السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التَّأْخِيذُ... سِحْرُ العربيّات!

التَّأْخِيذُ... سِحْرُ العربيّات!
6 أغسطس 2009 00:13
السحرُ في عادات البشر أزليّ، فقد مارسه قدماء المصريّين وغيرهم، ولذلك جاءت معجزة موسى من جنس ما كانوا يرون أنّه الأكثرُ إثارةً فتلقّفتْ عصاه ما كانوا به يتباهَون في أيّام الزينة والمهرجانات. ولم يكن العربُ القدماء بِدْعاً من هذه السيرة حيث كانت الكهانة والعرافة والسحر من بعض يوميّاتهم. وقد اشتهر كهّان وكاهنات في بلاد العرب عُرفوا باستعمال لغة خالصةٍ لهم لا يحيدون عنها، وهي السجع. وإذا كانت بعض الأعرابيّات اشتهرن بممارسة السحر احترافيّاً، كما لا تزال العجائز يمارسنه إلى يومنا هذا، فإنّ أيّ امرأة، في مستوىً معيّن من حياتها الزوجيّة والعاطفيّة، كانت تحفَظ بعض العبارات السحريّة الموروثة تُؤَخِّذُ بها زوجها فلا يُفْلت منها، ولا يتزوّج عليها. ويُعَدُّ تركيب «أ خ ذ»، في اللغة العربيّة، من أغنى التراكيب اللفظيّة بالمعاني المختلفة الحضاريّة والنفسيّة. و»التّأْخيذ» الآتي منه يجسّد دأْباً من عادات النساء العربيّات منذ عهد الجاهليّة الأولى، فهو أولَجُ في صميم الأنتروبولوجيّات الجميلة التي يَحْسُنُ فيها الكلام، ويحلو من حولها الحديث؛ ذلك بأنّ النساء العربيّات كنّ يَعمِدْن إلى ضرْبٍ من التّعاويذِ يتلُونَها في مناسبات معيّنة، ويُجْرِينها في عبارات موروثة يتطلّعن من خلال إلقائها إلى تقييد البعْل بحيث لا يستطيع أن يخدَع بَعْلَتَه مع غيرها أبداً، كذلك كنّ يعتقدن، على الأقلّ. وقد أطلقت العربُ على هذا المعنى مصطلح «التأخيذ»، وذلك لأنّ من معانيه الْحَبْسَ والقَيْدَ، حتّى إنّهم أطلقوا على الأسير في الحرب: «الأخيذ»، لأنّه يُؤخَذُ فيُحبَس ويقيَّد، ومنه ما ورَدَ في أمثالهم السائرة، وأقوالهم الجارية: «أكذَبُ من أَخِيذِ الجيش»! أي أكذب من الأسير الذي يأسره العدُوُّ فيحاولون الاستعانةَ به على معرفة أسرار قومه لينالوا منهم في الحرب بأقلّ الأضرار والأخطار، فهو يَكْذِبُهم ولا يَصْدُقُهُم... فكأنّ التّأخيذَ، إذن، احتيالٌ من بَعلة على بعلِها لتحبِسَه عن غيرها من النساء فلا يخونها، غيرةً عليه، وضَنّاً به. وكانت عبارة التأخيذ جاريةً بين النساءِ العربيّات في المدينة المنوّرة على العهد الإسلاميّ، ولذلك وردت في بعض كتب الحديث... فربما كانت المرأة تقول لصاحبتها كالمتسائلة: «أُؤَخِّذُ جَمَلِي»!؟ أي هل يحقّ لي أن أقيّدَ زوجي وأحْبِسَهُ فلا يذهب عني إلى غيري من النساء؟ فكنّتْ هذه المرأة بالْجَمل عن زوجها!؟... ومن أشهر عبارات التأخيذ التي كانت جارية بين النساء العربيّات في الجاهليّة قول إحداهنّ، وقد تفرّد بذكرها من المعاجم العربيّة الأمهات، ابن منظور في لسان العرب: «أخَّذْتُهُ في دُبَّاء، مُمَلَّإٍ من الماء، معلَّقٍ بتِرْشاء، فلا يزَلْ في تِمْشاء، وعينُه في تِبْكاء»! فهذه الأعرابيّة تريد أنّ تقيِّدَ بعلَها، من خلال قراءة هذه التأخيذة عن أن ينظرَ إلى غيرها وذلك بأن جعلتْهُ كالشيء الذي يستقرّ في قَعْرةِ دُبّاء، أي في اليَقطين الْمَلآنِ الذي كان يُتَّخَذُ إناءً للنبيذ قبل استعمال الصحاف الخزفيّة والنحاسيّة، ثمّ تعلِّق تلك الدَّبَّةَ (الإناء من الماء، كالدُّبّاء) في ترْشاء (أي في حبْل)، وذلك حتّى تتمكّن منه الأُخْذَةُ فيُمْسي هائماً على وجهه، ماشياً على غير هدىً من أمره، يذرف الدموعَ ذَرْفاً، ويَهْمِلُها هَمْلاً، حبّاً في صاحبته، وهِياماً بغرامها الذي نال منه فأمسى كالهائم الحيران، والعاشق الولهان!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©