الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأخوة في الله نقطة اللقاء بين المسلم والمسيحي

الأخوة في الله نقطة اللقاء بين المسلم والمسيحي
12 يونيو 2008 01:53
يعرف كثير من المثقفين العرب الأب كريستيان فان نسبن وهو رجل دين كاثوليكي، هولندي يقيم في مصر منذ عام 1962بشكل متصل، وكان قد جاء اليها ليتخصص في دراسة الفلسفة الإسلامية والعربية ونال الدكتوراه في تفسير المنار للأستاذ الأمام محمد عبده، وشارك في تأسيس لجنة الإخاء الديني، وهو من المهمومين بالحوار بين الأديان وتحديدا بين الإسلام والمسيحية، ويعتبرهما الديانتين العالميتين الوحيدتين، من حيث درجة الانتشار والتوسع، ومن حيث التراث الثقافي والحضاري، وأصدر بالفرنسية كتابا حول هذا الموضوع بعنوان ''مسيحيون ومسلمون·· أخوة أمام الله'' ترجمه الى العربية د· أنور مغيث، وصدرت منه في مصر عدة طبعات، كما ترجم من الفرنسية الى عدة لغات أوروبية، واستقبل باهتمام من المتخصصين، فمؤلفه رجل دين مسيحي، يكتب عن الاسلام والمسلمين ومتخصص في الدراسات الاسلامية· الأب كريستيان يرصد تجربته في مصر والعالم العربي، فمن مصر زار الجزائر ولبنان، وتعرف على المجتمعات، ويحاول أن ينقل تجربته تلك الى الرأي العام في الغرب، ودافعه ما جرى بعد أحداث 11 سبتمبر ،2001 حيث اختزل الاسلام في الارهاب وتم التوحيد بينهما لدى الغربيين وفي ذلك ظلم كبير، واختزلت المسيحية في الغرب لدى كثيرين في المجتمعات الاسلامية وهذا ايضا ليس دقيقا· كنائس القاهرة بداية الحوار عنده أن يكف المسيحيون الأوروبيون عن نظراتهم القاصرة وغير الصحيحة للاسلام، إذ يعتبرون الاسلام تحريفا للمسيحية وأنه شعبة أو فرقة محرفة من الديانة المسيحية، وهذا غير صحيح بالمرة، فالإسلام دين سماوي كامل، له أتباعه بالملايين في كل انحاء العالم، وعبر التاريخ أثبت أصالة وتواجدا حضاريا مهما وفي المقابل على علماء الاسلام ان يكفوا عن مقولتهم أن الأناجيل ما هي الا كتب سماوية تم تحريفها وهذه الاتهامات المتبادلة تؤدي الى تعكير الجو بين المسلمين والمسيحيين في العالم شرقا وغربا، وتحدث الكثير من التوترات· ومن خلال حياته وخبرته التي تقترب من نصف قرن وسط مجتمع اسلامي، ينتهي إلى أن الخلافات والتعصب بين الإسلام والمسيحية، لا تعود إلى أسباب دينية وعقائدية، بل هي العوامل السياسية التي يمكن أن توظف الدين لمصالحها، ولأهدافها، وهو يضع ما يمكن تسميته ميثاقا للتعاون وللحوار بين المسلمين والمسيحيين، يقوم على أن الجميع أخوة امام الله فكل يؤمن ان هناك الها واحدا أحدا، وهذا يكفي للالتقاء وأن يكونوا إخوة، فلا خلاف بينهما والايمان بالله الواحد، ينبغي أن يكون دافعا للاتحاد وللتلاقي مع الاصرار على الحوار والتواصل بالفهم المتبادل وبالثقة المباشرة، وهو يقوم بذلك، حيث يعمل على تقديم الإسلام للغرب كما يتمنى ويرغب المسلمون في تقديمه، بصورة موضوعية ومحايدة، قدر الامكان، وشعاره في ذلك تطبيق القاعدة الذهبية التي