السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لينا طيبي: كأن حديقة كلمات تعصف بي

لينا طيبي: كأن حديقة كلمات تعصف بي
12 يونيو 2008 02:01
تقول لينا طيبي الشاعرة السورية عن طقسها في الكتابة: أحاول أن أرى ما وراء الجدران، وفي الوقت نفسه أبحث عن غرفة، كما قال محمّد الماغوط ''غرفة بملايين الجدران''، إذ يجب أن أحمي هذه اللّحظة من أيّة سطوة خارجيّة، من أيّة نأمة· فجأة يصبح العالم كلّه في قبضة يدي، وأنهمر بالكلمات دفعة واحدة· تتحرّك يدي بالقلم والأخرى تحاول أن ترسم الصّور، أن تنقل أمام عينيّ ما يجول في داخلي، لأتشبّع بالصّور كلّها، فالقصيدة عندي تنبني بالصّور قبل أن تبدأ الكلمات، ومع ذلك فقد تشعل القصيدة كلمة على غلاف كتاب، أو داخله· أشياء كثيرة من دون أن أفكّر، أذهب مثلاً لتشغيل الغسّالة حتّى يطغى ضجيجها على أيّ صوت آخر· أعرف أنّني إن لم ألتقط اللّحظة لن تعود أبدًا، وحدث معي هذا مرارًا· لحظة القصيدة بقدر ما تبدو قصيّة عندما نحاولها، تصبح قريبة لحظة تأتي وحدها، شيء ما كالبركان يتفجّر في النّفس، أو أنّه ليس التّشبيه الصّحيح، فالبركان يهدم كل ما حوله، أمّا القصيدة فتبني كلّ ما حولها، ربّما يكون هذا الشّيء أشبه بمطر ناعم، بل شديد، بل رقيق، حقيقة لا أدري· صعب أن نشبّه لحظة القصيدة، فهي اللّحظة الإشراقة كما أسماها الشّاعر بول فاليري، هي اللّحظة الّتي تحتوي كلّ شيء، وتأخذنا أيضًا إلى كلّ شيء، اللّحظة الّتي إن لم تأتِ وطلبناها، تصبح كشيء مستحيل، والّتي تبدو خسارتها من أفدح خسارات الكون· أهي آلهة فعلاً تلك الّتي تهبنا الْبيت الأوّل بظرف ومن دون مقابل؟ أهي شيء ما يسكن أرواحنا ويتوه بها؟ أهي فعلاً آلهة تلك الّتي تهزُّ رؤوسنا بشدّة وتنده علينا بكلّ دعة، حتّى نأتي إليها؟ أهي آلهة فعلا تلك المجنونة الّتي تتخلّق فجأة من قلوبنا، من أرواحنا، من أجسادنا، من عقولنا، من لحظة تفصل ما بين يقظتنا وحلمنا؟ أهي آلهة فعلاً تلك الّتي ترتدي وشاحًا أبيض مثل نور الفجر وتأتلق فجأة على أوراقنا؟ وعن الكلمة الكلمة الأولى تقول لينا: لها سحر خالص، في اللّحظات الّتي أعايش فيها الكتابة، أجدني أقلّب أوراقًا كثيرةً كتبتها، قديمة أو جديدة، أقرؤُني وأقرأ بعيون متلهّفة لشعراء آخرين غيري، أذهب من سطر إلى سطر مثل موسيقيّ يرحل بأصابعه من وتر إلى وتر، أسرع بالكلمات، أعجّل بالقراءة، فجأة أجدني أتوقّف عند كلمة قد لا تعني شيئًا حيث هو موقعها، آخذها فتشتعل القصيدة· تلك ربّما واحدة من الحالات الّتي تنتابني حين القصيدة، في أحيان أخرى قد أكون مستلقية على سريري، أحاول النّوم فتأتي القصيدة، وكثيرًا ما أضعتها لأنّ النّوم كان يغلبني، ولأنّني كنت أظنّني سأستطيع كتابتها غدًا· منذ فترة كنت أشعر بأنّ الشّعر بات صعبًا، بأنّ القصيدة ابتعدت عنّي وأبعدتني عنها، بأنّ كلّ ما أكتبه صار تكرارًا لنفسي، وبأنّني لن أكتب شيئًا جديدًا يسحرني أنا في المقام الأول، ثمّ فجأة وجدتني على أوراقي أكتب وأكتب، كأنّما حديقة من الكلمات راحت تعصف بي، كنتُ أقرؤُني وصرت أكتبني· لربّما لا تساوي لحظة القصيدة إلاّ لحظة الفشل في كتابتها·
المصدر: الدمام
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©