الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمود درويش .. مصادفات الوجود والعدم والزمن المتطابق

محمود درويش .. مصادفات الوجود والعدم والزمن المتطابق
6 أغسطس 2009 00:05
هل هي مصادفة حقا أن يرحل شاعر شغل الناس وملأ الدنيا في زمننا المعاصر بهجة وألما بشعره الذي جسد عذابات شعب في أمة وأمة في كون يستلبها يوما بعد آخر؟ هل هي مصادفة أن يرحل الشاعر محمود درويش عن 67 عاماً؟ وهل هي مصادفة لم يعرفها درويش حقاً أن ألمه المستفز من ذلك الرقم الهمجي الذي زرع أنيابه في قلب كل عربي هو الرقم 67 حيث النكسة العربية التي فجعت بهما، أرضاً وشاعراً. تحل يوم الأحد المقبل الذكرى الأولى لرحيل الشاعر الاستثنائي محمود درويش، حيث اختطفه الموت في التاسع من أغسطس 2008 تاركاً وراءه الكثير من الحزن والفقد والشعر أيضاً... الموت الذي أدمى عيون الشعراء والذي قال فيه درويش نفسه: أيها الموتُ انتظرْني خارج الأرض، انتظرْني في بلادكَ، ريثما أُنهي حديثاً عابراً مع ما تبقّى من حياتي قرب خيمتكَ، انتظرْني ريثما أُنهي قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد. يُغريني الوجوديّون باستنزاف كلّ هنيهةٍ حرّيةً، وعدالةً، ونبيذَ آلهةٍ... فيا موتُ! انتظرْني ريثما أُنهي تدابيرَ الجنازة في الربيع الهشّ، حيث وُلدتُ، حيث سأمنع الخطباء من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين وعن صمود التين والزيتون في وجه الزمان وجيشه... تلك هي قصائد رثاء النفس التي أوجد لها محمود درويش فنا وغرضا قائما بذاته لم يسبقه إليه شاعر عربي آخر، حيث صنع جنازته بنفسه فكان المودع والمغادر. استطاع درويش أن يبني اسطورته الجميلة من كل ركام العذابات التي مر بها وسط شعب لم يعرف التاريخ ألما مر به شعب سواه، حيث زاره الموت واستوطن عنده واستمرأ اللعبة معه حتى صار رفيقا لأطفاله وهم ذاهبون إلى المدارس، جالسا في حقائبهم المدرسية، ملتحفا معهم ليل شتائهم البارد فوق أسرتهم البالية. من كل هذا الألم الممتزج بالرعشة واللذّة، بالحزن والسحر، بات درويش ينسج المأساة في الجماليّ الخالص. في شعر درويش ثمة سمة ضوئيّة، أو فلنقل ثمة صباح: نهوض دائم من النوم، قهوة الأمّ، والقهوة مع الحليب... إضافة إلى صفاء لغويّ لا نظير له. وفي حين يأخذ الجسد في قصائد الآخرين منبر الكلام في اللذة، يقوم الجسد الدرويشيّ بالإصغاء. اللذة في قصائد درويش فعل إصغاء وانفعال وجودي خالص. لقد جعل درويش من الشعر وسيلته الفضلى لقول كلّ شيء: الغضب، الخيبة، الحبّ، التحيّات... حتى النقد: «كيف أنجو من مهارات اللغة؟». أكثر من ذلك، نستطيع، من خلال قصائد درويش، تقديم رسم بياني لبدء تحوّله، الذي أخذ طابع الحيرة الفلسفيّة، إلى كتابة قصيدة النثر. ... ويا موت انتظرْ، يا موتُ، حتّى أستعيد صفاءَ ذهني في الربيع وصحّتي، لتكون صيّاداً شريفاً لا يصيد الظبيَ قرب النبع... لغة الرثاء عند سماع خبر الرحيل