حددها الإنجيل وتقول ''كل ما أردتم أن يفعل الناس لكم، افعلوه، أنتم لهم''· وبهذا المعنى يقوم بدوره الذي حدده لنفسه، ولا يمنعه ذلك من طرح بعض التساؤلات والنظرة النقدية، لكنها في نفس الوقت نظرة محبة ومتفهمة· قصور الكتب ويؤكد أن الحديث عن الإسلام والمسلمين في الغرب من المنطلق النظري فقط ليس كافيا، فالكتب لا تقول كل شيء، ويعتبر نفسه محظوظا لأنه تخصص في تفسير محمد عبده، فقد أتاح له ذلك إلماما بالحالة السياسية المعاصرة في العالم الاسلامي، وحياته وسط المسلمين وفرت له قدر كبير من الإلمام العملي والواقعي بأحوال المسلمين ولابد أن يلتقي النظري مع العملي، في فهم الآخرين واعتقاداتهم· ويعترف المؤلف بأن هناك احكاما مسبقة وسوء تفاهم ومخاوف متبادلة بين المسلمين والمسيحيين، وقد ازدادت بعد أزمات حجاب الطالبات في فرنسا واحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولعبت العوامل السياسية دورا كبيرا، فما ان يذكر الاسلام الآن في الغرب حتى تقفز الى الذاكرة القضايا السياسية وحدها، ونفس الحال في العالم الاسلامي، هناك مخاوف وقلق حقيقي، ولكن لابد ان يتحقق اللقاء والتواصل وفي النهاية لا شيء مستحيل والتساؤل الذي يطرحه الكتاب·· كيف يمكن أن نصل الى ذلك··؟ ويقول إنه لابد من ان نحقق درجة كافية من اللقاء بين الطرفين، وليس مجرد تجاور، وأن يتم تبادل الآراء والاستماع لبعضنا، وأن يفهم كل طرف الآخر، وأن يكون هناك جهد مشترك في البحث عن صيغة ما للتعاون واللقاء، سواء تعلق الأمر ببلد يكون فيه المسلمون والمسيحيون شعبا واحدا، أو في بلاد ترتبط فيها الحدود الدينية بالحدود العرقية والثقافية، كما هو الحال في بلاد أوروبا الغربية· وفي بلد مثل مصر، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون معا، فإن ظروف الحياة وعلاقات العمل والجيرة تدفع الناس الى الالتقاء والبحث عن سبل للعيش المشترك ومواجهة الأزمات معا، وعدم الانزواء في جيتو خلافي أو مجتمعي، ويحدث هذا رغم وجود أي تحفظات أو توتر طائفي بين حين وآخر، فالكل يشعر بالمسؤولية المشتركة في المجتمع الواحد· وفي بلاد مثل اوروبا الغربية، والمقصود هنا أساسا فرنسا وايطاليا وبريطانيا والمانيا، هناك جهد كبير يجب ان يتم على أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الثقافية والاعلامية والدينية لإحداث تقارب بين المسلمين والمسيحين في نفس المجتمع· ويلفت الأب كريستيان الانتباه الى ان دعوته الى الحوار والتفاهم، بين المسلمين والمسيحيين ليس معناها إلغاء التمايز بين كل منهما، أو ادماجهما في دين جديد بلا معالم، فالمهم هو العيش المشترك والحوار والتفاهم في ظل احترام كل طرف لدينه ومعتقداته وعدم التفريط فيها، فليس مطلوبا من أيهما أن يتنازل عن ديانته أو يفرط في عقيدته· زواج حب رواية تخترق شبكة علاقات الود والكراهية لدى شعب مزقته الصراعات المسلحة دراما الحب والحرب في سيريلانكا غادة سليم، ''زواج حب'' رواية تعلن ميلاد نجمة