الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسرحة الحياة

مسرحة الحياة
16 مارس 2011 19:39
ربما نجد في أدبيات المسرح ما يتوافق بالصدفة مع معطيات اللحظة الراهنة، عندما تتكرر بعض معادلات الصراع في المجتمعات الإنسانية بين الحقوق المتعارضة، ويصبح الأدب، بما يحمله من طاقة رمزية وقيم إنسانية جديرا بأن يقوم بدور المرآة التي نرى فيها وجوهنا مهما بعد بها العهد أو اختلفت عليها الأمصار والأقدار. وعندما يتعرض الباحث للحديث عن المسارح الأوربية الفرنسية أو الانجليزية أو الألمانية أو الروسية، فإنه يتكئ على قاعدة طيبة من الأعمال المترجمة والشائعة في اللغة العربية، أما في حالة المسرح الإسباني فهو على قدمه يظل شبه مجهول لدى القارئ عندنا، مما يجعل مهمة تحليله تميل إلى جانب التعريف أكثر مما تقوم بالنقد والتمحيص، ومع ذلك فلا مفر من محاولة الجمع بين التعريف والتحليل فى آن واحد. والخاصية الأولى للمسرح الإسباني في عصره الذهبي الأول في القرنين السادس والسابع عشر هي ثراء المادة التي يستقي منها عناصره، وخصوبة الموضوعات التي يطرقها، إذ تمتد من التراث الملحمي الذي ازدهر في العصور السابقة عليه لدى الإغريق والرمان إلى الوقائع التاريخية العالمية والقومية، كما تشمل الموضوعات المميزة لعصر النهضة الأوروبية، إضافة إلى أدب الرعاة والعرب المستعجمين أو الموريسكيين وأدب الفروسية، إلى جانب الأدب الديني المستقى من العهدين القديم والجديد والأسرار اللاهوتية. دون أن يغفل ما يمتد إليه من مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والمشكلات العاطفية الفردية في واقعه اليومي. على أن هذا التنوع الشاسع في تجارب المسرح وموضوعاته ليس هو الذي يمنحه قيمته الفنية، بل كيفية تحويل هذه المادة إلى عناصر درامية ذات بنية فاعلة، تحقق درجة عالية من الإتقان التقني والتوظيف الدرامي للمواقف والشخوص، مما تتيح دلالات مقصودة يستخلصها المشاهدون للعروض أو قراء النصوص. وهذه هي قدرة الخلق الفني التي تشبه العصا السحرية عندما تمس شيئا فتحيله إلى حدث درامي بعد أن كان مجرد حكاية أو فكرة لا ينبض فيها صراع ولا تضج في قلبها الحياة. ولعل هذا الجانب هو الذي تكمن فيه حيوية المسرح الإسباني وقيمته في الآداب العالمية. فلا ينبغي أن نبحث عن هذه القيمة من خلال تتبع المضوعات التي التقطها منه المسرح الفرنسي أو الإيطالي وصبغها باللون المميز، ولا في النماذج التي قدمها للآداب العالمية الشهيرة، مثل نموذج “دون جوان” المعروف أو “السيد” أو “سيخموندو” الذي سيأتي ذكره، وإنما يجب أن نلتمسها فيما هو أعمق من ذلك وأبعد غورا، في هذه القدرة العجيبة على تحويل المادة التي لم تكن قبله تصلح للمسرح وخلق بذرة الدراما في كيانها، فالميدان الخاص الذي أبدعه المسرح الإسباني هو مسرحة الحياة نفسها وإكسابها رؤية فنية نافذة، وهذا على وجه التحديد ما ينبغى أن ندعو إلى مثله في أدبنا، مسرحة حياتنا وتوليد رؤية فنية شاملة لها. drsalahfadl@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©