قال الشاعر شوقي بزيع: يصعب على المرء، مهما أوتي من قوة اللغة وبلاغتها، أن يتفحص ملامح مثل هذه اللحظة، وهي تغرق في سديمها المبهم وتتشكل خارج كل ما يمكن للكلام أن يرسمه من معالم وإشارات. اللغة الآن عمياء وكسيحة، وهي تخوض أقصى امتحان لها أمام غياب شاعر أحبها ووهب لها حياته وروحه وشغاف قلبه. هل كان ينبغي لمحمود درويش أن يغيب لكي نكتشف في ضوء غيابه كم نحن هائمون الآن على وجوهنا وأقلامنا وكلماتنا، يوم السبت ويشاركه الروائي الياس خوري في أروع التفاتة له حين قال: مات محمود درويش مساء بتوقيت المشرق العربي، وظهرا بتوقيت مدينة هيوستن، حيث اجريت له جراحة في الشريان الأبهر. الجراحة اجريت يوم الأربعاء، ومات الشاعر يوم السبت في التاسع من (اغسطس). لحظة موته، سمعنا صوته يخاطبنا من ديوانه «اثر الفراشة»، قائلا: صدقت أني مت يوم السبت قلت عليّ أن أوصي بشيء ما فلم اعثر على شيء وقلت عليّ أن ادعو صديقا ما لأخبره بأني مت لكن لم أجد أحداً وقلت عليّ أن امضي إلى قبري لأملأه فلم أجد الطريق وظل قبري خاليا مني... وبعد المأتم المهيب الذي أقيم في رام الله، دفن الشاعر قرب المجمع الثقافي، ولم يدفن في الجليل، حيث القبر المشتهى الذي بقي فارغا. وبدأ سيل الكتابة. سمعت صوته من جديد آتيا من «ورد أقل»، حيث اعلن «يحبونني ميتاً». ورأينا سيول الحب للميت تتدفق من كل مكان: يحبونني ميتا ليقولوا كان منا وكان لنا سمعت الخطى ذاتها منذ عشرين عاما تدقّ على حائط الليل تأتي ولا تفتح الباب لكنها تدخل الآن كانت مصادفة يوم السبت أشبه بالرؤيا التي تأتي في المنام. فالشعر لا يشبه سوى المنام الصاحي إذا صح التعبير. يستطيع الشاعر أن يحلم بأنه يحلم، مطوعا الحلم في القصيدة. عنفوان الحياة محمود درويش (13 مارس 1941 - 9 أغسطس 2008)، أحد أهم الشعراء الفلسطينيين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن. ويعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه. في شعر درويش يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأرض. ولد عام 1941 في قرية البروة وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل قرب ساحل عكا. عنفوان الشعر بدأ بكتابة الشعر في جيل مبكر وقد لاقى تشجيعا من بعض معلميه. عام 1958، في يوم الاستقلال العاشر لإسرائيل ألقى قصيدة بعنوان «أخي العبري» في احتفال أقامته مدرسته. كانت القصيدة مقارنة بين ظروف حياة الأطفال العرب مقابل اليهود، استدعي على إثرها إلى مكتب الحاكم العسكري الذي قام بتوبيخه وهدده بفصل أبيه من العمل في المحجر إذا استمر بتأليف أشعار شبيهة. توفي في الولايات المتحدة الأميركية يوم السبت 9 أغسطس 2008 بعد إجرائه لعملية القلب المفتوح في المركز الطبي في هيوستن، التي دخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته بعد أن قرر الأطباء نزع أجهزة الإنعاش. وأعلن الحداد 3 أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاة