الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سهرة مع الأرق».. تخييل الواقع وأسلَبة الألم

«سهرة مع الأرق».. تخييل الواقع وأسلَبة الألم
6 أغسطس 2009 00:10
الكاتب والقاص الإماراتي «صالح كرامة العامري»، مبدع شديد الالتصاق بالمكان وبخاصة مدينته أبو ظبي التي عاش وترعرع فيها، فهي بالنسبة إليه تمثل رحلة العودة الدائمة، فمنها يرصد طفولته، ومن شوارعها وأحيائها القديمة يستمد أفكاره ومضامينه التي تبدو واضحة تماما في مجموعته القصصية «سهرة مع الأرق» الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. فالمجموعة المكونة من 12 قصة معنية بالمكان والرؤية الكلية للعالم والأشياء والاهتمام بالفرد، والتأريخ للحي الشعبي القديم «البورهاوس» الذي كان يقع خلف نادي الوحدة حالياً، وكيف اندثر هذا الحي الغني بحكاياته وشخوصه وتقاليده وسط زحام المدينة وثورة الاسمنت. والقاص يرتد في النهاية إلى «الناس» والتركيز في علاقاتهم الإنسانية في إطار دافئ، يتمازج مع تنويعات من الشخصيات التي تعيش إشكاليات كثيرة وهموم لا حد لها. ولعل أهم ما يميز قصص هذه المجموعة أنها جعلت من ثنائية «الإنسان والمكان» محوراً رئيسياً لها، من خلال شخصية محورية تستلهم مشاعرها من المكان الذي تعيش فيه، ضمن رؤية تنسجم مع الواقع الاجتماعي وبخاصة تلك الأحياء الشعبية القديمة في أبو ظبي وكيف كانت مركزاً للصفاء والمحبة وتكاتف الناس، لكن الأهم من ذلك أن كافة ملامح الشخصيات توحي بهوية الشخصية الخليجية، بكل عاداتها وتقاليدها، وكأن القاص يريد إشعارنا ضمنا بأهمية المحافظة على مفردات هذه الشخصية وسط ضجيج ومتغيرات عصر العولمة وتداخل الثقافات. إن مجموعة «سهرة مع الأرق» حافلة بالأحداث والفضاءات التي يمكن التوقف عندها مطولاً، ونجد أن كاتبها يمتلك قدرة خاصة على التفاعل مع تقنيات السرد، والإفادة من الموروث الشعبي المحلي، واستخدام أدواته بمهارة عالية، مستفيداً إلى حد كبير من خبرته في المجالين المسرحي والسينمائي لعمل تقطيعات حوارية ومشهدية بصرية تستطيع أن تستشعرها من الحركة الداخلية للشخصيات التي تخال أنها تتحرك من فوق سطح الورق، نظراً لما بثه فيها القاص من حيوية وحركة. ورغم ما تحفل به مواقفها من أسى مرير ومكابدة وأحلام مكبوتة، إلا أن ومضة الفرح لا تغيب عن تلك الشخصيات التي تركب عربة الحياة بكل متناقضاتها. في حين يظل الهمَ الأساسي لموضوعات المجموعة متصلاً بهموم الجماعة وعالمها الداخلي الحافل بالبعد الإنساني القائم على الكثير من العناصر مثل: الحدث الاسترجاعي، والحوار الداخلي (المونولوج). وتنهض في قصص صالح كرامة التي يختلط فيها الحلم بالواقع، هموم إنسانية تتوزع على الحيَ الشعبي والبيت الذي ينتظر عودة الغيَاب، لتتقاطع مع وقائع بسيطة عاشها القاص مع زملاء يسميهم في النصوص ليحضروا فيما بعد كشهود على عمق مقلب الحياة السعيدة، الحياة التي يلهث فيها الكاتب باحثا عن خصوصية تدمج القصة بالمسرح وفن السيناريو السينمائي، في «خلطة» متقنة، يتوظف فيها السرد الوصفي وعنصر التشخيص بطريقة لافتة للانتباه وبخاصة في قصة المعتوه: «منذ الصغر ونحن نركض خلفه ونصيح بأعلى أصواتنا: المعتوه .. المعتوه»!