السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«المحرر الأدبي».. الغائب

«المحرر الأدبي».. الغائب
4 مايو 2017 14:20
يقول الكاتب والمترجم سماح إدريس، نجل الكاتب والناشر الراحل سهيل إدريس (مؤسس دار الآداب بيروت): «كلما قرأتُ كتاباً جديداً بالعربية أيقنتُ أن مشكلة كتبنا الأولى والأهمّ هي غيابُ التحرير. كثيرون يكتبون كأنهم حكواتيون في مقهى. يثرثرون ويثرثرون ويعتبرون ذلك تدفقاً في السرد! على دُور نشرنا أن توظّف محررين ماهرين ومثقفين يتصدون لآفة الثرثرة، ويقنعون الكاتبَ الجهبذ بعملهم التحريري الذي لا يقلّ أهميةً عن عمله بالذات!». ويقول الناقد الأردني فخري صالح: «المحرر قارئ حصيف ينبه المؤلف إلى بعض مواضع الوهن في نصه، ويسعى إلى تصحيح بعض أخطائه، ويدعوه إلى إعادة كتابة بعض الفصول أو الفقرات، وتغيير عناوين بعض الفصول، ما يجعل النص أفضل وأشد وقعاً وتأثيراً في العادة». هذه نُقولٌ تتحدث عن مهنة «المحرر الأدبي»، أو بمعنى أشمل محرر النصوص المكتوبة كي تنشر في كتاب يقرؤه الناس، وهي مهنة جليلة الخطر والشأن، وفي السنوات العشر الأخيرة، وربما قبلها أيضاً تتزايد الشكوى، مرّ الشكوى، من افتقاد «محرر النصوص» المحترف، القارئ الذكي الحصيف الذي يتدخل كالجراح الماهر في تعديل النصوص وتهيئتها للنشر كأحسن ما يكون، من عتبة النص وحتى السطر الأخير. المشكلة ببساطة؛ أن ندرة وجود المحرر الأدبي حتى الآن في عالمنا العربي، تعود في الأساس لغياب «ثقافة» هذا المحرر، نحن حتى الآن، أو على الأقل في أوساط عديد من الناشرين، نخلط بين أدوار المحرر الأدبي وطبيعة تكوينه الثقافي واللغوي، وبين «المصحح» أو «المدقق اللغوي» المحترف الذي تختلف وظيفته وتتباين أدواره إلى حدٍ كبير عن «المحرر الأدبي». ولأن وظيفة المحرر الأدبي تختلف جذرياً عن التدقيق اللغوي (يتوهم البعض أنهما شيء واحد وهذا غير صحيح)؛ كان من الضروري تحديد مهام المحرر بدقة والبحث عن مقومات حضوره وتكوينه الثقافي العام وقدراته التحريرية اللازم توافرها لممارسة مهامه؛ التي يمكن تمثيلها في الدور الذي يقوم به المخرج في الفيلم السينمائي؛ صاحب العين القادرة على تخليص النص من الحشو والزوائد والنتوءات المشوهة له، يعمل قلمه في المتن إذا اقتضى الأمر للوصول به إلى أكمل صورة ممكنة وأفضل شكل يمكن أن يقرأ به، ويكون نصاً متماسكاً ومبيناً بين يدي قارئه.. (وبالمناسبة، نحن نفتقد أيضاً المدقق اللغوي الكفء، الواعي المستنير المعتد بما يقوم به، لا أقول نعدم وجوده بالكلية، لكننا نفتقد اكتمال تكوينه كمدقق لغوي محترف، يمتلك وعياً لغوياً حديثاً ومعاصراً، ويضيف إلى ملكاته اللغوية مهارات أخرى ضرورية ولازمة). إذا حضر هذا المحرر وكان متميزاً واعياً لطبيعة المهمة التي يقوم بها خرجت إصدارات الدار التي يعمل بها ويتولى مسؤولية تحرير مطبوعاتها كأحسن ما يكون، وضمنت لنفسها مكاناً رفيعاً بين دور النشر المحترمة المرموقة، وإذا غاب أو توارى لأي اعتبار آخر، فلا مجال للحديث عن مطبوعات متميزة أو إصدارات يمكن لها أن تنافس وتباهي بمحتواها ومادتها المحررة. ولو حاولنا أن نحصر في عالمنا العربي أسماء خمسة محررين أدبيين «محترفين» يقومون بمهام هذه المهنة في حدها الأدنى من تقاليدها المتعارف عليها، والتي ترسخت ونمت بالتجربة والممارسة في الثقافة الغربية، سنجد صعوبة شديدة وبالغة في إكمال هذه القائمة المختصرة! في هذا الملف نقدم مواد نظنها ذات طبيعة خاصة ومتميزة حول الموضوع الذي بات في القلب من انشغالات الثقافة الأدبية في عالمنا العربي؛ الأولى لصاحب هذه السطور، أما الثانية فحوار أجراه معد الملف مع المحررة الأدبية البرتغالية الشهيرة ريتا باييس، محررة نصوص البرتغالي الراحل خوزيه ساراماغو ومديرة مؤسسة ساراماغو الأدبية في لشبونة. والمادة الثالثة شهادة فريدة وغير مسبوقة لمحررة النصوص المحترفة سمر أبو زيد مديرة النشر في دار الكرمة للنشر والتوزيع، وهي من أمهر المحررين العرب وأكثرهم دقة وحساسية، وتمارس هذه المهنة بحرفية واقتدار يؤهلانها لتكون في طليعة «المحررين الأدبيين» المعاصرين. ممتن جداً لصديقي الكاتب والروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي الذي تحمس لإيصال أسئلتي إلى محررة ساراماغو، وممتن أيضاً للصديق الناقد الفني المرموق محمود عبد الشكور على مقترحاته الممتازة واشتراكه معي في صياغة الأسئلة التي توجهنا بها لمحررة ساراماغو، وفي غاية الامتنان للمترجمة مروى صبري على تفضلها بترجمة أسئلتي من «العربية» إلى «الإنجليزية»، وتكبدها عناء ترجمة الإجابات التي تلقيتها من ريتا باييس إلى العربية. كان هذا الحدث (الحوار) وملابساته هو الذي استدعى فكرة هذا الملف وفتحه بالتزامن مع انعقاد معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي خصص واحدة من ندواته المهمة لهذا الموضوع، وكذلك ضرورة تسليط الأضواء عليه والإلحاح على مناقشته والكشف عن أهميته، وأظن أن أحاديث مقبلة ستثار بكثرة وعمق حول هذا الموضوع كفيلة بدفعه خطوة على الطريق، وكفيلة بأن تجعله ضمن أولويات القضايا التي نسعى لغرسها وترسيخ وجودها في ثقافتنا الأدبية المعاصرة.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©