الشاعر الفلسطيني، الذي كان «عاشق فلسطين» و»رائد المشروع الثقافي الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء». وقد ووري جثمانه الثرى في 13 أغسطس في مدينة رام الله حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي. وتم الإعلان عن تسمية القصر بقصر محمود درويش للثقافة. تتكئ على شرعية جمالية وتمتح نسغها من شجرة التاريخ واللغة الجدارية.. بلاغة الاسم وشعرية الهذيان «جدارية محمود درويش» قصيدة شبكية بامتياز. تحكي بلغة الضوء والإشراق الخاطفة، سيرة شعرية لمواجهة حوارية ملتبسة ومشتبكة بين الذات والعالم و بين الذات والموت؛ مواجهة تستثير غبار الأسئلة الحارقة وتستبطن أقاصي الروح الشاعرة وأقاصي الكلام وتخوم الذاكرة القصية. عبد القادر الجموسي تتكئ الجدارية على شرعية جمالية تمتح من التاريخ واللغة وشجرة الأنساب الشعرية مادتها ونسغها الحيوي الذي به تشرئب لتدق بجدارة جذرا في هواء المستقبل/ المستحيل؛ مستقبل الوجود الفردي والوجود الجماعي سواء. من هنا، لا بد لمقاربة الأثر الشعري الدرويشي من أن تكون معززة بعتاد معرفي ونظري وجمالي وتاريخي ملائم حتى تتحصل لدى القارئ تلك الذائقة الشعرية أو ذلك الأفق التأويلي القادر على عبور العتبات الأولية اللازمة للوصول إلى أتون التجلي الشعري حيث يكون للحرف بلاغته الخاصة وللأسماء ذاكرتها وإشاراتها، وللبياض، حتى البياض نفسه، استعارته ودلالاته. بكلمة أخرى: إن التجلي الشعري عند محمود درويش وإن كان يأتي معززا بمعرفة مؤطرة في «تصور نظري وهيكلي للمشروع الشعري» فإنه في آن واحد يخفي مصادره المعرفية ويتقدم كأنه سليقة. من منطلق هذه الجدليـة الحداثية بامتيـاز؛ جدلية الخفـاء والتجلي، تبتدئ فعاليـة القراءة وديناميتها الرامية إلى القبض على جمالية المعنى أو المعنى الجمالي المؤثث للكون الشعري الدرويشي، في مسعاه المصمم إلى تأسيس مملكـة أسطورتـه الشعرية الخصوصيـة التي تتمثل في «بنـاء القصيدة و شكلهـا وعالمها، وتحمل اللغة الشعرية من الواقع العيني إلى الواقع اللغوي، فالواقع الجمالي». بلاغة العنوان يبدأ الكتاب بعنوان مركب مخطوط بيد راعشة: جدارية محمود درويش: قصيدة كتبت عام 1999. فالتأمل في شكل هذا الأسلوب من العرض يفضي إلى تداعيات لا تخلو من مغزى. فلعل صاحب النص خط عنوانه هذا على عجل وكأنه يقول ملء صوته وهو في آخر الهزيع الأخير من العمر: «لي عمل لآخرتي/ كأني لن أعيش غداً». إنه عنوان مختار بعناية مركزة ليؤدي مقصدية دلالية معينة تمنح النص شكلاً وهوية. فالقصيدة منذورة لتكتب أو لتعلق على جـدار، ومن ثمة اكتسبت صبغة الجدارية. وهي كذلك «معلقتي الأخيرة» كما يصفهـا الشاعر في القصيدة نفسهـا. لقد كتبت إذن لتحكي سيرة صاحبها ولتخلد صيته وصوته فتبقى من بعده معلقة بماء الذهب على حجر وعي راسخ يكتنـز في دخيلته جذوة الخلود. ولأجل ذلك ربما نجد الشاعر يحتفي أيمـا احتفاء