، ونختفي بين الأزقة بعيدا بينما يواصل مشيته نحو المطبعة فلا يعود الا بعد صدور جريدة الصباح اسود كالحبر». شخصيات مأزومة ويكشف القاص عن طبائع شخصياته ضمن إطار فلسفي، فنرى في قصته «بعد فوات الأوان» «جمعة الزَبال» الذي أدّى به الحال في النهاية إلى الانتحار لشعوره بالفراغ العاطفي والاستلاب في مجتمعه. كما نرى شخصية «جمعة ربيع» في قصة «نافذة على القمر» وكيف استخدم القاص في رصدها الطريقة التحليلية إلى جانب الوصف، إلى ذلك نجح القاص في التعبير عن شخصياته من خلال حوار خلاَق، وظفه بطريقة فنية تبرز طبيعة الشخصيات من الداخل، كما استخدم «الديالوج» في توصيف الأحداث، مستثمرا موهبته في الكتابة المسرحية. كما نلمح جماليات العلاقات الإنسانية في قصة «يوم من عمر الفرح» التي تحكي عن «أم سنود»، في إطار «متعة التخيل» ونقل الواقع من واقعه اليومي الثقيل المتعب إلى واقعه الفني الجميل المريح الرشيق حتى لو كان مؤلماً وفاجعاً. وهنا، يبرز ما يتمتع به صالح كرامه من مقدرة على تصوير الشخصيات وسلوكياتها، ورصد تفاصيل حالاتها ومشاعرها وتطورها عبر البناء القصصي، ويتجلى ذلك في انشغاله بتفاصيل حياة «أم سنود» وكيف انشغل بها سكان الحي حين أصابها المرض وأجمعوا على تسفيرها للخارج للعلاج، ومن ثم عودتها متعافية من رحلة المرض، ومن ثم موتها في النهاية وسط فاجعة الجميع، وهو بذلك يلعب في خانة رصد «دورة الحياة البشرية المتكاملة» كإطار للممارسات الشعبية المستمدة من التراث الشعبي الإماراتي. كما تتضح موهبة الكاتب في لعب دور «السارد» للأحداث بطريقة نوعية تدعو القارئ إلى «التقمص» والحلول مكان إحدى الشخصيات لتحقيق خلاص فني جمالي يجد من خلاله متعة تنسيه ثقل الواقع في القصة، وهذه من المهمات البارزة في تكنيك كتابة القصة عند كرامة. وتجمع أحداث قصة «حلم الرابية» بين العشق والفجيعة به، حيث نلمح تعلق أحد تجار الدقيق بفتاة من الغجر تدعى «ليمة»، كما نلمح نهايتهما هاربين مقتولين على يد ملثمين مجهولين: «كم أنت رائعة الجمال يا فتاتي.. كيف تتركيني اسقط هكذا وحيدا في الفخ». وفي القصة تركيز ضمني على عادات وتقاليد الحياة عند الغجر، وأيضا ذلك التصوير البديع للتصادم والتناقض بين حضارتي الغجر والمدينة، ليوحي لنا من خلال عنصر السرد والمكان بضياع تقاليد المدينة جراء لهاثها وراء استكشاف زائف. وهنا يجد القارئ متعة مضاعفة في متابعة لذلك التناقض المبهر الذي صنعه القاص من خلال حوار بين الشخصيات وبخاصة ما دار بين التاجر وحبيبته «ليمة»: «هيا يا حبيبتي نخرج من دائرة الخيام. قالت له: وأنت؟ فأجاب: وأنا لست مكرها على البقاء». وهذا حوار مكثف مقتصد، دال على الشخصيات، يكشفها ويعرَفها، كما أنه يعمل على تطويرالاحداث وينميها من خلال لغة تتسم بالطلاقة والحيوية والذكاء. معاناة اجتماعية ومن الواقع واليومي يقدم لنا كرامة جانباً من الحياة الاجتماعية ففي قصته «سنة حلوة» نتعرف إلى زوج يعمل موظفاً ويدعى عبيد السكري، يذهب مع زوجته إلى إحدى الجمعيات التعاونية، وهناك مثل كل الأزواج متوسطي الدخل يكتشف أن ثمن البضائع المشتراة أكثر بكثير من حساباته والمال الذي في جيبه. لكن الطريف في موضوع القصة هو الحوار الطويل والتفاصيل الكثيرة بين الزوجين حول أعباء الحياة وغلاء المعيشة وضعف الراتب والديون المتراكمة: «أنت تدرين كم يخصم منا البنك نظير السلفة وأقساط السيارة والعزائم و ....»