الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تمرد» إسباني على التقشف الألماني

13 مارس 2012
بدأت الأزمة الاقتصادية الأوروبية تنتقل إلى الساحات السياسية الوطنية الأقل قابلية للتنبؤ، حيث يكافح زعماء البلدان من أجل خلق توازن بين الإجراءات التقشفية الجذرية والحاجة الماسة إلى النمو الاقتصادي. فأمام شعوب بدأ صبرها ينفد إزاء ازدياد المعاناة الاقتصادية وصورة اقتصادية لا تتحسن، أخذ بعض الزعماء يتحدون مطالب بروكسل. ويقود هذا النوع من "التمرد" على إستراتيجية الاتحاد الأوروبي المتمثلة في "تقليص كل الميزانيات ولا نمو إسبانيا، التي أخذت تثير قلق الأسواق، وذلك على اعتبار أن الاقتصاد الإسباني أكبر من أن يُنقذ مالياً، علماً بأن البلاد كانت من بين أكثر المؤيدين للتدابير التقشفية". وقال رئيس الوزراء المحافظ "ماريانو راخوي"، يوم الخميس الماضي في خطاب إلى مندوبي الحزب الشعبي الأوروبيين: "من الضروري اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن ننأى بأنفسنا عن مقترحات وهمية وأن نتعامل مع أرقام واقعية، وأن نطبق السياسات وفقاً لذلك"، مضيفاً "فبهذه الطريقة فقط، نستطيع تعزيز الثقة (في السياسات) بين المواطنين، وشركائنا، والأسواق". جاء هذا في معرض شرح "راخوي" لأسباب تحديه للاتحاد الأوروبي وتخليه عن التزام إسبانيا بتقليص عجزها لـ 2012 الذي يعادل 4?4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، معيداً وضعه عند 5?8 في المئة. ولكنه ترك هدف 2013 الإلزامي والمتمثل في 3 في المئة على حاله. وبهذا التحدي تكون إسبانيا قد رسمت لنفسها خطاً جديداً. فقد طبقت البلاد بالفعل إجراءات تقشفية وإصلاحات ضرورية خلال السنوات الأربع الماضية، ولكنها في حاجة اليوم إلى أن تحفز النمو من أجل زيادة قاعدتها الضريبية وخلق الوظائف. لأنه من دون نمو، لا يمكن حل مشاكل إسبانيا المتعلقة بالديون وتقليص الميزانيات-سياسياً واقتصادياً. ولئن لم يكن إعلان "راخوي" مفاجئاً بشكل كامل، فإن الكثيرين في الاتحاد الأوروبي فوجئوا بتوقيته، ولاسيما أنه قام للتو، إلى جانب 24 زعمياً آخر لبلدان الاتحاد الأوروبي، بتوقيع الميثاق المالي الذي تتزعمه ألمانيا، والذي سيرغم الحكومات على تحقيق التوازن في ميزانياتها بحلول 2013، تحت طائلة عقوبات كبيرة. وتُعتبر إسبانيا أول بلد يطالب رسمياً بمزيد من المرونة في التعامل مع عجزها، على الأقل بالنسبة لـ 2012، ولكنها لن تكون الأخيرة على الأرجح، كما أن بلجيكا وقبرص والمجر وبولندا ومالطا تلقت تحذيراً من أنها تسير نحو عدم تحقيق أهدافها. على أن فرنسا أيضاً يمكنها أن تنضم إلى هذه البلدان في حال قام الناخبون بتنحية ساركوزي في الانتخابات المقبلة. ومن جهتها، تقاوم إيطاليا الإصلاحات على نحو متزايد، حتى الألمان والهولنديين بدأوا يطالبون حكوماتهم بمزيد من السياسات التي من شأنها تحقيق النمو، حتى وإن كانوا يقاومون تقديم مزيد من الإنقاذ المالي لجيرانهم الجنوبيين. وحتى