الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من الإمارات بين السرد الشفاهي والصورة المفترضة

حكايات من الإمارات بين السرد الشفاهي والصورة المفترضة
12 يونيو 2008 02:06
قبل الدخول إلى نصوص الحكايات بمعناها الشعبي لابد أن نحدد مركبات ومفاصل هذه الحكايات ولا يتأتى ذلك فعلاً إلا من خلال منهج تطبيقي في قراءة ''الجبل الذي اشترى بقرة ـ حكايات من الإمارات'' التي أعدها الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني وأخرجتها كسيناريو منى سعيد الطاهر وهي جزء من سلسلة ''من السرد الشفاهي'' التي أصدرتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث هذا العام· في هذا الجزء نقرأ 6 نصوص حكائية شعبية تعبر عن الموروث الحكائي الإماراتي هذا من جانب· أما الجانب الآخر فهو قراءة الوسيط الحامل للنص طريقة السرد كونه أسلوباً للتوصيل بما يستدعي في إنشائه خطاباً مغايراً لجيل شكلت القطيعة بينه وبين تلك الحكايات مساحة واسعة مشغولة بوسائل تقنية حديثة فعلت فعلها في انجاز هذه القطيعة وبخاصة ''الإنترنت'' ووسائل الإعلام المختلفة· مقارنة روسية أول من قرأ الحكاية الخرافية هو ''فلاديمير بروب'' الناقد الانتروبولوجي الروسي حين أصدر دراسته الشهيرة ''مورفولوجيا الخرافة'' لضبط قوانين المتون الحكائية الروسية عام 1927 حيث تناول بالبحث 99 حكاية خرافية أوجد لها القوانين التي أسماها بالعناصر والعوامل· فلاديمير بروب تحول إلى الأب الروحي للحركة البنائية من خلال نموذجه في التمييز بين الوظائف الدائمة والشخصيات المتغيرة· لقد افترض بروب ان هناك قوانين ثابتة تتحكم في أي نص خرافي ربما يطبق على الحكاية الشعبية وفعلاً استخدمت هذا المنهج نبيلة إبراهيم في كتابها ''قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية''· أما المنهج فهو أن هناك دوافع لبطل تستدعي منه البحث عن مبتغاه إلا ان هذا البحث يولد ''عائقاً'' يحاول ان يحبط فعل البحث ويولد ايضاً ''مساعداً'' يقوم بمهمة إزالة العائق وتحقيق فعل الدافع ثم تستكمل القوانين الثابتة والمتغيرة بحصول البطل على ما يريد· في مجمل الحكايات الشعبية بلا استثناء لأن سياق الحكاية غير متغيرة لكونها فعلاً جماعياً صادراً عن عقلية اجتماعية لا يمكن ان تغلب الشر على الخير ولذا فإن وصول البطل إلى مبتغاه يعتبر مطلباً مرتبطاً بسيكولوجية وبقيم اجتماعية نسجت نمطها الإنساني الذي يدعو لتغليب الخير على الشر· ''الدافع ـ العائق ـ المساعد ـ الموضوع'' بما يقابل ''البطل ـ الشرير ـ الملاك ـ الأميرة'' في تقابل ينهي الصراع باتجاه واحد دائماً عبر نظام توزيعي للوظائف والأدوار والشخصيات في الحكايات الشعبية الاسطورية وهذا ما سنجده في ''حكايات من الإمارات''· البيدار والحية القصة الأولى هي قصة ''البيدار والحية'' وتتلخص في ان هناك فلاحاً مزارعاً ''البطل'' يقسو على ثوره وفي يوم تظهر حيّة في الحقل وتشكو له برودة الطقس فيحاول تدفئتها بوضعها في جيبه وعاد مساء الى بيته وعندما أراد ان يخرجها من جيبه تقول له لابد من لسعه فيرد بأن جزاءه لابد ان يقابل بالإحسان فيحتكمان الى الثور ''عائق'' ويقف ضد الرجل وكذلك الحمار ''عائق ·''2 أما الثعلب ''مساعد'' فيقول للرجل: لا أحكم على الأشياء دون أن أراها ان أردت الحكم فلتخرج الحية واستمع لحكايتها وعندما خرجت من جيب الفلاح ضربها بفأسه، أما الثعلب فانه يريد ان يدخل بفعلته هذه المزرعة ليفتك بما فيها فتخرج له كلاب المزارع لتطرده·· وهنا تتحول الكلاب الى ''مساعد''·· الموضوع هو باختصار محاولة لبناء نص تشويقي لا يخلو من الوعظ الاجتماعي وهنا يندرج استغلال الحيوانات في الخطاب المتبادل واللغة المتخيلة ضمن ما استقي من الموروث العربي أي أن هذا الخطاب اللامعقول في الواقع يصبح معقولاً في الحكاية· طيرة وطارت ولنأخذ نصا آخر وهو ''طيرة وطارت'' حيث حكاية خياط فقير يتحكم به ''دافع'' يلح عليه وهو ان يحسن وضعه فيدعو ربه كل يوم ليحقق أمانيه وذات يوم يحط قربه طير جميل كل ريشة منه بلون فيتعجب من جماله وصار الخياط يطعمه الخبز والحبوب وذات يوم يأتي الخياط الفقير ليجد ان كل القماش في دكانه قد