الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أشباح الحرب الأهلية تحوم في سماء العراق

أشباح الحرب الأهلية تحوم في سماء العراق
5 أغسطس 2009 23:53
على مدى السنتين ونصف السنة القادمة، يتوقع أن تكون الولايات المتحدة قد سحبت جميع قواتها من العراق، وبالطبع سيشعر الأميركيون بالارتياح لأن الحرب هناك طالت وكلفت أكثر من اللازم، كما أن البقاء لمدة أطول في العراق هو غير مبرر بالنظر إلى ما يبدو أنه نجاح تحقق بفضل خطة الزيادة في عدد القوات الأميركية. ومن جهتهم، يشعر العراقيون أيضاً بالابتهاج، ذلك أن انسحاب الجيش الأميركي يعني خروج قوة احتلال كبيرة من البلد وما يترافق مع ذلك من فرصة ممارسة الحكم دون تدخل، وإذا جرى انتقال السلطة إلى أيدي العراقيين بشكل سلس، فإن الجميع سيخرج رابحاً. والحقيقة أنه على السطح يبدو هذا التفاؤل مبرراً بعدما تراجعت الحرب الأهلية التي بلغت ذروتها في العام 2006 وانحسر العنف، فيما تعززت فيه يوماً عن يوم شعبية رئيس الوزراء نوري المالكي وحزب الدعوة، فضلاً عن تضاؤل نفوذ «القاعدة» وانكماش دورها ليبدو العراق اليوم مختلفاً على نحو ملحوظ مقارنة بما كان عليه قبل ثلاث سنوات، لكن بالنفاذ قليلاً تحت السطح تتكشف قصة أخرى، فعلى مدار السنوات الخمس عشرة الأخيرة عكف الأكاديميون على تحليل معطيات لما يقارب 125 حربا أهلية شهدتها بلدان العالم منذ العام 1940، ومن بين النتائج التي تم التوصل إليها هناك مؤشران يجعلان الوضع في العراق أكثر تشاؤماً مما يأمل صناع السياسة في أميركا، أو العراق. أول تلك النتائج ما يطلق عليه الأكاديميان «بول كوليير» و»نيكولاس سامبانيس» بـ»فخ الصراع» بمعنى أن البلد الذي مر بتجربة الحرب الأهلية يواجه احتمالات أكبر لدخول حرب أهلية ثانية وثالثة، ذلك أن العنف الناتج عن الحرب غالباً من يفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى اندلاع الحرب في المرة الأولى. كما أن احتمالات النكوص إلى الحرب الأهلية هي أيضاً بسبب عدم حسم الحرب في انتصار واضح من قبل أحد الأطراف وصعوبة تطبيق اتفاق السلام الذي كان قد أنهى الحرب الأولى، فما أن يأخذ المقاتلون أنفاسهم ويتزودون بالمؤن حتى تبرز أمامهم حوافز أكبر لمعاودة القتال والسعي إلى السيطرة على الدولة، كما حدث في أنجولا خلال الثمانينات والتسعينات والسودان مؤخراً وفي كولومبيا وسريلانكا عندما رجع المقاتلون إلى حمل السلاح بعد فترات طويلة نسبياً من السلام. أما المؤشر الثاني الذي كشفت عنه الدراسات، فيتمثل في «معضلة التسوية المرضية» لجميع الأطراف، فقد أظهر المسلحون بعد توقيعهم لاتفاق سلام مثل اتفاق تقاسم السلطة في العراق أنهم دائماً يعودون إلى الحرب ما لم يكن هناك طرف ثالث يساعدهم على تطبيق بنود الاتفاق. والسبب أن الاتفاقات تترك المقاتلين، لا سيما الذين في موقف ضعف، أكثر عرضة للاستغلال بعد وضع سلاحهم وتسريح قواتهم استعداداً للسلام، لذا فإنه في غياب طرف ثالث يخمن الجانب الضعيف أنه من الأفضل الاستمرار في القتال للسيطرة على الدولة الآن بدل قبول اتفاق سيتركها نهباً لسوء المعاملة في المستقبل. والعراق اليوم يواجه المشكلتين معاً، إذ لا أحد من الأطراف استطاع حسم الحرب لصالحه والخروج منتصراً حتى في ظل انحسار العنف وتراجعه عن مستوياته المرتفعة في العام 2006، بحيث تستمر الجماعات الشيعية في التنافس على السلطة والنفوذ، فيما يبقى الصراع مفتوحاً بين الأكراد وفصائل عديدة للتحكم في حقول النفط بشمال البلاد، ناهيك عن «القاعدة» المستعدة دائماً للعودة إلى الساحة وتجديد تحالفها مع قوى السنة. ومع أن القوات الأميركية تمكنت من السيطرة على الاقتتال الداخلي، إلا أن الارتفاع الأخير في وتيرة العنف في بعض المدن العراقية يكشف عن شروع بعض الجماعات في التحرك بحثاً عن موقع لها، في الوقت الذي سلم فيه الجيش الأميركي المدن خلال شهر يونيو الماضي إلى الحكومة العراقية واستعداد تلك الجماعات للانسحاب الأميركي الكامل. ولا ننسى في هذا السياق أن القوات الأميركية تحقق بوجودها في العراق هدفين اثنين: الإشارة إلى حكومة المالكي والغالبية الشيعية أنه من غير الممكن تحقيق نصر حاسم على السنة والأكراد، والإيحاء إلى السكان السنة والأكراد الأقل عدداً أنهما في مأمن من الشيعة حتى بعد مرور وقت طويل على السلام، ولو أزلنا القوات الأميركية وانخراط الولايات المتحدة في العراق فإننا سنكون قد قوينا الشيعة وفي الوقت نفسه أعطينا إشارة للأطراف الأضعف بالدفاع عن أنفسهم وتدبر أمورهم. فما الذي يتعين على الولايات المتحدة القيام به لتفادي هذا السيناريو؟ على واشنطن تحديد أي محصلة تود تركها في العراق، فالراجح أنه بسحب الولايات المتحدة لقواتها في الموعد المحدد، فإنها ستخلق اختلالًا كبيراً في الميزان الاستراتيجي ينقل السلطة إلى الشيعة الذين سيضغطون باتجاه سيطرة كاملة على الدولة، وهذا بدوره سيدفع السنة والأكراد إلى الحرب، مع احتمال تحقيق الشيعة لنصر حاسم وقاس سيقود في النهاية إلى قيام دولة ديكتاتورية لا تختلف كثيراً عن دولة صدام حسين. لذا فإنه على واشنطن إذا كانت تريد فعلاً تجنب مصير مشابه، خلق حوافز حقيقية للمالكي والشيعة كي يقبلوا باتفاق يقتسم السلطة مع السنة والأكراد بحلول العام 2011 ثم تساعدهم على تطبيق بنوده حتى مع مرور الوقت، وهذا ما يستدعي بقاء 50 ألف من قوات الدعم الأميركية في العراق حتى تترسخ المؤسسات السياسية الجديدة التي يعتقد الخبراء أنها ستستغرق ما بين خمس إلى عشر سنوات. باربرا وولتر أستاذة العلوم السياسية بجامعة سانت دياجو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©