جديدة في سماء الأدب العالمي هي ''في في جانشانانثان''· وهي روائية أميركية من أصل سريلانكي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة بعد أن صدرت روايتها في أبريل 2008 عن دار نشر ''راندوم هاوس'' وانضمت إلى قائمة أفضل الكتب في الولايات المتحدة الأميركية· فعلى الرغم من أنها الرواية الأولى للكاتبة إلا أنها حازت على الكثير من اهتمام النقاد، ووصفتها الدوريات المتخصصة بأنها صورة ثلاثية الأبعاد لدراما الحب والحرب في الواقع الاجتماعي للأسر السريلانكية وأن بها من التعقيد والتشويق ما يجعلها تخرج من ضيق الرؤية المحلية للقضية إلى رحابة الاهتمام الإنساني والرؤية العالمية· قصة غير عادية ويوحي عنوان الرواية بأنها قصة عادية تتحدث عن علاقة عاطفية من قاع المجتمع الشرقي يتحدى أبطالها التقاليد الاجتماعية ويرفضان إخضاعهما لزواج عائلي مدبر· إلا أن الرواية أبعد ما تكون عن هذا الإيحاء· فهي رواية غير تقليدية تبحث عن الحب في زمن الحرب وتفجر أزمة الهوية التي يعيشها أبناء الجيل الأول من المهاجرين الشرقيين في الغرب وتناقش الصراع الدفين بين موروث الأسرة من العادات الشرقية والقيم المكتسبة من المجتمع الغربي· وتدور فصول الرواية التي تتكون من 320 صفحة حول أسرتين من سريلانكا ارتبطا معا في علاقة نسب عبر أربعة أجيال في ظروف اندلعت فيها الحرب الأهلية في سريلانكا وامتدت لعقود من الزمان· وفي قلب الرواية تقف ''ياليني''·· وهي فتاة لم تتجاوز الثانية والعشرين من العمر· أمريكية من أصل سريلانكي· وهي الابنة الوحيدة لأبوين مهاجرين ينتمون إلى التاميل أكبر أقلية عرقية في سريلانكا· ولدت ''ياليني'' في يوليو الأسود من عام 1983 شهر تفجر الأحداث الدامية في سريلانكا· وعاشت ممزقة بين الموروث الثقافي الإثني لأهلها وثقافة المجتمع الغربي الذي تعيش فيه· وكان لهذه الخلفية عظيم الأثر على رؤيتها للحياة والزواج بعد أن عاشت سنوات شبابها تحمل فوق كاهلها أسرار أسرتها وحياتهم المضطربة بتاريخ العنف والحرب قبل أن تطأ أقدامهم أرض المهجر· خلفية سياسية وبأسلوب أشبه بكتابة اليوميات وتسجيل الخواطر بدأت ''في في جانشانانثان'' تستعرض وجهات النظر السياسية المتباينة حول الصراع في سريلانكا· وتغوص في تفاصيل الشخصيات وتنبش في أسرار العائلات المتصدعة بسبب النزاع الإثني· واقتفاء أثر الصراع العرقي في سريلانكا من خلال أسلوب زيجات بعض أفراد العائلة· وعمدت من خلال شخصية ''ياليني'' في البحث عن الطرق التي تزوج بها والديها وأعمامها وأخوالها وأجدادها في ظل التوتر والحرب، في محاولة لإضافة بعض الاستقرار لهويتها التي تتصارع بين ثقافتين متناقضتين· وتبدأ الرواية بمشهد مفصلي هو رحلة ''ياليني'' إلى تورنتو بكندا برفقة والديها لزيارة خالها الأكبر ''كوماران'' وهو يحتضر· وهناك حول سرير ''كوماران'' يتجمع الأقرباء لسماع اعترافاته الأخيرة· وتصدم ''ياليني'' بحجم العنف والدماء في ذكرياته كنمر من نمور التاميل واعترافه بعدد