرأ: “كل شيء عشته/ إلا الحياة” وكأن ذلك يمكن أن يكون أهم اعتراف يقوله الشاعر في حياته وكأن سائل ما قد استثاره ليعترف بما يود فيجد في محصلته هذا الاعتراف الذي لايرى أن تفاصيله ستكون أفضل من ايجازه بهذه العبارة الشعرية الخاطفة، التي ربما قالها الناس كثيرا في داخلهم بيد أن الشاعر يصعد من حالتها إلى القصيدة لتكون اعترافا وجزءا من سيرة الروح الذاتية. وسنلحظ أيضا في تشكيله البصري وتوزيعه لسطور النص مايشي بطريقة للتعاطي مع النص في فراغاته وفي توزيع بعض كلماته أو تقطيع بعض المفردات كما نقرأ في نص نداء الذي يبدأ بسطرين من النقاط أو مثل نصوص كثيرة تنتهي بتلك الأسطر التي تلمح إلى حالة القصيدة وتقول الكثير نيابة عن الكتابة، وهكذا يمضي عيد الحجيلي طيلة هذه الجوامع يحصي مناقبها وثيماتها ويومض ويلحظ من بعيد تاركا للقارئ أن يتماس معه أو يخالفه أو حتى يشعر بذات الشعور الطائر حين تكون القصيدة فضاء مفتوحا وقابلا للأسئلة ومستفزا للبحث والتأمل خصوصا وهو يكتب مجموعة من النصوص تمضي بمخيلة القارئ إلى شبيهات لها في أدبياته، من أمثلة ومن أبيات شعر معروفة أو مايتصل بثقافته فشاعر اليوم هو الشاعر الذي لايكتفي بشعريته وقدرته على ترويض اللغة بل بقدرته على بلورة تلك الثقافة وتوظيفها في نصه يقول في نص قصير جدا تحت عنوان “مثَل”: “آفة الحس الشبع” وكذلك سنقرأه في سورة الصمت وضمير منفصل وامبريالية والحلاج وغيرها، وهو الشعر لدى عيد الحجيلي تصور خاص بموجوداته وكائناته وفلسفة تعنيه حتى في مجازاتها وصورتها الفنية فالصورة الشعرية لديه ليست تلك التقليدية المستهلكة، بل نقرأ القصيدة لديه كصورة شعرية متوحدة عامة ولانستطيع أن نجتزأها من بين السطور او نقراها بمعزل عن النص، وهذا قد لايحدث كثيرا مع تجارب كتبت شعر التفعيلة وكان لشعرائها أن تطوعهم تلك الموسيقى كيفما شاءت، فمع عيد في مجموعته الشعرية هذه يختلف الأمر فالقالب الفني لديه ليس سوى ذلك الحس الموسيقي الخافت الذي يتكئ عليه ليرسم خطا شفيفا يكاد لايرى لكن له سمة الوتر الوحيد مما يضيف لتجربته تلك الخصوصية ويحسب لها هذا الاستخدام الفني الرفيع للإيقاع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©