، ثم ينتهي إلى ترك البضائع والعودة إلى البيت بخفي حنين لأن المتجر أعلن للزبائن أنه سوف يغلق أبوابه؟! . ربما يكون أجمل ما في هذه القصة هو التعبير الصادق عن «حالة الضجر» التي يعيشها قطاع الموظفين في أي مكان في العالم. وهنا تبدو ذاكرة لغة السرد الواقعية تفرد مساحتها على الواقع المعاش فتحرضه على صياغة وعيه في اتجاه مقاومة البؤس الاجتماعي، وهكذا تنفتح آفاق لغة السرد الواقعية عن مخزونها الثري بمأساويته الطافحة على مسار حياة المجتمع المشحون بواقع متعب، تماما كما حدث لهذين الزوجين اللذين عادا من المتجر بلا شيء، وهي صورة ذات دلالات كثيرة تسقط على أبعاد أخرى، كما أنها تتخطى جمودها الوصفي إلى صورة داخلية للنفس البشرية. ثمة أشياء متعددة يمكن أن نلحظها في بقية قصص هذه المجموعة ففي «بث حي» نجد وحشة الإنسان، ونلمح تأثيرات صفة الغدر على الشخصيات، في حين نرى الغربة داخل المدينة في قصة «سقف» وكيف يصور لنا الكاتب بمهارة عالية حياة المتسكعين والصعاليك الذين لا يجدون سوى صدمة المدينة وقسوتها ضمن رمزية استلاب الإنسان وغربته الداخلية. أما في قصة «التين الشوكي» فيلمح الكاتب إلى قضية الفساد الإداري وكيف يتضخم أصحاب رؤوس الأموال، بمقابل فشل المثقفين في القضاء على هذه الظاهرة فيتقوقع المثقف مع نفسه داخل «شرنقته»، بمقابل تعاظم الفساد وتجاوزه للقوانين. وربما تكون قصة «سطو» من أنضج أعمال المجموعة، وتتحدث عن رجل أعمى يدعى «ظاظا» وضع جداراً بينه وبين الناس. إن «ظاظا» نموذج فريد للشخصية التي تعاني وتنفعل وتتألم، لكنه ألم فنَي غير مؤلم إن صح التعبير. إن نماذج وشخصيات المجموعة، هي اضاءات وأنوار كاشفة على أحوال الحياة الاجتماعية، لكنها في النهاية وبمهارة الكاتب تدرك بصورة لا شعورية أن الواقع الذي تعيشه ليس الأسوأ على الإطلاق، إذ ثمة ما هو أسوا منه، ولذلك نجد على الدوام بصيص أمل في نهاية النفق، كما نجد ومضات من الفرح وجمال الحياة. وفي تصوير هذه الشخصيات نلمح كثيراً مواصفات «تشيكوفية» في تركيبها وسلوكها وعذاباتها، كما نلمح تماهيات مما هو موجود في شخصيات «حنا مينه» التي تعيش الهمَ الإنساني حتى الثمالة على نحو ما هو نلمحه في روايته «حدث في بيتاخو». إن «صالح كرامة» كاتب شفاف ولمًاح في اقتناص اللحظات التي يبدأ بها قصصه وحركة أبطاله بحرية مطلقة، فهو قادر على صناعة صور فنية تتمتع بقدر كبير من الجماليات والمتعة، وإن كانت هناك من هنات في قصص هذه المجموعة، فهو «البعد الذهني» في تعبير بعض الشخصيات ومنها: «جمعة الزبال» في قصة «بعد فوات الأوان» التي اختفى الكاتب خلفها وكأنه يلقنها الكلام الذي لا يتناسب وثقافة هذه الشخصية، وكأنه ضمناً يصادر فكر الشخصية وتعبيرها، هذا إلى جانب العديد من المساحات المظللة حول الشخصيات النسائية التي وردت في المجموعة وقد اعتراها بعض التهميش وعدم وضوح الرؤية. وإذا كان «كرامه» قد تم اكتشافه ككاتب مسرحي ومخرج سينمائي متميز، فنعتقد أنه حتى الآن لم يتم اكتشافه كقاص متمرس، فعلى النقيض من الأسئلة والمضامين التي يطرحها عبر «سهرة مع الأرق» نجد أن مجموعته «سلاحف البحر تعود» تركز على سطوة «الآلة» و «الصناعة» على المواطن والمجتمع، حيث جعلت منه أكثر تفككاً، وهو بذلك يؤشر للظاهرة الاجتماعية في إطار الكتابة القصصية. رشا العلي تتبعت الأنساق الثقافية في مسرحه سعد الله ونوس أبدع في توظيف التراث ليضيء الراهن حلمي النمنم «الأنساق الثقافية في مسرح سعد الله ونوس» كتاب جديد أصدره المجلس الأعلى المصري للثقافة، للمؤلفة د.