الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بابلو بيكاسو·· ارتحال دائم بين الأزرق والوردي

بابلو بيكاسو·· ارتحال دائم بين الأزرق والوردي
12 يونيو 2008 01:47
بابلورويز (Pablo Ruiz) المعروف باسم بيكاسو (Picasso)، ولد في 25 أكتوبر 1881 في مالقة بإسبانيا وتوفي في 8 أبريل 1973 في موجان بفرنسا، ابن معلم الرسم جوزي رويز بلاسكو ، أمه تدعى ماريا بيكاسو لوبز ، وقد استمر يستخدم اسم رويز حتى عام ·1898 فنان تشكيلي ونقاش ونحات· أقام أول معرض له في السادسة عشرة من عمره، استقر في باريس عام ،1904 وشكلت أعماله علامة فارقة في تاريخ الفن المعاصر· كان بيكاسو يستخدم اليد اليسرى في الرسم، ومن أهم لوحاته لوحة Lemaja (الصورة) التي رسمها بوغي في عام 1834 وقام بيكاسو بإعادة رسمها عام 1879 - ،1880 وقد عرضت في معرض ملكي سنة 2001 - ،2005 حيث بلغت قيمتها حوالي 76 مليون دولار أميركي· بداية من الأزرق في بداية شبابه في عام ،1900 على وجه التحديد، سافر للمرة الأولى من بلدة برشلونة إلى باريس التي كان لها تأثير بالغ على رؤيته ومزاجه الفني، وفيها خطا خطواته الأولى على بداية طريقه الفني الطويل· أخذ يتردد على باريس بشكل شبه دائم فيما بين 1900 و1904 وهي ذاتها الفترة التي ترافقت مع إبداعاته التي يطلق عليها البعض ''المرحلة الزرقاء''، لأن استخدام اللون الأزرق من الشفاف البارد كان غالبا على لوحاته· كما كان اختياره لموضوعاته ينطلق من أفقر الأحياء الفرنسية، حيث يقيم ''المنبوذون'' والمعدمون· رسم نساءً باردات حزينات، وأطفالاً مرضى، ومتسولين مهزومين ومسنين، حتى غلب على معظم أعماله الكآبة والحزن وإثارة الحنق في آن واحد، وهو ما يتصور بعض النقاد أن هذه الأحاسيس التي أثارتها أعماله كانت هي الهدف الأوحد لبيكاسو في تلك الفترة· في العام 1904 قرر الإقامة الدائمة في باريس، وأصبح محور الارتكاز بين ناشئة الكتاب والمفكرين وفناني الطليعة ممن أصبح لهم شأن كبير في المستقبل· وفي الفترة القصيرة ما بين عامي 1904 و،1905 اتخذ فن بيكاسو منحى جديداً أو مختلفاً تماما، حيث توارت الألوان الزرقاء بدرجاتها من لوحاته، لتحل مكانها الألوان المشرقة كالقرمزي والرمادي والوردي، وهو ما دفع البعض إلى تسمية هذه المرحلة من حياته الفنية بالوردية، وبدأت ملامح لوجوه وأجساد جديدة تدخل إلى لوحاته مثل الراقص والبهلوان ومهرج السيرك والموسيقي· في العام ،1906 التقى الفنان الأسباني الأصل بالفنان الفرنسي ''ماتيس'' وعلى الرغم من إعجابه الشديد بأعمال فناني الاتجاه ''الوحشي'' وفي مقدمتهم ماتيس نفسه، إلا أنه لم يتبع طريقة أو أسلوب أصحاب هذا الاتجاه في التعبير والمساحات اللونية· أما ما بين عامي 1906 و1907 فقد اتجه بيكاسو نحو الفن الإفريقي، حيث لوحظ تأثره بالمنحوتات والأشكال الزنجية البدائية· في الوقت ذاته تقريبا، أثار انتباهه بدرجة أهم ما فاجأ به الفنان الكبير سيزان عالم الفن بلوحته الشهيرة ''فتيات افينيون'' والتي حملت تشويه معتمدا للصياغة في الشكل، بل جاءت لتتناقض كلية مع مختلف القواعد التقليدية في مقاييس الجمال المألوفة· كانت هذه الأعمال المقاربة لأعمال سيزان بمثابة ثورة على المألوف، مثل