الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عنفوان السؤال وطمأنينة الأجوبة

عنفوان السؤال وطمأنينة الأجوبة
12 يونيو 2008 01:43
رأيناه، كما لم نرَ أحداً من قبل·· ألفناه، كما لم نألف أحداً من قبل·· خبرناه، كما لم نخبر أحداً من قبل·· فقدناه، كما لم نفقد أحداً من قبل·· ذكرناه، كما لم نذكر أحداً من قبل·· نسيناه، كما لم ننس أحداً من قبل·· خذلناه، كما لم نخذل أحداً من قبل··· رأيناه·· يتوزع في منفاه كتذكرة سفر بالية، كما لو أنه معني بدفع روحه·· هكذا، دفعة واحدة، ضريبة إخلاصه المكثف للضوء اللاهث في الدروب الثقافية الوعرة!! نعم، هو ذا أستاذنا وصديقنا وزميلنا الأديب الراحل جمعة الفيروز رحمه الله، الذي سجد لله، ثم سافر بعيداً في يوم الاثنين 26 ذي القعدة 1421هـ، الموافق 19 فبراير 2001 م·· وهو في نومته الأخيرة في فراشه الأخير في رأس الخيمة التي شهدت ولادته في مسقط رأسه (سدروه) في العام 1955 م، لتطير روحه العفيفة عالياً إلى رحمة بارئها الذي لا ينام، بعد خوضه معركة حامية الوطيس بين قطبي المغناطيس (الموت والحياة)، والتي سبر خلالهما أغوار الكتابة بشتى أنواعها (الشعر، القصة، الخواطر، المقالات، والقراءات التأملية في نتاجات الآخرين)·· وبين كتابة وأخرى، كانت روحه المرحة عصفوراً نبيلاً يكافح الهواء والأمراض المتباينة الأنفاس والمستعصية على النفس والذاكرة والفكر والحرية··!! أجل، رحم الله صديقي وزميلي الأديب الراحل جمعة الفيروز، الذي تربطني به صداقة من نوع خاص وخالص الحب والحرية الطليقة في فضاء الكلام المكرس من أجل صالح الساحة الأدبية والثقافية، صداقة مؤسسة على عنفوان السؤال وطمأنينة الأجوبة·· منذ ما قبل العام 1998م الذي شهد أول لقاء حي يجمعنا سوية في نوفمبر 1998 م من خلال مكتب جريدة ''الاتحاد'' برأس الخيمة حيث كنت أمارس العمل الصحفي آنذاك، لتستمر صداقتنا الصادقة حتى ما بعد اللحظة التي أطلت علينا بنبأ وفاته رحمه الله·· فقد كانت تجمعنا العديد من اللقاءات المتبادلة بصمت فصيح عبر الطائرات الورقية المحلقة في أجواء الصحف أو المجلات الثقافية المحلية أو الكتب الأدبية أو عبر الرسائل الأدبية التي تصلني منه محملة بنصوص من الشعر الخالص والمخلص للنفس العامرة بالألم والأمل معاً··!! إذن·· دون مبالغة، ودون غلو، أو غرور غر أو مخضرم·· يمكنني الادعاء، ولي الشرف في ذلك، بأن لي مكانة خاصة في نفسه وروحه وذاكرته وذائقته الأدبية رحمه الله·· ولعلني أدلل على ذلك من خلال عدة مظاهر أو ظواهر تطبيقية متخذة من قبل الغائب الحاضر (جمعة الفيروز- رحمه الله)·· منها: 1- أنه، وبمجرد حصوله على عنواني البريد من خلال صديقنا الكاتب سعيد أحمد البدري، بدأ بممارسة فعل التراسل الأدبي من خلال رسائله الشعرية التي كانت تحمل كلماته العامرة بالدفء والدقة اللغوية الشفيفة·· 2- وحينما صافح إصدارنا الشعري (الآن) بعد فترة ثلاثة أشهر من الشروق في ديسمبر 1996 م·· أحسن وفادته، وأكرمه بقراءة فلسفية ضمن مشروعه النقدي الذي عكف على الشروع فيه بعد عودته الحميدة من رقاده في المشفى·· 3- ثم، وفور التقائنا، صدفة، في سوق السمك في المعيريض، أخذ يطوقني بعبارات الترحيب الناجمة عن مراسلاتنا السالفة دون أن يكون لنا لقاء مباشر وحواري في شؤون الأدب والثقافة والحياة، إلا من خلال معرفته بنا من الواقع النشري في الحقل الإعلامي الثقافي الإماراتي· 4- وبمعرفته مكان تواجدي، وفي مكتب جريدة ''الاتحاد'' برأس الخيمة، تحديداً، حيث كنت أمارس العمل الصحفي آنذاك·· جاء إلي، متأبطاً سعادته التي لا يمكن إغفالها أو إهمالها أو إسقاطها من ذاكرتنا التي تدين له بكل حب وشوق للقاء به من جديد، وممتطياً عناء العزلة الاضطرارية القديمة التي كانت سبباً في احتجابه عن الساحة الثقافية التي افتقدت بصمات فكره، ثم أعلنت ترحيبها بعودته المظفرة·· 5- مخطوطات ثلاث: (أحاديث الذكريات، أصدقاء الحداثة، وثالثة بلا عنوان)·· مخطوطات نائمات على رف مهمل منذ أواخر العام 1998 م، حيث أهداني إياها الأديب الراحل جمعة الفيروز (رحمه الله)، وفي اللقاء الثاني الذي جمعنا سوية في مكتب الجريدة، أهداني مخطوطات ثلاثاً، تحمل على سطورها رؤاه (رحمه الله) ذات الأبعاد الفلسفية والشعرية والتأملية·· ومقدماً بين يدي اعتذاره عن عدم معرفتنا قبل إنجازه لتلك الأعمال التي احتضنت بعضاً من كتاب الحداثة·· 6- ويأتي إصراره المستميت على تصفح مجموعتي الشعرية الثانية (عصر) وتسليط الضوء على نص بعينه من أجل نشره في إحدى المطبوعات الثقافية في الإمارة·· وقد فعل، ووقف بالمرصاد ضد ردود الفعل الفاشلة إزاء محتوى النص·· 7- وعودة كريمة منه لمواصلة ممارسة الرياضة الرسائلية الشعرية التي كان يتحفني بها بين فترة وأخرى، يكتب لي نصاً شعرياً في العام 1999م بمناسبة سفري إلى مصر لإكمال تعليمي الجامعي·· 8- كذلك فإنه تخيرني ضمن ورقته التي قدمها عن الشعر الإماراتي في يوم الشعر العالمي الأول الذي انطلقت فعالياته في 21 مارس 2000 م·· ناهيك عن مواقف جميلة وجليلة كانت تجمعنا سوية في فرع اتحاد وأدباء الإمارات برأس الخيمة··
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©