رشا ناصر العلي مدرسة الأدب والنقد في كلية الآداب جامعة البعث بسوريا. الكتاب في الأصل رسالة جامعية نوقشت في كلية الآداب جامعة عين شمس وأشرف على إعدادها الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب، وهي أول رسالة علمية حول مسرح سعدالله ونوس في إحدى الجامعات المصرية واجيزت بتقدير ممتاز. سعدالله ونوس واحد من الكتاب المسرحيين الكبار في العالم العربي ولد في سوريا عام 1941 وتخرج في جامعة القاهرة حيث نال ليسانس الصحافة وشغف بمسرح توفيق الحكيم واعد دراسة عنه وفي عام 1966 سافر إلى باريس حيث درس الادب المسرحي وعاد في 1968 حيث عمل بالصحافة وكتابة المسرحيات وإلقاء المحاضرات حول المسرح وفي 1989تم تكريمه من مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة ومن مهرجان قرطاج بتونس وفي العام التالي نال جائزة سلطان العويس الثقافية عن حقل المسرح في دورتها الاولى. وفي السنوات الأخيرة اصيب بالسرطان وفي 14 مايو 1997 رحل عن عالمنا بمستشفى الشام في دمشق، وهو في ذروة تألقه الإبداعي. علامة مسرحية قال عنه الناقد الراحل د.علي الراعي إن هذا الكاتب تميز بغزارة الإنتاج حيث قدم 21 نصا مسرحيا، بعضها تعد علامات في المسرح العربي كله مثل «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» و»الملك هو الملك»، و»مغامرة رأس المملوك جابر»، و»سهرة مع أبي خليل القباني»، و»منمنمات تاريخية»، و»طقوس الإشارات والتحولات» وغيرها، فضلا عن بعض المحاولات النظرية والنقدية مثل «بيانات لمسرح عربي جديد»، و»هوامش ثقافية». ولاحظت الباحثة ميلا كبيرا لدى ونوس لتوظيف التراث بإحياء أشكاله ومصادره كافة وربط ذلك التراث بالعصر وقضايا المجتمع والانسان العربي، في اطار الأصالة والمعاصرة أو التراث والحداثة، فقد رأى في التراث ازدواجية مدهشة، حيث يجمع بين طفولة الانسانية ونضجها في آن واحد، وكان فهم سعدالله للتراث رحبا وواسعا، حيث جمع بين الاسطورة والأمثال والحكايات الشعبية، فضلا عن التراث الديني والتاريخي، وتعامل مع التراث كمبدع، بمعنى انه لم ينقله حرفيا، فقد سمح لنفسه بالتصرف أو استكمال ما يراه ناقصا، ووقف منه احيانا موقفا نقديا، كما فعل مع شخصية عبدالرحمن ابن خلدون في واقعته مع تيمورلنك واقتحام دمشق، حيث ابرز الجانب الانتهازي في شخصية العالم والفيلسوف الكبير حين تخلى عن دمشق وأهلها وعلمائها وتوجه الى تيمورلنك ليعمل في خدمته، لقد احدثت رؤيته تلك في مسرحية «منمنمات تاريخية» ضجة بين النقاد والدارسين في العالم العربي وخصوصا المعجبين والمحبين لشخصية ابن خلدون. وفي نفس المسرحية، كما في مسرحية «طقوس الاشارات والتحولات» تجده يميز بين صنفين أو فئتين من علماء الدين، هما فئة علماء السلطان وهؤلاء يمثلهم في «المنمنمات» ابن العز الذي اتفق مع من هم على شاكلته على تسليم المدينة لتيمورلنك