الذين قتلهم من أبناء جلدته من السنهاليين والتاميل على حد سواء· وقتها أيقنت أن العنف الذي يشكل تركيبة سريلانكا لا يمكن أن يبقى بعيدا عن واقعها الغربي وأنها لابد أن تجد لنفسها موقفا منه· وأنها واقعة بين شقي رحى الصراع السياسي والاجتماعي بين سريلانكا موطنها الأصلي وأميركا موطنها الحالي· ومن خلال حوارات يتجاذبها أطراف العائلة حول سرير الخال المحتضر تتكشف أن الحياة ليس بها زواج حب وزواج عقل فقط وإنما هناك أطياف كثيرة من الألوان لواقع الزواج· فوالداها فرا من منزل ذويهما في سريلانكا هربا من زواج تقليدي مدبر ليتزوجا في نيويورك بعد قصة حب طويلة· وعمها ''نيلان'' وقع في حب فتاة سنهالية من الجبهة المعادية بعد أن آوته وداوت جراحه أثناء المعارك الدامية بين التاميل والسنهاليين· أما خالتها ''هاريني'' فذاقت الأمرين بعد زواجها من الرجل الخطأ· أما العمة ''أوما'' فكانت أغلى من أن تتزوج· وابنة العم ''مورالي'' البالغة من العمر 18 عاما التي قبلت الارتباط بشاب رشحته العائلة يعمل على تمويل حركة نمور التاميل من أميركا· شخصيات واقعية وفي حوار صحفي أجري معها في الولايات المتحدة أثناء جولتها الترويجية للكتاب أكدت ''في في جانشانانثان'' أنه بالرغم من السمات المشتركة بينها وبين بطلة الرواية إلا أنها استلهمت شخصيات الرواية وأحداثها عبر العديد من المقابلات الشخصية مع مهاجرين سريلانكيين يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية وعبر قراءات منوعة عن الواقع الاجتماعي لسريلانكا عقب الحرب الأهلية· وتشير الكاتبة إلى حقيقة لا يمكن إغفالها أنه لا توجد أسرة في سريلانكا لم تتأثر بالحرب الأهلية والصراع العرقي الذي اندلع عام 1983 بين الحكومة وحركة نمور التاميل الانفصالية· والذي راح ضحيته ما لا يقل عن 65 ألف شخص إلى أن أعلن وقف إطلاق النار عام 2002 بين الأطراف المتنازعة· فسريلانكا·· وتعني ''جزيرة العقيدة'' بلد متعدد الأديان والأعراق أشبه بتركيبة سكانية قابلة للانفجار· يعتنق 70% من السكان الديانة البوذية، بينما النسبة الباقية هي خليط من معتنقي الديانات الهندوسية والمسيحية والمسلمة· ويعد السنهاليون وهي كلمة تعني ''أبناء الأسود'' الغالبية العرقية للسكان بنسبة 74% أما التاميل الآتون من جنوب الهند فيتركزون في شمال وشرق الجزيرة ويشكلون أكبر أقلية عرقية· ولقد اختار التاميل العنف سبيلا لتحقيق حلم الحكم الذاتي والانفصال عن باقي الجزيرة· فصلية نقد تحتفي بأنسي الحاج مخلّص قصيدة النثر من الكلاسيكية شهادات تقرأ التجربة ولا تخلو من تصفية حسابات·· سياسية رولا عبدالله، يحتفي العدد الخامس من مجلة ''نقد'' الفصلية، بتجربة الشاعر اللبناني أنسي الحاج الذي أسهم مطلع الستينيات في تخليص قصيدة النثر، الوليدة حينها، من عقدتي نقصها (الوزني والمرجعي)· فإذا به يحمل منذ ديوانه الأول ''لن''، بصمات اللغة المدربة على القفز والمباغتة واحتلال مساحات يصفها رئيسا تحرير العدد الشاعران زينب عساف