الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المناطق الاقتصادية الخاصة... معضلة في الهند

المناطق الاقتصادية الخاصة... معضلة في الهند
5 أغسطس 2009 01:50
تخيلوا لو أن الولايات المتحدة خصصت جزيرة «لونج آيلند» كمنطقة اقتصادية خاصة تمنح فيها للشركات والمصانع امتياز الاستفادة من الإعفاءات الضريبية والإجراءات البيروقراطية المخففة، فضلاً عن إلغاء الرسوم على وارداتها وتسخير البنية التحتية المتطورة، لا شك في أن العديد من الشركات ستسعى إلى الاستقرار في تلك المناطق لتعزيز إنتاجها الصناعي ورفع صادراتها ومعها توفير المزيد من الوظائف، لكن هل سينتفع سكان «لونج آيلند» من هذا التوجه؟ وهل سيوافقون على بيع أراضيهم للشركات؟ وماذا لو قامت الدولة بشراء الأراضي نيابة عن الشركات وتقديمها لهم بشروط تفضيلية؟ ولئن كانت هذه الأسئلة وغيرها مازالت افتراضية في الولايات المتحدة، فهي حقيقية في الهند وتثير العديد من القضايا الملتهبة، فقد أقرت السلطات الهندية في العام 2005 قانوناً يسمح بإقامة المناطق الاقتصادية الخاصة، أملاً منها في تطوير البنية التحتية وتعزيز الاستثمارات واجتذاب الشركات الأجنبية، بالإضافة إلى دعم القطاع الصناعي والزيادة في حجم الصادرات وفي الوقت نفسه خلق فرص عمل جديدة. والحقيقة أن الفكرة ليست وليدة اللحظة، كما أن تقييم نتائج المناطق الاقتصادية يتراوح بين الإيجابي والسلبي، لكن بروز التجربة الصينية التي كرست سياسة المناطق الاقتصادية الخاصة والنجاح الذي لاقته في تحفيز النمو بالاعتماد عليها، أعاداها إلى دائرة الأضواء، ودفعا العديد من الدول إلى التفكير في إنشاء مناطقها الاقتصادية الخاصة علها تنعش النمو وتستقطب الاستثمارات الأجنبية. ففي العام 2007، استقطبت الصين 84 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بفضل المناطق الاقتصادية الخاصة، فيما لم تجتذب الهند أكثر من 23 مليار دولار رافقه عجز كبير في الميزان التجاري، وبالنسبة للصين كان الأمر واضحاً في تحول المناطق الخاصة إلى قاطرة لا غنى عنها في النمو الاقتصادي، وأحد أعمدتها الأساسية في استراتيجيتها التطويرية. لكن في الهند غدت سياسة الترخيص لتلك المناطق محط جدل واسع بين الأطراف السياسية المختلفة، لترفع العديد من القضايا في المحاكم الهندية التي تتهم المناطق الاقتصادية الخاصة بـ«التمييز» ضد باقي الشركات الوطنية الساعية للاستثمار، بل أكثر من ذلك هناك مجموعة من الأسئلة المشروعة التي تثيرها هذه السياسية خاصة في الهند، مثل مدى قدرة الشركات التي تستفيد من إعفاءات ضريبية على المنافسة الدولية في حال أعادت الدولة فرض الضرائب مرة أخرى، وعدد الوظائف التي تساهم الشركات في إحداثها، ناهيك عن الجدوى من الاستمرار في سياسة الإعفاءات الضريبية فيما خزينة الدولة تعاني من العجز. وفي الوقت الذي واجهت فيه جميع الدول التي أقرت سياسة المناطق الاقتصادية الخاصة مشاكل من هذا النوع أو ذاك، وكان عليها التعامل معها، وجدت الهند نفسها أمام تحد أكبر يتمثل في مشكلة الأرض نفسها. فقد أصبح الأمر بالنسبة للشركات الراغبة في الانضمام إلى المناطق الخاصة ينطوي على مغامرة حقيقية، فمن بين 568 طلباً رسمياً تقدمت به الشركات في العام 2009 للحصول على تراخيص العمل داخل المناطق الخاصة لم يتمكن سوى نصف الطلبات من الحصول على الأرض اللازمة لإقامة مشروعاتهم، بسبب المقاومة الشرسة التي واجهتها الشركات من قبل أصحاب الأراضي الذين رفضوا في الكثير من الأحيان بيعها، وقد أثار هذا الموضوع الكثير من الجدل إلى درجة أن حزب المؤتمر الذي تم انتخابه مؤخراً جعل من حماية الأراضي جزءاً أساسياً من برنامجه. والسبب هو ارتباط أكثر من نصف القوة العاملة في الهند بالزراعة التي تشتغل بها أعداد كبيرة من المواطنين، وهو ما يفسر مشاعر الاستياء الطاغية لدى صغار المزارعين الذين لا بديل لهم عن الأرض، وفيما استطاعت الصين القضاء على تمرد المزارعين باستخدام قبضتها الحديدية، لا تستطيع الهند تبني سياسة مشابهة. فما الذي يمكن للهند القيام به للتخفيف من مشكلة الأرض التي تعوق إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة؟ الحقيقة أن ما قامت به الحكومة في هذا الصدد لضمان استفادة أصحاب الأرض من المشاريع المقامة لم يأتِ بالجديد، بل فقط أخر إتمام المشاريع، كما أنه إذا ترك الأمر للسوق دون تدخل حكومي، فلا شك في أن الشركات ستضطر لدفع أسعار أكبر لأصحابها، وهو ما سيحرمها في النهاية من الامتيازات التي حفزتها أصلاً على الاستثمار. وبالنظر إلى حساسية القضايا التي تثيرها المناطق الاقتصادية الخاصة في الهند، فإن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل الهند في حاجة فعلاً إلى هذه المناطق؟ فمعروف أن النمو الاقتصادي في الهند يعتمد بالدرجة الأولى على الشركات ورجال الأعمال الذين صعدوا من الأسفل ونجحوا في استثماراتهم رغم ثقل البيروقراطية الحكومية؛ لذا تبقى السياسة الأمثل للحكومة الهندية هي تعميم امتيازات الرسوم المخفضة والضرائب المعقولة، والبنية التحتية الجيدة والإجراءات الإدارية المخففة، على جميع الشركات وفي جميع مناطق البلاد، بدل حصرها على مناطق وشركات بعينها. لورا ألفارو ولاكشمي آير أستاذان بجامعة هارفارد الأميركية تخصص إدارة الأعمال ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©