الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«العدالة» لدى البشتون... مفتاح الحل في أفغانستان

«العدالة» لدى البشتون... مفتاح الحل في أفغانستان
5 أغسطس 2009 23:53
ليس مألوفاً أن يستضيف الواحد منا أحد أعيان البشتون الإسلاميين لمدة عشرة أيام في الولايات المتحدة، لذا عندما زارني «أكرم خان دوراني» لأول مرة قبل بضع سنوات، وهو الوزير الرئيسي في المحافظات الشمالية الغربية لباكستان التي تتمتع بحكم ذاتي، لم أدرِ ماذا سأقول له عندما سألتقيه المرة الأولى فوجدت نفسي أطرح عليه السؤال التالي: لماذا تقومون بما تقومون به في مناطقكم؟ فأجاب «إني أومن بأنه سيأتي يوم أقف فيه أمام الله ليحاسبني عما إذا كنت قد أقمت حكماً عادلاً بين شعبي أم لا؟» فجاء ردي تلقائياً «إني أيضاً أومن بشيء مشابه». الحقيقة أن ما يجب علينا أن نعرفه في مناطق البشتون أن فكرة «العدل» بما تنطوي عليه من حكم أخلاقي ونظام محكم لها جذور عميقة لدى أكثر من 40 مليون نسمة من المسلمين البشتون الذين يعيشون على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية، وما لم تفهم ذلك الاستراتيجية الأميركية لمكافحة التمرد وتحترم هذا المبدأ، فإنه لن تكفي جنود الأرض كلها ولا الطائرات بلا طيار لتحقيق الانتصار. وبعد زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة استضافني الوزير الرئيسي مرات عدة في باكستان وأتاح لي الوصول إلى الناس والتحدث إليهم بحرية، بالإضافة إلى تواصلي مع الأعيان وشيوخ القبائل في المناطق الشمالية الغربية لأكتشف مدى الاستياء الكبير الذي يكنه الأهالي تجاه واشنطن وإسلام آباد، فقد تخلت عنهم أميركا بعد هزيمة السوفييت في أفغانستان وتركت مناطقهم عرضة لتدفق ستة ملايين لاجئ أفغاني، فضلاً عن التهميش الذي عانت منه المناطق الحدودية من قبل السلطات الباكستانية فتفشى الفقر والأمية وغابت الشرطة التي عجزت عن حماية السكان. هذا الغياب للعدل، كما يتصوره سكان المناطق الحدودية من البشتون، يصب في صالح الجماعات الإسلامية التي تشكل اليوم جزءاً مهماً من «طالبان»، فهم عندما يدخلون قرية يقيمون محاكم إسلامية ويحرمون الممارسات المنافية لأخلاق، كما يتوسطون في حل الخلافات والنزاعات القبلية، فضلاً عن محاكمتهم للمجرمين، لكنهم أيضاً يقتلون قادة القبائل المحليين ومعهم يقضون على أي بديل آخر فيضطر الناس إلى قبول النظام الجديد والاستسلام لأمر الواقع بعد عجز الحكومة عن التصدي «لطالبان». لذا يتعين على استراتيجية أميركية ناجحة لمكافحة التمرد التركيز على تصور للحكم يحترم مبادئ العدالة التي يؤمن بها البشتون والقائمة على الإسلام، لكنها تختلف عن أيديولوجية «طالبان» وممارساتها العنيفة، فالإسلام مكون أصيل لهوية البشتون ولا يمكن لأية مقاربة تسعى إلى التعامل معهم تغييب المبادئ الإسلامية. وفي هذا الإطار، أيضاً لا بد من الانتباه إلى المظالم الموغلة في التاريخ التي يشعر بها البشتون في مناطقهم والناتجة عن الحدود الوهمية والمصطنعة التي خطها المستعمر البريطاني بين أفغانستان وباكستان في العام 1893والتي قسم بمقتضاها أكبر مجموعة عرقية في العالم، هذه الواقع الذي خلفه الاستعمار يؤطر تفكير البشتون المسلمين ويساهم في صياغة تصورهم حول مفهوم العدالة. ومع أن الولايات المتحدة أرسلت «فرقاً لإعادة الإعمار» إلى أفغانستان منذ العام 2003 لتسهيل وصول المساعدات العسكرية الأميركية إلى الحكومة المحلية، إلا أن النتائج كانت دون المستوى المطلوب بسبب قلة الموظفين وضعف الموارد والتنسيق، ويبدو أيضاً أن تلك الفرق لم تهتم كثيراً بالمسألة الثقافية ولا بمفهوم البشتون للعدالة. وبرغم الأهمية التي تكتسيها أفغانستان بالنسبة للجهود الأميركية في المنطقة تبقى باكستان هي حجر الزاوية، لكن مع الأسف قصرت واشنطن في الضغط على إسلام آباد لإصلاح المناطق الحدودية وتحسين الخدمات, ولتجنب هذه الأخطاء وغيرها يتعين علينا التعاون مع حلفائنا لصياغة استراتيجية فعالة لمكافحة التمرد تأخذ العناصر التالية في الحسبان: - وقف الحملات العسكرية في المناطق الشمالية الغربية لباكستان وجمع أعيان القبائل ورجال الدين لسماع تظلماتهم والإصغاء إلى اقتراحاتهم بشأن الحكم الجيد. - عقد اجتماع على مستوى الإقليم يضم كافة الشخصيات البارزة في المنطقة لمناقشة مسألة الحدود بين باكستان وأفغانستان التي تقسم البشتون وسبل إخراج العناصر الأجنبية من المنطقة - لا بد من فهم المقاربة المحلية لمفهوم العدالة التي يعتمد عليها البشتون باعتبارها جزءاً مهماً في مؤسسات الحكم القادمة، وإدماج هذا الفهم في استراتيجيات التواصل وبرامج التدريب المستقبلية. - استحداث برامج تدريبية تركز على الحساسيات الثقافية للبشتون، يستفيد منها بعض أفراد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي، وذلك قبل إرسالهم إلى أفغانستان. - وأخيراً الاستعانة بالبشتون الذين يعيشون في الخارج لمعرفتهم اللغة والدين، بحيث يمكن الاستفادة بخبراتهم وتوظيفهم في الوكالات العسكرية والمدنية المختلفة، ناهيك عن إمكانات الاستثمار في أفغانستان التي يوفرونها بمواردهم التي جمعوها في الخارج. ومع أن فهم مقاربة البشتون الإسلامية للعدالة، قد لا تقدم الحل الشافي لجميع المشاكل، إلا أنه لا نجاح للجهود الأميركية من دونها. كريس سيبل رئيس معهد «جلوبال إنجيجمنت» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©