ثورة ''الوحشيين'' في مجال استخدام الألوان وإيحاءاتها، وأصبحت اللوحة المرسومة غارقة في الغموض، عسيرة على الفهم حتى على الفنانين التقليديين الكبار· في ذلك الوقت منعت اللوحات حديثة الأسلوب والاتجاه من الاشتراك في المعارض الرسمية حتى سنة 1937م· عايش بيكاسو تفاصيل ذلك كله، وأخذ بالتوازي يطور ويجدد ويتخذ لنفسه أكثر من محاولة كي يفرض أسلوبا خاصاً متميزاً، وبالفعل سرعان ما ألقى بظلاله على مدارس الفن الحديث حتى صار المنظّر الأول للأسلوب ''التكعيبي'' الذي نماه وحرص على تطويره دائما· تنوع وثراء بدا بابلو بيكاسو وكأنه لم يستطيع الحياد أبداً· حيث اتخذت حياته العديد من العلامات الفارقة· فنجده في عام 1917 يرسم صوراً شخصية وفق أسلوب مغرق في تقليديته· حتى حل عام 1921 فشرع يصور الأشكال الإنسانية بالأسلوب الكلاسيكي الجديد، نافخاً أجسامها أحياناً بشيء من الجرأة المتعمدة، ومعيداً في صور أخرى بناءها من جديد، مستعيناً على ذلك بأشكال من اختراعه· بعد ذلك نبذ ''الكلاسيكية الجديدة'' ثانية لينصرف إلى أسلوب أكثر ذاتيه· كان دائما يتبنى أشد النزعات تناقضاً، فهو يتوالى متزناً وممزقا، أليفا ومتوحشاً، ودوداً وشرسا، لكنه بقي هو نفسه دائماً· في العام 1917 سافر بيكاسو مع صديقه الفنان الأديب ''جان كوكتو'' إلى روما لعمل تصميمات ملابس ومناظر ''باليه'' بعنوان ''استعراض''، وفي السنوات التالية وضع تصميمات لمسرحيات ''باليه'' أخرى· وقد أوحت إليه زيارته لروما أن يتخذ منهجاً جديداً في أعماله الفنية بعد مشاهدته وتأثره لروائع التراث الفني الكلاسيكي الإيطالي، ظهر ذلك في أعماله التي أبدعها في أوائل العشرينيات، وهي نفس الفترة التي تأثر فيها باتجاه السريالية على الرغم من أنه قد ظل محتفظاً برؤيته الذاتية التحليلية التي عصمته من الجنوح إلى اللاعقلانية أو الاستغراق في تصوير الأحلام وما يدور في اللاوعي، وكانت البداية الحقيقية في هذا الاتجاه مع لوحته ''الرقصات الثلاث'' عام 1925 وهي محاكاة ساخرة لاذعة لرقص الباليه الكلاسيكي، وقد رسمها في فترة معاناته المؤلمة وتعاسته من زواجه الأول· ثم أخذ عالم الأساطير يستغرق عملاق الفن التشكيلي، فانعكست على لوحاته التالية بشكل واضح مثل لوحتي ''الحصان المحتضر'' و''امرأة باكية''· هذا التنوع يفسر غالبا لدى الفنان المغمور بأنه دليل نقص في قناعته وموهبته، لكنه لدى بيكاسو كان دليلاً على الاتساع والغنى والعبقرية، وهذا بفضل حيويته المتجددة والنضارة المستمرة والقلق المتواصل· في السياق نفسه كان أيضا ثمرة الرغبة المعتملة في أعماقه الجانحة دائما نحو الرغبة في التعبير عن نفسه بحرية تامة· حيث إنّ بيكاسو قد يكون الفنان الوحيد في عصرنا الذي يفعل بالضبط ما يشاء ومتى يشاء· ففي مجتمع يتطور سريعا نحو تنظيم الحياة وبرمجتها وفق قواعد صارمة و''بمقاييس'' العقل، كان موقف كموقفه يبدو مروعاً واستفزازياً إلى حدود صادمة· الجيرنيكا هذه النظرة تمكننا من تقييم فترة أعوام الثلاثينيات، خصوصا العام 1937 على وجه التحديد، حيث أنجز بيكاسو أشهر أعماله (العشرين ألفا) على الإطلاق، وهي لوحة ''الجيرنيكا'' التي جسدت بشاعة الحرب الأهلية الأسبانية، فبعد القصف