وماهر شرف الدين بأنها أرخبيلية خارج المنطقة الوسطى بين الشعر والنثر، كما يمكن وصفها بأنها تجربة محو الحدود بين أنوثة المعنى وذكورة المبنى· في العدد الأخير الذي تصدره دار النهضة العربية، ثماني دراسات نقدية يستهلها الشاعر العراقي عبدالقادر الجنابي باستعراض موجز لبدايات تعرّفه الى شعر الحاج الذي يرى فيه ''خضة تمرد صحية'' لم تنطو عليها تجارب شعراء جيله، ولا الشعراء الذين كانوا قبله· أثمرت تلك الخضة منبها أيقظ ما هو كامن أصلا في القرّاء· ذلك أن قراءة متحررة من أي أفكار مسبقة، لكتاب كـ ''لن''، تفضي بحسب الجنابي الى الانغماس في أكثر حركات الآخر الشعرية تمرداً· وفي تشريح تراكيب شعره وصوره، يمكن اعتبارهما وليدتا صراع اللغة العربية مع نفسها كتعبير وكموئل صور: ''ماموت عن جده: غايةُ أولادي· حين أهبط يودعني بالقصص وشعري يشيب· هواء· لم تكن له يد· كانت شفتاه والحديقة'' (من ''الرأس المقطوع'')· وهناك سعي الحاج الى كسر البنية الكلاسيكية لمسار الجملة العربية وتركيبيتها البلاغية، فاتحا تنسيقا جديدا للكلمات من حيث نظام تتابعها النحوي· وكأن اللغة هي التي تحدد موضوع القصيدة، وليس الموضوع الخارجي هو من يحدد لغة القصيدة، وبالتالي موضوعها· دمية روسية يشبّه الناقد السوري ابراهيم محمود شعر الحاج، كما لو أنه تلك الدمية الروسية: ''دمية خشبية، تحوي مجموعة دمى··· فاذا به يستمر في الكلام، لتتضاعف الدمى المتداخلة''· وهو كذلك لعبة البحث عن الكلمة الضائعة: ''يمكن التحدث عن النفحة الايديولوجية الهادئة، على السطح، الناتئة في العمق· كأنه يمارس اعلاميا ما ينبغي للقارئ، لقارئه، ولناقده ايضا، أن يأخذ به علما، مثلما يتحرك، ومن داخل معطفه النثري، دعاويا، ما يجب الاطلاع عليه، لتتشكل مجموعة الكلمات المتقاطعة، والتي تستولدها جملة كتاباته، وبدقة أكثر، جهاديته النثرية، بين تاريخين، ثبتا عنده في الغالب، لتكون الكلمة الضائعة: أنسي الحاج''· تحولات الأنوثة ويبحث الناقد السوري هايل طالب تحولات الأنوثة في قصيدة ''الرسولة···''، باعتبارها نقطة تحول منذ السبعينيات، ليس في تجربة الحاج فحسب، بل في حركة الشعر العربي، وتأتي أهمية هذا التحول من نواح عدة، لعل في مقدمتها أنها القصيدة التي أعادت الاعتبار الى الأنوثة بعدما تحول الادب الى سلطة الرجل، ناهيك عن النزعة الأبوية التي سيطرت على لغة الحب منذ العصر الجاهلي· ويقارن الشاعر العراقي علي الفواز بين أنسي وأبناء جيله: يختلف عن أدونيس هذا الكوني المشغول بصناعة الأسئلة والرؤيا المتعالية، وعن يوسف الخال هذا المعلم الذي يؤنق ما حوله: القصيدة، الثورة، التاريخ، الأمة، السيرة، وعن شوقي أبي شقرا هذا الذي يصطنع دائما طرقا مغايرة للمدهش، وهو كذلك لا يشبه محمد الماغوط ولا عصام محفوظ··· أظنه أيضا لا يشبه (هو) في المرآة، فهذا الشاعر يتشظى حينما يصطدم بالأشياء، الجسد، اللغة، المرايا· ولديه من الصوفية المسيحية مثلما لديه من الصوفية العرفانية· ينحاز الى