والمغول. فيقف ابن العز يخطب في أهل دمشق قائلا: «واوصاكم الله بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر منكم. وطاعة اولي الأمر من الايمان، فلا تجادلوهم ولا تخالفوهم، ولا تكونوا كالسفهاء والمتكبرين، فتحق عليكم اللعنة، ويحق عليكم غضب الله». يقابل هذه الفئة من العلماء، فئة اخرى تحث الناس على النضال والمقاومة والجهاد، مثل الشيخ التازلي الذي يخاطب الاهالي: «أيها الناس.. ونحن اليوم أمام شدة. وقد تنادينا نحن علماء الأمة واصدرنا فتوى بالجهاد لعدو الله تيمور اللعين، أيها الناس دعونا نمشي معا في أسواق المدينة، وندعو المسلمين إلى تجارة تنجينا من عذاب أليم». وكان فهم سعدالله للتراث الديني رحبا وعميقا، فهو لم يقتصر على التراث الإسلامي، لكنه امتد الى التراث المسيحي وكذلك اليهودي، وأجاد توظيف الاخير، خاصة اليهودي في المسرحيات التي تناولت الاعتداء الاسرائيلي على البلاد العربية واحتلال فلسطين. نقطة تحول ترصد الباحثة السورية أن هزيمة الخامس من يونيو مثلت نقطة تحول في حياة وإبداع سعدالله ونوس، فقد تحول من الأفكار والفلسفة الوجودية الى الافكار الاشتراكية، وفي المسرح تأثر بالمسرح الملحمي، وخاصة مسرح بريخت، وكان تأثره خاضعا لضرورة البحث عن شكل فني يلائم القضايا العربية بعد 5 يونيو وقد رأى أن المسرح الملحمي أقدر على التعبير عن هموم المجتمع ومخاطبة المتلقي العربي بطرح القضايا بطريقة تثير عنده التساؤلات حول ما يحدث في مجتمعه، وكان اختياره لمسرح بريخت، خاضعا لبعد آخر وهو أن اساتذته في فرنسا كانوا من البريختيين، وكان قد انتقل فترة من فرنسا إلى ألمانيا حيث تابع المسرح هناك، وكان المسرح الالماني متأثرا تماما باعمال وأفكار بريخت غير أن ونوس لم يستغرق في أعمال ورؤى بريخت فقد لجأ كذلك الى التراث الملحمي العربي، أو ما يعتبر كذلك من التراث الشعبي مثل «سيرة الظاهر بيبرس»، و»ليالي ألف ليلة». وترتب على ذلك زن سعدالله عاد إلى اشكال المسرح الشعبي مثل «المقهى الشعبي» و»الحكواتي» و»خيال الظل». فبدت التقنيات الملحمية في أعماله ونصوصه باعتبارها اصيلة، ومتجذرة في التراث والحياة العربية وليست مستجلبة من الخارج. ولاحظت الباحثة أن سعدالله وظف السرد توظيفا دراميا جيدا ـ في بعض الأحيان ـ وبالأخص عندما اعتمد المفارقة في الموقف اساسا له، وكانت المفارقة تساعد في توليد الصراع داخل النص طولا وعرضا مما يزيده ثراء، لكن التوسع في دائرة الحكى كان يؤدي احيانا الى الخروج من الحدث على نحو متكرر وإضعاف درامية النص، بل وتعطلها، كما أن ميل الحوار الى التطويل احيانا ادى الى تحويل حديث بعض الشخصيات إلى خطبة مطولة اسهمت ايضا في تعطيل درامية الحدث، يبدو ذلك في مسرحيته «يوم من زماننا» وتحديدا المشهد الثاني، حيث يحتل السرد الذي يخص «الشيخ متولي» حوالي خمس صفحات من أصل تسع هي كل المشهد، وأخذ الشيخ يتحدث تارة عن اداب الاستنجاء والدخول الى الخلاء وتارة يتحدث عن الغيبة والنميمة، مما ادخل النص في متاهات الوعظ الديني والخطابية المباشرة التي لا علاقة لها بالموضوع الأساسي ومبتعدا عن المقصد الرئيسي وهو سعي البطل «الاستاذ فاروق» لمحاربة الانحلال الخلقي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©