الوحشي الذي تعرضت له البلدة الصغيرة ''جيرنيكا'' بالطائرات الفاشية، رسم الفنان الأسباني الأصل الجيرنيكا كصرخة احتجاج؛ مما جعلها فيما بعد أحد أشد أعماله الفنية إدانة، بل إنها قد أصبحت رمزا فنيا يمثل أقصى ما يوحى به الرعب الناجم من الدمار في أي مكان· ولوحة بيكاسو التي كان محورها هو تدمير مدينة جيرنيكا في منطقة الباسك، على يد القوات الألمانية مازالت مثيرة للمواقف المتباينة حتى الآن· فقد ظلت لسنين طويلة خارج أسبانيا، لرفض بيكاسو عودتها، طالما ظل الجنرال فرانسيسكو فرانكو في الحكم· وأخيرا في عام 1981 عادت الجيرنيكا، لتتخذ مكانها في متحف رينا صوفيا بمدريد· واستخدم فيها أساليب متباينة لم يسبقه إليها أحد، حتى أنه قَصَرَ الألوان المستخدمة على الأبيض والأسود، مع درجات متفاوتة من اللون الرمادي، ممارسا قدرا من التحدي في تطويع ما يصعب تطويعه· كان الرجل محظوظا من الناحية السياسية، وعلى الرغم من سخط النازيين عليه وعلى فنه، إلا أن شهرته ضمنت له الحماية أثناء الاحتلال النازي لباريس، حيث كان يعيش أثناء الحرب العالمية الثانية· وبعد هذه الحرب، وفي الوقت الذي عانى فيه الكثير من الفنانين والكتاب من التشهير والتحقير بسبب أي علاقة ولو طفيفة مع النازية أو الفاشية، كان بيكاسو يجاهر بتأييده للزعيم السوفيتي جوزيف ستالين الذي ارتكب مذابح جماعية لا تقل في فظاعتها عن مثيلاتها التي ارتكبها هتلر· فتش عن المرأة عُرف عن بيكاسو أنه كان يكن كراهية شديدة للفنانات، ومن أقواله الشهيرة عن المرأة إنها ''إما سيدة أو جارية ، وهذا ما جعله هدفا لكل جمعيات الدفاع عن الجنس اللطيف· موقفه من المرأة لم يمنعها من أن تكون العنصر المسيطر على أعمال الفنية، وقد تعامل معها بأسلوب يختلف عن كل أقرانه· حتى قيل أنّ كل شيء في عالمه التصوري، بدءا من أحلامه وحتى سخريته التي تصل إلى حد الجنون، منصبة على المرأة· شغلته الإستعارات وإعادة تشكيل الجسم البشري، مثل وضع العيون على الأرجل· دون أن يعني ذلك أنه هبط إلى الابتذال، فهو رسم العديد من اللوحات القوية· لكنّ حالة من الإحباط والقهر بدأت تطغى على لوحاته في سنواته الأخيرة· الرسام الثري أنجز أكثر من عشرين ألف عمل فني، تميزت لوحاته بأنها كانت مرتفعة الثمن وغالية جداً، وهو مما جعله واحداً من أغنياء العالم الكبار· كذلك هو لم يتردد في الذهاب إلى أواسط إفريقيا، لاستلهام الدلالات من الأقنعة الخشبية الملونة· يرى النقاد أن بيكاسو هو أول من دمج بين الفن التكعيبي والفن الزنجي، ليجعلهما وحدة متماسكة في لوحاته، مؤمنا أن القوة تقترن بالجمال بقدر ما هو يتجلى من خلالها، وأن الخط المستقيم هو المظهر الأول لطبيعة تكوين الأشياء· عالج موضوعاته بأسلوب تهكمي ساخر، كما انجذب إلى الرسم التكعيبي الذي يعتمد على الغريزة، ويشير إلى قسوة من طابع استثنائي، حيث قارب القيم الجمالية بخطوط وألوان وصفت بالهمجية والمتوحشة التي لا تلائم طبيعة الإنسان المهذب في القرن العشرين· خلال ثمانين سنة من الرسم وآلاف الرسوم والتخطيطات، كان بيكاسو من أغزر الفنانين إنتاجا· وأول فنان يحصل على أكثر من مليار دولار من بيع أعماله أثناء سِني حياته· لم يبدع في الرسم فقط، وإنما