تحول إلى ملابس أنيقة وقد خيطت بأجمل الحلل والنقوش إلا أنه أراد أن يكشف السر ''دافع ·''2 في اليوم الثاني أقفل الخياط دكانه مبكراً وتخفى في مكان منزوٍ فجاء الطير ودخل من الشباك فظهر الخياط بعد وقت ليرى القماش قد خيط أيضاً· إلا أنه قرر ان يلبد داخل الدكان فجاء الطير ثانية وتحول الى فتاة جميلة والخياط الفقير يرى كل شيء فيقرر الامساك بالفتاة وقبض عليها فعلا فأتى بها الى بيته وصار ذلك البيت جميلاً بحسن تدبيرها فعاش عيشة هانئة إلا أنه شعر بالملل ''العائق'' فأخذ يقسو على الفتاة فقررت الرحيل وطارت هاربة منه وتأسف الخياط وعاد ينتظر مجيء الطيرة وانتظر لسنوات ولم تعد فلقد كانت ''طيرة وطارت''· هنا الرغبة أصبحت دافعاً والطير ''مساعداً'' والمستحيل عائقاً والتأسف هو الموضوع· وبالطبع يبدو النص الخرافي الشعبي غير محصور بالحكاية ذاتها وانما ينحو منحى شمولياً أي ان الحكاية تحولت إلى رمز أخلاقي لفكرة عامة وهذا جزء من بنية أي حكاية شعبية وهي في الأساس ذات أصول اجتماعية اتفقت عليها مجمل شعوب العالم في بناء حكاياتها ضمن نسق واحد مع تبدل الشخوص وثبات الوظائف والعوامل· هنا نلحظ ان القوانين واحدة والمتغيرات لا حصر لها أي بمعنى ان السرود الشعبية لم تخلق قوانين متضادة مع بعضها بل ظلت محافظة على قوانين الحكاية بمعناها الأشمل ومثالنا في ذلك ما نجده في قوانين الـ99 حكاية روسية عند فلاديمير بروب التي تتشابه مع قوانين حكايات ''ألف ليلة وليلة'' و''كليلة ودمنة'' والموروث الشعبي في الحكاية الإماراتية التي هي جزء من منظومة الحكاية العربية، إلا انها أخذت خصوصيتها لا من قوانينها بل من شخوصها· الجبل والبقرة قصة ''الجبل الذي اشترى بقرة'' تحكي عن رجل عاجله الموت فأوصى لابنيه عبود وحمود الأول أعطاه حماراً وشعيراً والثاني أعطاه بقرة وسلة تمر· أراد حمود ان يبيع بقرته للجبل فربطها قربه وجاءت الذئاب ليلاً فأكلتها وغضب الفتى فضرب الجبل وعند صخرة منه انفلقت فإذا بكنز هناك خلفها وحينها لا يستطيع ان ينقله إلا بواسطة حمار أخيه فيعلمه بالأمر فيتخاصما على المال وأخيراً يذهبان الى شيخ كبير ليحل ما بينهما من خلال بأن يقترح قسمة المال عليهما معاً وبالتساوي والسبب في ذلك اختلاف الحكمة بينهما فعبود أكثر تعقلاً والآخر أشد نزقاً· الدافع هنا رغبة الأب في أن يعيش ابناه بسلام فاقتسم ماله بينهما بالتساوي والعائق هنا جهل أحدهما ''حمود'' والمساعد هنا ''الشيخ'' والموضوع ''الحكمة'' والعقل الذي أبداه الشيخ في حكمه بالأمر، تلك هي قوانين بروب التي تنطبق على كل الحكايات الشعبية، وقد يفقد عنصر من عناصرها الـ 7 وضعها في تنميطه للحكاية ومفاصلها· ولكن ماذا أفادت ''حكايات من الإمارات'' في تجميعها من قبل الشاعر أحمد راشد ثاني في بداية التحقيق، هنا لابد من التأكيد على مبدأ ''التوثيق'' لما هو شفاهي متداول، ربما يصبح عرضة للنسيان والإهمال وبذلك أراد أحمد راشد ثاني ان يقيم علاقة بين الموروث الشفاهي والكتابة كي يتحول هذا الموروث الى تاريخ مدون وقراءة سريعة للمسرود الشفاهي تبدو فيه صفة الخيال الشعبي والأهداف القيمية والأخلاقية والاقتصار على سرد الأحداث بدون توصيفها واستخدام الأسماء المتداولة اجتماعياً والعلاقة الحميمة بين الحكاية والحيوان واختراق حاجز عدم التواصل بين الإنسان والحيوان من مقومات الحكاية الشفاهية المروية، أما تحويل هذه النصوص الستة ''البيدار والحية'' و''تخليص'' و''حصاة الصبر'' و''الجبل الذي اشترى بقرة'' و''طيرة وطارت'' و''صديق مخلص'' الى لغة صورية من جانب وحوارية ''سيناريو'' من جانب آخر قد يقلص من فسحة الخيال الذي تتمتع به الحكاية الشفاهية، الشعبية، المبنية على الخرافة، لأن من أهم البنيات في هذه الحكاية هي التخيل والتصور وما دامت الصورة قد حلت محل التصور والسيناريو حل محل التخيل تصبح الحكاية في أضيق مساحة لها بالرغم من ان هذا النمط من السرد يعتبر جديداً أولاً ويخاطب تدرجات عمرية قد تبدأ من مراحل متقدمة فيحقق غرضه الأخلاقي الذي يكرس الهوية الوطنية المرتبطة في مجملها بالموروث والمحافظة عليه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©