بهبة الحجر السماوية العصية على التلاشي والهزيمة؛ بوصفه أداة الشاعر في الكتابـة وذريعته للسخريـة من سطوة الموت وعبثه الأبدي. وإذا تأملنا في عنوان القصيدة «جدارية محمود درويش»، نجده يتألف من مكون دلالي ثان هو اسم الشاعر نفسه. وحضور الإشارة إلى «الاسم» في عدة مواقع من النص وبشكل متكرر يعطيه شحنة دلالية مميزة عبر نسيج النص الإجمالي. فنحن أمام جدارية أو معلقة كتبت لتخلد اسم صاحبها بماء الذهب على عادة فطاحل شعراء العرب. يقول الشاعر: لا شيء يبقى سوى اسمي المذهب بعدي «سليمان كان»… فماذا سيفعل موتى بأسمائهم هل يضيء الذهب ظلمتي الشاسعة أم نشيد الإنشاد والجامعة؟ فتوظيف الاسم هنـا عبارة عن إشارة يعزز بها الشاعر مستويـات اشتغاله على ثنائية الموت والحياة؛ الموت العضوي والخلود الشعري، كثنائية جدل متوتر خصيب. والاشتغال على الاسم عند محمـود درويـش هـو فعـل شعـري بنائي يتغيا من خلالـه الشاعـر إضافة دلالات حية متحركة ترفد النص بمسافات بعيدة ضرورية للشعر. ولنا نحن كقراء أن نستنتج الدلالة من الإشارة، ونستخرج ما خفي من ظاهر العبارة. يقول في هذا السياق: هذا هو اسمك قالت امرأة، وغابت في ممر بياضها. هذا هو اسمك، فاحفظ اسمك جيدا! لا تختلف معه على حرف ولا تعبأ برايات القبائل، كن صديقاً لاسمك الأفقي جرِّبهُ مع الأحياء والموتى ودرِّبهُ على النطق الصحيح برفقة الغرباء واكتبه على إحدى صخور الكهف، يا اسمي: سوف تكبر حين أكبر سوف تحملني وأحملك. في هذا المقطع من النشيـد يتحول الاسم إلى كيـان آخر أو بديل يحمل شخص الشاعـر ويسنده. وبوصفه كذلك، فهو يظل متوهجا بألقه «الذهبي» حتى بعد سقوط الشخص نفسه. فالاسم يستحيل هنا إلى «أثر» أو «معرفة» أو «معنى ثقافي» يبقى عندما يمضي كل شيء، فيتجاوز الزمن الموضوعي العابر ليندمج في بوتقة الزمن الأسطوري الذي يحفظ الأشياء والذاكرة من السقوط في سهو النسيان و فوهة العدم السحيق. فالاسم الشخصي للشاعر يتحول داخل شبكة النص الدلائلية إلى كيان رمزي مستقل يتجاوز حامله الشخصي الواقعي (الطيني) ليصير بديلا شعريا له أو «أنا» أخرى. والاسم أيضا يتعرض إلى عملية هدم رمزية يتفكك من جرائها ليستحيل إلى «دليل شعري مترع بالمعنى. وكما «تنحل العناصر و المشاعر»، وكما يتحرر الإحساس من عبء العناصر كلها في تجربة الموت الصوفية المحكومة بالرؤيا، فكذلك تتحلل حروف الاسم وتتفكك في «ضوء التلاشي» لتصير صورة جديدة في صيرورة أخرى تتخذ لبوس إشارات صوفية خالصة. الرؤيا الشعرية تندفع قصيدة الجدارية كتيار ملغز من الكلام الذي يمتح من كل الينابيع الشعرية ويمتص عناصر شاعريته من شتى المصادر: ملحمة وسيرة وتاريخاً وأسطورة ورؤيا، وكذا تفاصيل الحياة اليومية. وكما أنه من صميم حرفة الشاعر أن يخفي مصادر وقواعد لعبته حتى تكون القصيدة؛ فكذلك على القارئ (ذلك المحاور الافتراضي) أن ينهض بدوره إلى استلهـام القـول الشعـري وتذوقه واستكناه مواطن