الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أستراليا: الصين··· ثم المملكة الوسطى

أستراليا: الصين··· ثم المملكة الوسطى
11 يونيو 2008 01:17
إنه قِران عُقد في السماء بين شهية الصين المفتوحة حد الشراهة على المواد الأولية، وبين الملايين التي تجنيها أستراليا نظير ما تزخر به أراضيها الممتدة من موارد طبيعية، فالأستراليون يزدادون غنى بسبب الاكتساح الاقتصادي الجارف للصين الذي رفع أسعار العقار، ودفع بسوق الأسهم إلى تحقيق أرباح غير مسبوقة، كما خفض معدل البطالة في أستراليا إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لكن في الوقت الذي تتوطد فيه العلاقات الاقتصادية والسياسية بين ''كامبيرا'' وبكين بسبب ازدهار قطاع المناجم والتنقيب عن المعادن، بدأت في المقابل ترن أجراس الإنذار على امتداد آسيا، فالهند واليابان، على وجه الخصوص، تشعران بأن الأستراليين يولون انتباهاً مبالغاً فيه بالصين، لا سيما وأن اليابان لم يغب عنها أبداً أنها تراجعت من أكبر شريك تجاري لأستراليا في العام الماضي إلى المرتبة الثانية بعد الصين، بعدما احتلت مكانها في العام الجاري· وفيما كانت الصين وأستراليا تربطهما علاقات اقتصادية جيدة خلال فترة رئيس الوزراء السابق ''جون هوارد''، تضاعفت تلك العلاقات مع رئيس الوزراء الحالي ''كيفين رود'' -الزعيم الغربي الوحيد الذي يتحدث اللغة المندارية بطلاقة-، وجاء الإعلان الأخير للحكومة الأسترالية مطلع الشهر الجاري بالانسحاب الأحادي من الحوار الأمني الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان، بالإضافة إلى أستراليا، ليفاقم الشعور بعدم الارتياح لدى طوكيو ونيودلهي، وفي هذا الإطار يقول ''ريتشارد مارتن''-مدير إحدى المنظمات الاقتصادية ''فيما يتعلق بالعلاقة مع باقي الدول الآسيوية فقد أصبح واضحاً الميل الأسترالي نحو الصين''، مضيفاً أن ''النظرة السائدة في اليابان والهند وكوريا الجنوبية ترى بأن الحكومة الأسترالية اختُطفت من قبل الصين، وهم يعتبرون أن (كامبيرا) قامت بخطوة عملاقة في اتجاه بكين''، وقد كان لافتاً أن رئيس الوزراء الأسترالي خص الصين لوحدها بزيارة في أول رحلة له خارج البلاد حملته إلى بكين وبعض العواصم الأوروبية والولايات المتحدة· وفي تعليق له على هذا التقارب أكد ''جي برثاساري'' -دبلوماسي هندي سابق لصحيفة ''أستراليان''- أن أستراليا تتودد إلى الصين بشكل متزايد قائلا: ''لدينا انطباع بأن السياسة الأسترالية باتت منغلقة على الصين''، لكن المعلق الهندي ''بي رامان'' كان أكثر وضوحاً وصراحة بقوله ''الصين، والصين، ثم الصين هذا هو الموضوع الذي تكرر في خطابات ''كيفين رود'' أثناء زياراته للبلدان المختلفة''، غير أن التقارب بين البلدين لم يمر دون توتر شاب زيارة رئيس الوزراء الأسترالي إلى الصين، حيث أعطى ''رود'' تقييماً صريحاً لوضعية حقوق الإنسان في التبت، مشيراً أمام السلطات الصينية إلى ''المشاكل المهمة'' في هذا المجال، ويضاف إلى ذلك عدم الارتياح المتنامي لدى الأستراليين من الصعود المدوي للصين في المنطقة، فعندما وصلت الشعلة الأولمبية إلى ''كامبيرا'' في الشهر الماضي، اجتاح العاصمة 10 آلاف من الجالية الصينية ملوحين بأعلام بلادهم، بل وهاجموا المدافعين عن التبت· وتشعر أستراليا أيضاً ببعض القلق إزاء المحاولات التي تقوم بها الشركات الصينية لاقتناء شركات الموارد الطبيعية، وذلك لتأمين احتياجاتها من اليورانيوم والحديد وغيرهما من المعادن الثمينة، وقد انزعجت الحكومة الأسترالية على وجه الخصوص في شهر فبراير الماضي، عندما قامت الشركة الصينية التي تدعمها الحكومة، ''شاينالكو كورب''، بشراء 9 بالمائة من شركة ''ريو تينكو'' العملاقة، وجاءت هذه الصفقة كجزء من الاستراتيجية الصينية الرامية إلى استباق شركة أسترالية أخرى من حيازة حصة من الشركة العملاقة، فالمشترون الصينيون يخشون من أن يؤدي اندماج شركتين أستراليتين في مجال التنقيب عن المعادن إلى التحكم في الأسعار ومن ثم رفعها، هذا الهجوم الصيني على الشركة الأسترالية، والذي وصلت قيمته إلى 14 مليار دولار، دفع رئيس الوزراء إلى الإعلان بأنه سيدافع عن ''المصالح الوطنية'' لبلاده عبر مراجعة استثمار الشركات الصينية· ورغم المداخيل الكبيرة التي تتدفق على أستراليا جراء الاستثمارات الصينية، إلا أن شعوراً عاماً بعدم الارتياح يسود بعض الأوساط خوفاً من أن تتحول أستراليا إلى منجم صيني لاستخراج المعادن، لا سيما في ظل احتمال تحدي الصين للتفوق العسكري والاستراتيجي للولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادي، ويتفق مع هذا الطرح ''ريتشارد مارتن'' -مدير إحدى المجموعات الاقتصادية في أستراليا- قائلا: ''هناك فعلا شعور بعدم الارتياح مرده الهجوم الكاسح للصين على الشركات الأسترالية وسعيها للاستحواذ عليها، وهو أمر يختلف عن العلاقات الاقتصادية التقليدية بين أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، لأن المخاوف هذه المرة مرتبطة باحتمال السيطرة على شركات وطنية كبرى''· ومع ذلك يبدو معظم الأستراليين مرتاحين لصعود المملكة الوسطى، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه في العام 2005 معهد ''لولي'' المستقل، أن الأستراليين يعتبرون أميركا، وليس الصين، من تشكل الخطر الأكبر على العالم، فقد كشف استطلاع الرأي الذي شمل ألف شخص أن 35 بالمائة فقط متخوفون من الصين، فيما أبدى 57 بالمائة منهم قلقهم إزاء السياسة الخارجية الأميركية، كما كشف استطلاع الرأي أمراً آخر مثيرا للانتباه، يتمثل في معارضة أغلبية الأستراليين الاصطفاف مع أميركا في أي صراع حول تايوان· ويطمح الأستراليون في أن تستمر علاقتهم مع الطرفين من خلال الحفاظ على تحالفهم الوثيق مع الولايات المتحدة الممتد على مدى ستين عاماً، وفي نفس الوقت بناء علاقات الصداقة مع الصين، وهي العلاقة التي أصبحت مهمة لاستمرار الازدهار الاقتصادي في أستراليا بعدما غدا طلبة الجيولوجيا حديثو التخرج يحصلون على وظائف يصل راتبها السنوي إلى 112 ألف دولار· نيك سكوايرز-أستراليا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©