التمرد مثلما ينحاز الى السكنى عند حافة الاعتراف· ويشير الفواز الى أن قراءة أنسي الحاج هي قراءة للذات الشعرية المتعالية التي تفترس الخارج اللزج بأوهامه وذكورته، وربما هي قراءة في خطاب الجسد المكشوف للغياب، والذي يجترح طقوسه وكأنه في طوفان من العري الذي تتبادل فيه الاشياء لذّاتها وأوهامها المتقابلة· وهذا ما يجعل شعريته أقرب الى الطقس السري· مرجعية عرفانية يسأل الشاعر السعودي أحمد الواصل في دراسته التي تحمل عنوان ''الجذور الضائعة لابن السلالات المنبوذة''، ما يتبادر لدى كل دراسة لتاريخ الشعر: ''هل نعرف جميع أنواع الشعر كأدب لا كقصيدة؟''· يأخذه السؤال إلى البحث في أثر الكتابات الشعرية الاسلامية الصوفية والعرفانية، وأثر الترجمات والمنقولات الأدبية الشعرية، وأثر الكتاب المقدس، وأثر الشعر من العالم، وأثر الأساطير والملاحم السامية· ويخلص الى اعتبار تجربة الحاج ترسم تحولا دقيقا وحساسا يكشف جذوره الضائعة، ويسقط التباسات النبذ، ويثبّت: نقل التسمية بدفعها من الشعر المنثور الى قصيدة النثر، تخليص الالتباس في الصفة ضمن المفهوم الثقافي، شرعنة النص أدبيا في عده نوعا شعريا، وتفكيك أدلجة النص الأدبي تحريرا للانسان قبل الشاعر· بعيون الشباب يواجه الشعراء الشباب الحاج بالسؤال: ''ماذا بعد؟''· فإذا بالشاعر العماني ابراهيم سعيد يفجّر مخاوفه: ''أنسي لا يستطيع الهدوء بعد الآن، لا الخاتمة الهادئة ممكنة، ولا الصمت الطويل ممكن''· ويسرد الشاعر المصري منتصر عبدالموجود: ''تعذبت مع أنسي الحاج، فمقدمة ''لن'' واضحة، أما القصائد فتفعل بك كل شيء: تبهرك وتصيبك بالملل، تدفع بك بعيدا عن الكتاب ثم تعود وتجذبك اليه··· من هذا الرجل؟''· ويجرؤ الشاعر اللبناني محمد بركات على الاعتراف: ''لا أذكر لأنسي الحاج ولو جملة واحدة''· وهو بعبارته تلك يصفّي حساباته مع الشاعر الذي اختار أن يطرق باب السياسة ويتحول الى كاتب عامود في جريدة غير محايدة· في المقابل تنسج الشاعرة العراقية نسيم الداغستاني الكثير من الود في حديثها عن أنسي الحاج: ''لقد أنشأ صورة مكتملة لامرأة ناعمة وراء الجدران تختفي على حين غرة لتخطف الأبصار··· لذلك تحسه قريبا من السرير والأبواب، لكنه في الوقت نفسه يحمل بيديه الأقفال· وبذلك اخترق هذا الشاعر حاجز الكتب في مراهقتي، ودخل يدوّن معي بعضا مما أكتب''· ويعدد الشاعر السوري حسين حبش سر توهج شعر أنسي: ''هو يكتب دائما نصا فجائيا، أثيريا، مدهشا، عميقا، قلقا، شهوانيا، شبابيا غير مترهل''· ويضع الشاعر العراقي صفاء خلف برسم القارئ سؤاله الملح: ''هل كان أنسي الحاج يرسم عبر ''الكلام الشعري'' الطريق نحو ما بعد حداثة شعرية عربية؟''