السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصحافة التونسية... قيود ما بعد الثورة

13 مارس 2012
باتت تونس البلد العربي المفضل للجميع في هذه الأيام: فهي البلد الذي انطلق منه الأحداث العربية، والذي تتوافر لديه أفضل فرصة للوصول للديمقراطية. لذلك سيكون مزعجاً للغاية أن تخرج تونس بحكومتها الإسلامية المعتدلة المفترضة بزعامة حزب "النهضة" عن القضبان. فإذا لم تتمكن تونس و"النهضة" من صيانة حرية التعبير فمن من الدول العربية الأخرى يستطيع ذلك؟ في الآونة الأخيرة صدرت عدة أحكام في تونس تبين أن العادات القديمة لا تزول بسهولة. ففي الثالث والعشرين من يناير الماضي مُثل "نبيل القروي"، صاحب قناة"نسمة" التلفزيونية أمام المحكمة بسبب عرض قناته لفيلم رسوم متحركة فرنسي تحت عنوان"بيرسيبوليس" في أكتوبر الماضي. ووجهت هيئة المحكمة للقروي تهمة تكدير النظام العام وانتهاك القيم المقدسة، لأن الفيلم -كما جاء بجريدة "نيويورك تايمز"- كان يحتوي على مشاهد فيها مساس بالذات الإلهية. وإذا ما أدين" القروي" بالفعل فإنه قد يحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، ومع أنه قد تم تأجيل المحكمة لشهر أبريل المقبل، فقد تبين أن حكم السجن ليس هو الشيء الوحيد الذي كان يتهدد "القروي" الذي تعرض منزله للهجوم من قبل جماعات من السلفيين التونسيين الغاضبين، حاولت أيضاً إضرام النيران في مكاتب القناة. في الوقت نفسه حكم بالحبس على ناشر صحيفة" التونسية" لقيام صحيفته بإعادة نشر صورة فاضحة ظهرت في النسخة الألمانية من مجلة"GQ". و"التونسية" هي صحيفة إلكترونية عملت لمدة خمسة أعوام أيام ديكتاتورية "بن علي" ثم تحولت إلى صحيفة ورقية منذ خمسة أشهر فقط. والصورة المسيئة كانت تظهر التونسي "سامي خضيرة" لاعب وسط نادي ريال مدريد الشهير، وهو يمد ذراعه لتغطية صدر عشيقته عارضة الأزياء الألمانية وإخفاؤه عن الكاميرات. وقد أعلن مالك الصحيفة "نصر الدين بن سعيدة" إضرابه عن الطعام بسبب الحكم الصادر ضده، وهو ما دعا للإفراج عنه بعد أن قضى ثمانية أيام في الحبس، ولكن المحكمة قامت بتغريمه في جلستها التي عقدت الأسبوع الماضي بتهمة خدش الحياء العام. وقد أدان حزب "النهضة" الذي يقود"الحكومة الائتلافية" استخدام العنف ضد الصحفيين، وأصدر رئيسه راشد الغنوشي بياناً قال فيه إنه عارض حبس"بن سعيدة"، ولكنه أضاف إنه كان يفضل معاقبة الشركة التي تصدر الصحيفة لنشر الصورة الفاضحة سبب الأزمة بدلًا من ذلك. وبعد أن قال الغنوشي إنه ضد الحبس فإن وزير حقوق الإنسان التونسي أعلن هو الآخر أنه ضد ذلك، كما دافع عدد من كبار الصحفيين التونسيين عن "بن سعيدة"، وتعجبوا كيف أن الأمر قد انتهى به إلى الحبس وراء القضبان. ولكن هذا ما حدث له بالفعل، وكانت واقعة حبسه هي السابقة الأولى منذ سقوط "بن على" لحبس صحفي، ولا يزال من غير المعروف بعد ما الذي سيحدث في محاكمة "القروي". وموقف الغنوشي بشأن حرية الصحافة -لهجوم على الشركات الصحفية وليس على الصحفيين- فيه ذكاء، لأن فرض غرامات على الشركات لن يلفت أنظار العالم، ولن يؤدي لحدوث احتجاجات كتلك التي تحدث أحيانا عندما يتم الزج بصحفي وراء القضبان. ولكن كلتا الطريقتين يمكن أن تكونا فعالتين في فرض الرقابة على الحرية الصحفية المكتسبة حديثاً في تونس، وهو ما يقودنا بالتالي للاعتقاد بأن عدم دعم الغنوشي لحرية التعبير، يعد شيئاً مقلقاً في الحقيقة لأن "النهضة" هي التي تهيمن على الحكومة التونسية الحالية وكذلك البرلمان، وبالتالي سوف يكون من الصعوبة للغاية أن تتمكن الجماعات الليبرالية من الدفاع عن حرية الصحافة إذا لم يقم الحزب الحاكم بذلك. من الأهمية بمكان على ضوء ذلك أن تشرع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الديمقراطية في الدفاع الآن وفوراً، عن حرية التعبير في تونس، بعد أن تأخرت في ذلك عن جماعات حقوق الإنسان التي سبقتها في الدفاع عن تلك الحرية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر منظمة "صحفيين بلا حدود"، التي أرسلت خطاباً مفتوحاً لرئيس تونس الجديد فصّلت فيه الطرق العديدة التي يتم من خلالها الضغط على الصحفيين والمطبوعات في ذلك البلد. أثناء زيارتها لتونس الشهر الماضي قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون: "نعتقد أن تونس تتقدم في الاتجاه الصحيح بناء على ما نراه أمامنا بالفعل، ولكننا سوف نستمر مع ذلك في الحوار لبحث المسائل التي قد تُثار من حين لآخر". على الرغم من ذلك، فإن ما حدث على أرض الواقع هو أن السيدة "كلينتون" لم تناقش المشكلات، التي "ثارت بالفعل" كما لم تنتقد القيود المفروضة على حرية الصحافة. وهناك تحديات أخرى مهمة لم تتطرق لها الوزيرة الأميركية، ومنها التأكد من أن التقدم السياسي في تونس لن يفتر، وأن الديمقراطية لن تتحول لغطاء يقوم الحزب الإسلامي المهيمن الحاكم من ورائه بالحد من الحرية. وعندما تكون حرية الصحافة في بلد ما مهددة، فإن الولايات المتحدة يجب أن تقود الجهود الرامية للدفاع عنها. إليوت إبرامز محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©