اللغز والجمال والحكمة الخالدة في ثناياه. ويظل من مفاتيح مقاربة الشعر العمل على الكشف عن هوية المتكلم و وضعه ومكانه وزمانه وموقعه في فضـاء القصيدة. وفي تقديري الشخصي، لا مناص لقارئ جدارية محمود درويش، لأجل استيعاب مناخ القصيدة، من استكناه ذاتية المتكلم وموقفه وطبيعة قوله الشعري المخصوص. فقصيدتنا تبتدئ بحدث عجيب أشبه ما يكون برؤيا أو تجل تؤسسه العبارة الاستهلالية المقتضبة: «هذا هو اسمك/ قالت امرأة/ و غابت في الممر اللولبي». هكذا نجد أنفسنا أمام حضور أنثوي عجائبي يظهر كإشراقة وامضة ثم يضمحل في برهة الضوء الهاربة. ويتعزز هذا الأثر الأولي بالفعل اللغوي الذي يدشن به الشاعر توصيفه لأرض «اللاّ هنا» و «اللاّزمان» قائلا: «أرى السماء هناك في متناول الأيدي». و كأننا نحن القراء نقحم بلا سابق إشعار في شرك غواية اللعبة من جراء هذا الإعلان الصريح، وندخل صحبة الراوي مجال الرؤيا لنعرج معه، في أتون عزلته و وحدته الضارية، إلى «نواحي هذه الأبدية البيضاء» عند نقطة التماس مع «سماء المطلق البيضاء» حيث الوقت صفر ولا عدم هناك ولا وجود. فشاعر القصيدة يقف بين زمانين؛ زمان الهُنا والهُناك والوجود والعدم. فهو طريح على فراش المرض واقع تحت هاجس «الموت السريع» إلى حد أنه رآه متجسدا بقوة المخيلة «يطير به نحو السديم» إذ أصبح دليله إلى أرض اللاعودة. ولكن الشاعر، كعهده، لا يستسلم للموت: وإنما يصر على مواجهته بروحه السماوي وتحويله من عدو لدود إلى محاور/ خصم. يقول الشاعر في هذا المعنى مخاطبا الموت: لا تحدِّقْ يا قويّ إلى شراييني لترصد نقطة الضعف الأخيرة، أنت أقوى من نظام الطب، أقوى من جهاز تنفسي. أقوى من العسل القوي، و لست محتاجا - لتقتلني- إلى مرضي. إن فضاء القصيدة مشبع برائحة المرض والموت. والشاعر كائن مسكون بضراعة اليأس والألم الجميل الذي صـارت من جرائـه «الأرض مريضة» و «ضيقة على المرضى الغنائيين»؛ وصار العدم مريضاً، وصار الموت «مرض الخيال»، ولم يبق على الأرض سوى لون البياض الكاسر: بياض المشفى وسيارة الإسعاف و بياض «الأبدية البيضاء»: تقول ممرضتي: كنت تهذي كثيرا، وتصرخ: يا قلب! يا قلب! خذني إلى دورة الماء… تقول ممرضتـي: كنت تهذي طويلا، وتسألني: هل الموت ما تفعلين بي الآن أم هو موت اللغة؟ في تقديرنا الشخصي، إن صوت الممرضة يقدم للقارئ مفتاحاً مهماً للتواصل مع روح القصيدة؛ لأنه من خلال حضورها وصوتها نتعرف على دقة الوضع الصحي للشاعر الذي فقد كل تحكم في أعضائه الجسمانية التي تعطلت وبشكل مأساوي عن القيام بأبسط وظائفها الحيوية الضرورية المعتادة. ومن خلالها أيضا نتبين طبيعة روح الشاعر المستميتة والمتحدية حتى في أقصـى لحظات الضعف إذ يظل متمسكاً بما يشكل جوهر حريته وكينونته: أي لغته و شاعريته. وفي هذا الصدد يقول: أخاف على لغتي فاتركوا كل شيء على حاله وأعيدوا الحياة إلى لغتي!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©