· ابنة آخر ملوك تونس تتذكّر لحظات الخروج من القصر إلى·· الظل السياسة لا ترحم·· والتاريخ أيضا الطيب بشير، ''لن أنسى ذلك اليوم المشؤوم، (يوم 25 يوليو 1957) الذي داهم فيه البوليس القصر· اخرج والدي الملك الأمين باي عاري الرأس حافي القدمين مع بعض أبنائه وزوجي· نقلتهم سيارات البوليس إلى مدينة ''منوبة''، حيث وضعوا مؤقتا تحت الإقامة الجبرية، بينما بقيت أنا وأبنائي والبعض من إخوتي في القصر إلى أن أخرجنا منه ورمينا في الشارع· انتزعت منا كلّ أملاكنا ولم يبق لنا شيء· أتذكر أنّ محافظ الشرطة بن شعبان لمّا أتى إلى القصر لجمع المصوغ رأى خاتما في إصبعي وهو خاتم زواجي وساعة في يدي· صاح في وجهي قائلا: ''انزعي·· من أين لك هذا؟'' نزعتها بكل حسرة ومرارة وأنا أنظر إليه يضعها في جيبه وعلمت فيما بعد أنه سجن لأنه لم يحاسب السلطة على ما انتزعه منا من مجوهرات''· هكذا وصفت زكية باي ابنة آخر ملوك تونس ـ بوصفها شاهدة عيان ـ اليوم الذي تمّ فيه عزل والدها الأمين باي، وهو اليوم الذي تمّ فيه أيضا إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية· وجاءت هذه الشهادة ضمن كتاب ''نساء وذاكرة: تونسيات في الحياةالعامة 1920 ـ ·''1960 قصص حياة هو كتاب كما جاء في مقدمته حصيلة بحوث تناولت موضوع الذاكرة: ذاكرة تونسيّات برزن في مجالات مختلفة، والعدد الإجمالي للاتي شملهنّ الكتاب هو ثلاث عشر امرأة برزن خلال الفترة التاريخية المعنية بالدرس أي بين 1920 و،1960 والكتاب يحتوي على 13 قصّة حياة، وكلّ واحدة حصيلة حوارات مسجّلة ولقاءات بين الباحثات والمرأة صاحبة السيرة، وهو جنس يقترب من المذكرات، وهو أشبه بالتاريخ الشفوي تضمن وجهات نظر وروايات قد تكون دقيقة أو فيها مبالغة، ومن بين اللاتي أدلين بشهادتهن ابنة آخر ملوك تونس الأميرة السابقة زكية باي وهي البنت السادسة من البنات التسع لآخر ملوك تونس·· وقد أدلت بشهادتها إلى دلندة الأرقش· تقول الاميرة زكية في شهادتها التي وردت في الكتاب: ''تلقيت مع إخوتي تكوينا عصريا عند راهبات قرطاج، وهي مدرسة خصوصية· كنا ندرس الفرنسية والحساب والفنون والرياضة، والعديد من بنات العائلات الارستقراطية يتردّدن على هذه المدرسة· لم أكن شغوفة بالدراسة، وكانت ميولي متجهة أكثر نحو الفنون· أحبّ الرسم وبالخصوص الموسيقى· لم أتجاوز في الدراسة مستوى السنة السادسة ابتدائي، ولمّا كنت مولعة كثيرا بالموسيقى لم يتردد أبي ملك تونس على تشجيعي''· وتتابع: ''تعلمت العزف على العود، وكان أبي على علم بولعي بالفن وسمح لي بتعلم العزف على آلة البيانو وكان يستقدم للقصر وجوها من الموسيقيين والفنانين، وبعد زواجي تواصل غرامي بالفن إلا أن المحن التي مررت بها بعد عزل والدي الملك لم تسمح لي بصقلي موهبتي''· وتحدثت الاميرة السابقة في شهادتها التي وردت في الكتاب على نوعية التربية التي تلقتها داخل الاسرة الحاكمة وقتها قائلة: ''ان البيئة التي عشت فيها هي في نفس الوقت بيئة محافظة وعصرية، فأمي كانت شديدة المراقبة لي وكانت اكثر تشددا من ابي· وفي الصيف كنا نذهب يوميا الى الشاطئ وكنا نلبس المايوه مثل البنات الايطاليات والفرنسيات ولكن كان لنا مكان مخصص في الشاطئ، وانا أول امرأة تونسية تحصلت على رخصة سياقة سيارة''· النمرة السوداء وتروي الأميرة