في النحت والطبع والسيراميك والتصميم أيضا· كان بحق الفنان الأكثر شهرة في القرن العشرين، حتى قيل عنه أنه عاش حيوات فنية متعددة، وأحدث أكثر من أي فنان آخر، الكثير من التغيير في الفن خلال القرن الماضي· كان يلتقط موضوعاته مما يراه أو يصادفه· لم يرسم زوجاته فقط بل رسم أيضا صديقاته، والبنات الخادمات، والزوار العابرين والقرويين الجوالين· وصار ممكنا من خلال أعماله تصور تفاصيل حياته اليومية في جنوب فرنسا: عمل مبكرا في الصباح، غداء من الخبز والسردين، قيلولة، وعشاء مع الأصدقاء· حياة يهيمن على تفاصيلها الكثير من البساطة· يروي صديقه ريتشاردسون أن بيكاسو قال له أكثر من مرة: ''عملي هو يومياتي· إذا أردت فهم عملي، ينبغي عليك فهم ما يجري في حياتي''· وعندما أعدت له زوجته الثانية طبقا من سمك الحنكليس، رسم في اليوم التالي طبيعة صامتة لهذا النوع من السمك· كان يحب الحيوانات والطيور، ويعبر من خلال رسمها عن حبه وكراهيته· ربما كان من القلائل الذين أبدوا إعجابهم بالخفافيش· ينقل عنه صديقه برساي في كتابه أحاديث مع بيكاسو (كتب الفنان على الغلاف: إذا أردت أن تفهمني، اقرأ هذا الكتاب) قوله: ''أحب الخفافيش! النساء يرتعدن منها·· يعتقدن أنها قد تلتصق بشعرهن· لكن الخفافيش أجمل الطيور والحيوانات· إنها رقيقة بشكل غير عادي· هل لاحظت عيونها اللامعة المشعة بالذكاء، وجلدها، حريري كالمخمل؟ تطلع إلى عظامها الصغيرة الرقيقة''· الفنان الرمز على الرغم من أنه لم يكن أكثر الرسامين ثورية في القرن العشرين، فقد سبق أن وقف ''كاندتسكي'' و''موندريان'' موقفاً معارضاً للتقليد أشد وأقوى منه، حيث أدارا ظهريهما له تماماً وتجاهلاه كلياً، بينما اكتفى هو باستهجان التقليد وازدرائه· إلا أنّ الجميع أمكنهم أن يتفهموا الأسباب الحقيقة التي جعلت منه رمزاً لكل ظاهرة فنية جريئة، خصوصا أن فنانا سواه لم يتمكن من قلب المفاهيم السائدة رأساً على عقب بهذا العنف والاستخفاف المتعالي· ولم يتمكن فنان من قبله من إثارة حيرة الجمهور بهذا التغيير المفاجئ المثير في الأسلوب مرة بعد أخرى، مثلما فعل هو· حينما رسم نفسه في مرحلة مبكرة (1901) كان الرسم يصور شابا أرستقراطيا· كان يعبر عن رومانسية ذاتية وثقة بالنفس، مع أنه كان في الواقع مفلسا وكئيبا· كان بيكاسو قد تمرد على أساليب الرسم المعروفة حينذاك، حيث لجأ إلى ما يذكرنا، كما يقول ريتشاردسون، باللقطات القريبة في الأفلام الحديثة، خاصة بعد أن حددّ العينين باللون الأسود· الخرافة ظل بيكاسو مؤمنا بالخرافات طيلة حياته، مبتعدا عن المرضى، معتبرا إياهم نذير سوء، وكان يهمل حبيباته عندما كن يمرضن· لم يكتب وصية مطلقا، معتقدا أنه كان سيموت في اليوم التالي إن فعل ذلك· وقد أدركت زوجته الثانية جاكلين مخاوفه من الموت، فكانت تحتاط لمثل هذه المواقف· لم يغب الموت عن أعماله· فعندما كان يرسم لوحته ''الراقصات الثلاث'' جاءه خبر موت صديقه القديم ريموند بيشوت، أصيب بيكاسو بالكآبة ورسم عدة لوحات كلها عن الموت· رسم لوحات عن تنبؤه بموته كما في لوحة العارية المستلقية على الرأس، وقد مات بعد 11 شهرا من إنجازه تلك اللوحة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©