الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«حيوات أخرى غير حياتي».. «تسونامي» عاطفي فجَّر مشاعر إيمانويل كارير

«حيوات أخرى غير حياتي».. «تسونامي» عاطفي فجَّر مشاعر إيمانويل كارير
6 أغسطس 2009 00:09
كان الكاتب الفرنسي ايمانويل كارير يقضي إجازته السنوية في سيريلانكا ينعم مع أفراد أسرته الصغيرة بالبحر والشمس عندما حصلت فجأة كارثة «تسونامي» يوم 26 ديسمبر 2004، فكان شاهدا على مأساة إنسانية ذهب ضحيتها آلاف الأشخاص، ورأى مرأى العين جثثا تجرفها المياه، وعاين مآسي عائلات تدمى لها القلوب. وقد أصدر كتاباً سجّل فيه ما رآه بصفته شاهد عيان. والكتاب سرد أدبي لأحداث واقعية ونقل يمتزج فيه الوصف بالحكاية، كما تضمن شهادات لبعض النّاجين من الكارثة التقى بهم المؤلف واستمع إليهم وسجّل شهاداتهم بأمانة وصدق. هذه الكارثة الطبيعيّة تركت أثرا عميقا في وجدان الكاتب وفجّرت مشاعر بداخله لم يكن يعرفها من قبل، واكتشف «حياة أخرى غير حياته» وهو عنوان كتابه، بعد أن عايش قصصاً دراميّة مثل قصّة أمٍّ فقدت كل أطفالها فجأة، أو زوجاً وجد نفسه بين ليلة وضحاها ينام في العراء وقد جرفت المياه بيته وزوجته وأبناءه ووالديه. ومثلما جرفت مياه البحر أهل «سيريلانكا، فإنها جرفت أيضا بعض السياح الذين شاءت الصدفة والأقدار أن يكونوا ساعتها في موقع الحدث، وقد تألم الكاتب لقصة سائحين فرنسيين كانا معه فقدا ابنتهما الوحيدة «جوليات» التي ابتلعها الطوفان. فقبل معيشته لكارثة «تسونامي» كان المؤلف كأنه في غفلة، ولم يكن يهتمّ بما يجدّ حوله، ثم استفاق على حقائق مرة أيقظت أحاسيسه الإنسانية النائمة في داخله، فقرر أن يؤلف هذا الكتاب لينقل بأسلوب شاعري أحداثاً درامية جرت حوله. ويبرز الكاتب في رواية الأحداث التي عايشها تعاطفه مع مأساة الإنسان في مواجهة مصيره المحتوم، وقدم مشاهد مؤثرة بقيت عالقة بذهنه ومن بينها مشهد امرأة إنجليزية رفضت مغادرة مكان الكارثة وبقيت تنتظر عودة زوجها الشاب الذي ابتلعه البحر. ويربط المؤلف بين مأساة جماعية عاينها عن قرب وبين مآسٍ شخصية في محيطه العائلي، فمن الصّدف المؤلمة أن الكاتب، وبعد أشهر من معايشته لأحداث «تسونامي»، ماتت شقيقة زوجته، وهي في الثالثة والثلاثين من عمرها تاركة وراءها زوجاً ملتاعاً وطفلتين يتيمتين. كانت تعمل قاضية، وقد ارتبطت بصداقة مع قاض زميل لها، أصيب هو الآخر بداء السرطان. وتخلّل وصفه شذرات من آرائه ومواقفه من الناس والحياة معترفا أن الـ «تسونامي» الذي عاشه نزع منه أنانيّته واقتلع منه فرديته وجعله أكثر إحساسا بأوجاع الآخرين وآلامهم بعد أن كان ـ باعترافه ـ رجلاً جافاً لا يهمه إلا نفسه ومصالحه. هذا الكتاب الذي اختار له مؤلّفه عنوان: «حيوات (بصيغة الجمع) غير حياتي» صوّر فيها بمرارة، بعثرة حياة بعض من التقى بهم والمآسي الّتي اخترقت مصائرهم، وقد وجد قاسماً مشتركاً بين من جرفتهم مياه الطوفان وبين من جرفه المرض الى القبر. والمؤلّف، وهو في الأصل روائيّ، يقول بأنّ هذه الأحداث غيّرت نظرته لنفسه وللحياة والنّاس، فأصبح أكثر تعلّقا بالحب وتشبّثا بالوفاء، وأكثر عطفا على المتألمين والمرضى والمستضعفين. ويعترف أنه قبل أيّام من الأمواج العاتية (التسونامي) كان على وشك الفراق مع زوجته هيلان، ولكن بعد ما رأى وعايش وشاهد انتعشت مشاعر الحب من جديد نحو زوجته وقرر أن يكمّل بقيّة عمره وفياً ومحباً لها، وتخلى نهائيا عن فكرة الانفصال عنها. لقد حصل بداخله «تسونامي» عاطفي حرّك ما كان راكدا في مشاعره، والكتاب فيه بوح بأسباب وخلفيات وانعكاسات هذا التحول الانساني، وهو ما جعل ناقد أدبي يقول إن هذا الكتاب، «هو كتاب السّعادة المنتزعة من اليأس، فالعاصفة الهوجاء مرّت، وبقيت الكلمات». يقول المؤلف: « قبل مأساة تسونامي» نجحت في تحقيق أشياء في حياتي، أنجبت ابنين وسيمين وألّفت أربعة كتب ولكن الأهمّ وهو الحبّ كان غائبا وناقصا في حياتي. لقد كنت محبوبا، نعم، ولكن لم أعرف أنا كيف أحبّ، وبعد التسونامي تغيّر كلّ شيء. الآن تعلّمت كيف أحبّ وكتابي شاهد على ذلك، فرغم المرض والموت والألم فإنّ الحبّ يمكن أن يصمد». ويضيف: «لم أتعرّض في حياتي لمأساة أو إلى حادث أليم، ولكن الأشخاص الّذين تحدّثت عنهم في الكتاب ـ رجال ونساء ـ يتّسمون بالشّجاعة في مواجهة الواقع الاليم بفيض من المشاعر الإنسانيّة النّبيلة، إنّهم أبطال حقيقيّون». إنّ هذا الكتاب الّذي يروي أحداثاً مأساويّة خلافاً لما قد يظن القارئ لا يبعث على اليأس، بل على العكس فمن خلال قصصه الواقعيّة المريرة يتسلّل الأمل. عنوان الكتاب: «حياة أخرى غير حياتي ? المؤلف: ايمانويل كاريار ? الناشر: P.O.L
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©