التونسية السابقة في شهادتها دورها في الحركة الوطنية قائلة: ''النمرة السوداء'' هكذا نعتتني الصحافة الفرنسية، وأخص بالذكر هنا مجلة ''باري ماتش'' وذلك بعدما وقع القبض على صديقتي وكاتبتي رفيعة برناز وسائقي بتهمة الانتماء إلى عصابة تخريب أترأسها أنا''، مضيفة: ''ولم يقتصر نشاطي على جمع التبرعات والأعمال الخيرية، بل دخلت في مجازفات خطيرة منذ ،1949 وحتى زوجي لم يكن على علم بكل ما أقوم به· كان وزيرا عندما بدأت اتصالاتي بمجموعة محمد دمّق التي تكفلت بصنع القنابل، وكان ذلك يتم في بيتي في جزئه السفلي· كنا نستهدف عصابة ''اليد الحمراء'' الفرنسية وأيضا البعض من التونسيين الوشاة وكنا نبعث برسائل تهديد سواء لشخصيات فرنسية أو لبعض التونسيين الذين اتضحت صلاتهم بالسلطة الاستعمارية· فجرنا العديد من الأهداف ونشاطنا كان في كنف السرية، واعتمدت كثيرا على صفتي كأميرة وعلى الحصانة التي كنت أتمتع بها وما كنت أقوم به كان يمكن أن يؤدي بي إلى المحكمة العسكرية والى الإعدام''· التاريخ انتقم لأبي ثم تخلص الأميرة للحديث عن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي عزل والدها الملك وألغى بقرار من البرلمان التونسي النظام الملكي وأقام النظام الجمهوري وكان ذلك في 25 يوليو ·1957 تقول: ''لم يكن يخفى على أحد أنّ من طبع الحبيب بورقيبة رفض كل منافسة، فدكتاتوريته وحبّه للسلطة جعلاه يتجاهل التضحيات الجسام التي قدمها العديد من المناضلين، بل وأكثر من ذلك فهو يكره الرموز لأنه يرى فيها إضعاف لشخصيته ولسلطته، ومن أجل ذلك كنا ننتظر أنه سيلغي الملكية لكن لم نكن نتصور أبدا أنه سيفعل بنا مافعل''· وتضيف: ''التشريد والاهانة كان ذلك نصيبنا بعد كل ما قدمناه للحركة الوطنية وللبلاد، فقد طردنا من القصر وتم سجن زوجي بالقيروان وتكفل البعض من الاصدقاء بتأجير بيت سكنت فيه مع ابنائي، وطبيعي جدا والظروف على تلك الحال ان يفر الجميع من حولنا وينظرون إلينا بعين الشماتة· لا أحد تشجع لمساعدتنا حتى اضطررت الى أن أطلب مقابلة بورقيبة وأتحدث معه بخصوص وضعنا، وأذكر أنه أنكر أن يكون على علم بما افتك لنا من أملاك، ومنحني جراية شهرية قدرها 100 دينار وقتها ووعدني ان يفرج عن زوجي من السجن''· وتتابع: ''لم تتحمل أمي الملكة الاهانة عند استنطاقها حول قضية المصوغ فاصيبت بالبكم ثم ماتت كمدا وخرجت جنازتها ولم يمش وراءها سوى أعوان الامن، ومات والدي الملك بعدها بأشهر قليلة وخرجت جنازة الملك في صمت مريب· ولكن التاريخ لا يرحم فما فعله بورقيبة بالملك والدي حصل له واخرج هو ايضا من القصر كما خرج والدي· حقيقة كان يوم 7 نوفمبر 1987 تاريخيا بالنسبة لي ولكل عائلتي (وهو اليوم الذي تم فيه اعفاء الرئيس السابق الحبيب بورقيبة من مهام الرئاسة وعزله لأسباب صحية)، بكيت عندما استمعت إلى خطاب الرئيس زين العابدين بن علي وأحسست بفرحة لم أعرف لها مثيلا فالتاريخ انتقم لأبي''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©