الآن، لم يكن لدى البلدان خيار آخر غير قبول التقشف، ليس فقط لأنه ضروري، وإنما أيضاً لأنه كان الطريقة الوحيدة لإقناع شمال أوروبا، الذي تقوده ألمانيا بتقديم إنقاذ مالي لليونان وإيرلندا والبرتغال من أجل تجنب انهيار واسع لمنطقة "اليورو". غير أن ازدياد الاحتجاجات العنيفة والبطالة ومستويات الفقر بدأت تدفع النقاش إلى المستوى الوطني في وقت تعيد فيه الحكومات الأوروبية حساب التداعيات السياسية، حيث باتت هذه الحكومات تواجه ضغوطاً متزايدة للبحث عن سياسات من شأنها تحقيق النمو، حتى وإن كان ذلك يعني أهدافاً أقل طموحاً في ما يخص تقليص العجز. وفي هذا السياق، دعت أكبر نقابات إسبانيا إلى أول إضراب وطني ضد راخوي في التاسع والعشرين من مارس الجاري، بسبب ما قالت إنه عدم رغبة الحكومة في التفاوض بشأن إصلاحاتها الاقتصادية، ولاسيما الإصلاحات المتعلقة بالعمال، التي دخلت حيز التنفيذ في فبراير الماضي وتجعل عمليات تسريح العمال أسرع وأقل كلفة، كما تسمح للمشغِّلين بخفض الأجور. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول توريبلانكا "إن إسبانيا تقول إن أوروبا في حاجة إلى الاثنين معاً. التقشف هو حالة واحدة من حالات السوق، ولكنه ليس الوحيد"، مضيفاً "هذا هو الوقت للشروع في الحديث حول ما يأتي بعد التقشف". والواقع أن هناك سابقة، حيث يقول توريبلانكا: "في 2003 كانت ألمانيا وفرنسا البلدين اللذين طلبا من الاتحاد الأوروبي مزيداً من المرونة من أجل مواجهة عجزهما"، مضيفاً "وسيتعين على ألمانيا أن تعترف بأن الوضع لن يكون أحسن مما هو عليه اليوم". ويوم الجمعة، اعترفت المفوضية الأوروبية بأنها أرسلت مندوبين إلى إسبانيا هذا الأسبوع من أجل مراجعة البيانات المتعلقة بعجزها، في أفق تقديم الحكومة لميزانيتها في وقت لاحق من هذا الشهر. وحينها فقط سيقرر الاتحاد الأوروبي ما إن كان سيسعى إلى فرض عقوبات لفشلها في تحقيق هدف تقليص العجز. عندما وصل "راخوي" إلى السلطة في ديسمبر الماضي، قال إن العجز يبلغ 8?5 في المئة، وهو ما شكل انحرافاً خطيراً عن هدف 6 في المئة الذي وضع في 2009، والذي عزته الحكومةُ الجديدة بشكل رئيسي إلى الإفراط في الإنفاق من قبل الحكومات المحلية، التي تتمتع باستقلالية كبيرة بخصوص الميزانية. غير أن متاعب إسبانيا ليست نتيجة سياسيين مبذرين يفتقرون إلى حس المسؤولية، على الأقل ليس بشكل كامل، وإنما فشل نموذج اقتصادي يقوم على البناء والعمالة الرخيصة -وهي أسواق انهارت مع بداية أزمتي الائتمان والديون- وإذا كانت لدى إسبانيا تقليدياً ديون أقل مقارنة مع معظم جيرانها، فإن الأمر سيستغرق سنوات من أجل إعادة تحويل اقتصادها وتحفيز النمو. ويقول توريبلانكا: "في حالة إسبانيا، يمكن القول إن الأسواق لا تشعر بالقلق بشأن الإصلاحات، وإنما بشأن الوظائف والنمو"، مضيفاً "ليس من المعقول أن نطلب من إسبانيا الانتحار!". أندريس كالا - مدريد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©