الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البحر المحاصر يحتضن أطفال غزة ويحمل أمواج الأمل

البحر المحاصر يحتضن أطفال غزة ويحمل أمواج الأمل
6 أغسطس 2009 23:57
منذ أن بدأت الإجازة الصيفية في غزة، وأطفالها يتجهون نحو الشاطئ فيما يعرف محلياً بموسم الهجرة إلى الغرب، حيث يقع البحر وهو المتنفس الوحيد للقطاع المحاصر، وهؤلاء الأطفال الذين يحلمون بالتمتع برمال الشاطئ واللهو بها، يهتمون في الواقع بما هو أكثر من الأحلام، هم يذهبون في هواجسهم نحو بعض الرزق، وادخار المصروفات المدرسية للعام الدراسي القادم، فيحملون بضائعهم الرخيصة ويدورون بها على المصطافين يعرضونها عليهم، بضائع مختلفة ورخيصة ومحلية الصنع، ومعظمها أعدتها أمهاتهم في البيوت، وفي النهاية هم يختمون يومهم الشاق باللف والدوران على تجمعات المصطافين بعبارة: «احنا بنتحايل على المعيشة». فرصة سنوية الطالب صبحي في العاشرة من عمره ألقى كتبه الدراسية وراء ظهره بمجرد انتهائه من الامتحانات، وأسرع إلى شاطئ البحر بما يحمله من مسليات لبيعها على المصطافين. إبراهيم الذي يحاول الحصول على مصروفه اليومي من وراء تلك المهنة رأى أنها فرصة لا تعوض، حيث يعج شاطئ بحر غزة بالمصطافين، وهي فرصة لبيع ما يحمله وجلب غيره من منزله القريب، بضاعته التي يعرضها لا تزيد عن الذرة المنفوشة «الفشار»، وبعض المكسرات الرخيصة والتي تضعها أمه في أكياس ورقية صنعتها من أغلفة الكراسات القديمة. يقول الطفل إبراهيم: «أعمل منذ الصباح حتى ساعات الليل مقابل 15 شيكلاً لأساعد عائلتي في هذه الظروف الصعبة، فوالدي بلا عمل وكذلك اخوتي الكبار وأحدهم في سنته الجامعية الأولى». أما سليم وهو في الخامسة عشرة من عمره، فهو يعمل في كافتيريا صغيرة على الشاطئ حيث يقوم بتقديم المشروبات الباردة للزبائن، ويتحدث عن عمله قائلاً: «العمل داخل الكافتيريا وعلى شاطئ البحر أفضل من التجوال في الشوارع، فلا توجد نواد رياضية ولا متنزهات في غزة، وفي نهاية الإجازة أستطيع الحصول على مصروفات المدرسة». يواصل سليم حديثه عن هموم وأوجاع عائلته، بينما يرمق بعينيه بين الفينة والأخرى ألعاب بعض الأطفال التي اصطحبوها معهم، وللأرجوحة التي يتقافز عليها آخرون وهو لا يخفي رغبته في مشاركتهم اللعب لولا حاجته للعمل أكثر. حماد الأخرس (15 عاماً) يعمل بائع شاي وقهوة متجولاً على الشاطئ في مدينة رفح جنوب غزة، ينادي بكل جرأة وبراءة «شاي، شاي». يوضح الأخرس أنه شعر بحجم الكارثة المالية التي تعيشها أسرته بسبب الحصار، وعدم وجود دخل للبيت، ووافق أن يعمل بائعاً متجولاً للشاي والقهوة ليساعد في توفير لقمة العيش لإخوانه، وحتى لا يكلف والده الذي لا يجد فرصة عمل منذ أربعة أعوام ماضية ما لا يطيق. ويشير بحسرة أنه لا يعتقد أنه سيتمكن من الالتحاق بمدرسته هذا العام بسبب الأوضاع المادية الصعبة التي تعيشها أسرته نتيجة الحصار، من حيث عدم قدرة والده على ممارسة العمل داخل إسرائيل، أو إيجاد فرصة عمل في غزة حيث حطمت الكثير من أحلام أشقائه وأسرته المكونة من اثني عشر فرداً. يأس مواري بدا الإرهاق واضحاً على ملامح الطفل وسيم زيارة، البالغ من العمر أربعة عشر عاماً، وكان صوته المبحوح بليغ الأثر. هو يقضي نهاره على شاطئ بحر غزة، يبيع الشاي من إبريق حديدي، كلما برد يوقد النار على الحطب لتسخينه، ثم يواصل بيعه لأكبر عدد ممكن من المصطافين، قبل أن يبرد من جديد. لكن وسيم لم يكن قد نجح يوم التقيناه في بيع أي كوب من الشاي، فاحتل اليأس صوته، وكادت الدموع تطفر من عينيه لولا خجله، لكنه لم يتعب وأخذ يرجو أياً من المارة أن يشتري منه كوباً من الشاي، لافتاً إلى أن والده لم يعمل منذ سنين طويلة، وأحياناً تأتيه فرصة عمل عابرة، هنا أو هناك في النجارة. ويبوح لنا بأنَّ والدته ليست في البيت، بعد أن تشاجرت مع زوجة عمه وخرجت «غضبى»، مضيفاً: «أريدها أن ترجع للبيت، أتفهم رغبتها أنها تريد منزلاً مستقلاً، ولا تريد السكن مع بيت عمي، ولكن يجب أن نسكن معهم كي نتشارك في دفع الإيجار وفواتير الكهرباء والماء». ويوضح زيارة الذي يسكن في مخيم الشاطئ، وهو أحد أكبر مخيمات اللاجئين في غزة وأكثرها اكتظاظاً بالسكان، إن عينه متورمة بعد أن اصطدم بعمود للبناء وهو في الشارع، وحول تفاصيل يومه يلفت إلى أنه يرجع إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل، ويعطي ما يجنيه ولا يزيد في الغالب على عشرة شواكل إلى والده، الذي يدخن ويشتري بعض الغذاء للعائلة المكونة من شقيقتيه وشقيقه، الذي يبيع كذلك الشاي مع وسيم، إضافة إلى خمسة أفراد آخرين هم عائلة عمه. عزة النفس يقول وسيم من خلف تعبه: «أنا لا أحب أن يشفق علي الناس ويعطوني أكلاً أو مالاً، أنا أتعب لأعمل، لا أريد شفقة أحد، ولكني أكون سعيداً حين يشتري أحد الزبائن الشاي كله، كما فعلت إحدى الفتيات مع شقيقي بالأمس». وسيم يقول إنه لا يتناول طعام الغداء في العادة، بل يفطر ويتعشى، وفي كل مرة لا يُضاف شيء جديد إلى الفلافل والفول الذي تتناوله العائلة، موضحاً أن كل ذلك التعب لا يهمه، وأنه ليس غاضباً من والده، فواجبه أن يساعد العائلة، ولكن كل ما يريده ويحلم به دراجة زرقاء. خلال سرد حكايته هذه تمكن وسيم من أن يبيع إبريق الشاي كله، وكان يشارك في شربه أثناء حديثه، لكنه حين عرض عليه الزبون أن يشتري له الدراجة، قال وهو يبتعد: «انساني...انسى حكايتي.. ويمكن أشوفك مرة تانية على شاطئ البحر»
المصدر: غزة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©