الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين... والتحرُّش بمنظمات المجتمع المدني

الصين... والتحرُّش بمنظمات المجتمع المدني
8 أغسطس 2009 00:28
بدأ الأمر بتحديد مهلة لمنظمة «مبادرة الدستور المفتوح» لدفع الضرائب المستحقة عليها وقدرها 200 ألف دولار. وبعد ثلاثة أيام، داهمت السلطات في 17 يوليو مقرها في بكين وحجزت حواسيبها. وفي 29 يوليو قبيل الفجر بقليل، اعتقلت الشرطة مؤسسَ المنظمة «كزو زيونج» في منزله. وخلال اليوم نفسه، ذهبت السلطات الحكومية إلى مكتب «يي رين بينج»، وهي منظمة غير حكومية أخرى، وقامت بمصادرة نسخ من نشراتها الإخبارية بدعوى أنها لا تتوفر على رخصة للنشر. وهذه المداهمات، حين يُنظر إليها معاً، تبدو جزءاً من تشديد للخناق على أصوات مشاكسة خلال ما تبقى من أسابيع تفصلنا عن يوم 1 أكتوبر الذي يصادف الذكرى الستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية؛ ذلك أن المنظمتين المذكورتين ليستا سوى نموذج لعدد متزايد من المنظمات التي تستعمل القانون هنا لمحاسبة السلطات حول مواضيع مثل سلامة المواد الغذائية وحقوق المرضى والاعتقال غير القانوني. غير أن ثمة قاسماً مشتركاً يجمع بين المنظمتين: ذلك أن كلاً منهما تلقت منحاً من جهات أميركية وأخرى أجنبية. ولذلك، فقد قُيمت الغرامة الضريبية التي فرضت على «مبادرة الدستور المفتوح»، التي يرأسها «كزو»، على أساس المنحة التي تلقتها المنظمة من كلية القانون بجامعة «ييل»، حيث أعلنت المنظمة أن «كزو»، وهو محامٍ ومشرِّع منتخَب، معتقل للاشتباه في تورطه في التهرب الضريبي. وتثير مضايقة المنظمات غير الحكومية المموَّلة من الخارج في بكين المخاوفَ من ضغط متنامٍ على منظمات المجتمع المدني على الطريقة الروسية، ذلك أن روسيا عملت منذ سنة 2006 على تجريد العديد من المؤسسات الخارجية من وضع مؤسسات غير ربحية، وأرغمت منظمات غير حكومية على التبليغ عن أنشطتها بالتفصيل الدقيق، بينما اتهمت منظمات حقوق الإنسان المموَّلة من الخارج بأنها مطية للقوى الغربية. ومؤخراً، قامت بتعديل قانون المنظمات غير الحكومية ورفعت بعض هذه القيود التي كانت مفروضة من قبل. وهناك رأي بديل في بكين يرى أن المنظمات المستهدَفة تضغط أكثر من اللازم في اتجاه مناطق محظورة سياسياً، مما أثار ردة فعل السلطات؛ حيث يقول عمال منظمات غير حكومية وخبراء في شؤون المجتمع المدني، إن التحقيقات بشأن الضرائب والرخص ليست سوى ستار لحملة قمعية تستهدف نشاطات هيئات المجتمع المدني، ومن ذلك قرار المنع الذي صدر مؤخراً في حق عشرين محامياً وناشطاً في مجال حقوق الإنسان من مزاولة مهنة المحاماة في بكين. وفي هذا السياق يقول باحث في المنظمات غير الحكومية الصينية طلب عدم نشر اسمه: «إن ما تفعله بالمال هو المهم»، مضيفاً أن التحقيقات في التمويل الخارجي توفر «ذريعة بَعدية بالنسبة للسلطات». بيد أنه بالنظر لصعوبة التسجيل كمنظمات لا تسعى للربح، فإن الكثير من المنظمات غير الحكومية الصينية تضطر لتسجيل نفسها كشركات، وهو ما يجعلها عرضة لضرائب قد تشل نشاطها، كما يقول «وان يانهاي»، الذي يدير منظمة للدفاع عن المصابين بالإيدز في بكين، الذي يضيف: «إنها مشكلة كبيرة. إذا اتُّخذت تدابير مماثلة ضدنا (مثل قضية ضرائب «مبادرة الدستور المفتوح»)، فإنه قد يُحكم علينا بغرامة قدرها عشرات الآلاف من اليوان». ويقول «وان» ونشطاء آخرون إن طلب الأموال الخارجية أمر عادي بالنسبة للكثير من المنظمات غير الحكومية في الصين، على أن بعض المسؤولين الحكوميين يقدمون بعض الدعم لأنهم يستفيدون أيضاً من تمويل المانحين الأجانب أنفسهم لبرامج عامة، فيميلون عموماً إلى التغاضي عن حقيقة أن المنظمات غير الحكومية المموَّلة من الخارج مسجلة كشركات، كما يقول بعض النشطاء. وحسب سارة ديفيس، المديرة التنفيذية لـ»آسيا كاتاليست»، وهي منظمة غير ربحية يوجد مقرها في نيويورك وتقدم الدعم التقني لمنظمات المجتمع المدني في الصين، فإن قمع هذه الممارسة -وخطر تكبد فاتورة ضريبية عن سنوات ماضية- سيكون أمراً مرعباً، حيث تقول: «إنه وضع صعب لأنه لا يوجد تمويل داخلي بالنسبة لمعظم المنظمات العاملة في مجال الحقوق الإنسانية والمدنية. ثم إنه لا يُسمح لها بالتسجيل كمنظمة غير حكومية، وهو ما لا يترك لها خياراً آخر غير اللجوء إلى المانحين الأجانب». وعلاوة على ذلك، ثمة مشكلة أخرى بالنسبة للنشطاء وتتمثل في حقيقة أن المانحين الأجانب يريدون في أحيان كثيرة تمويل المشاريع «الشائكة» بالنسبة للصين من قبيل التحقيق في أعمال الشغب التي اندلعت في إقليم التبت العام الماضي وألهبت الرأي العام الخارجي. وفي هذا السياق قالت «مبادرة الدستور المفتوح» في تقرير أصدرته مؤخراً إن التفسير الرسمي (أن الدلاي لاما يقف وراء الاضطرابات) يتغاضى عن أعمال الحكومة في التبت. كما تبنت المنظمة قضية عائلات ترفع دعاوى قضائية ضد شركات كانت تبيع حليباً ملوثاً العام الماضي قبل أن يكتشف أمرها. وقد حاولت الحكومة الصينية طي صفحة الفضيحة عبر دفع تعويضات للأشخاص الذين يوافقون على عدم رفع دعوى قضائية ضد المصنِّعين. ويقول مسؤول في منظمة خارجية تمول منظمات صينية غير حكومية، طلب عدم ذكر اسمه، إن الاتفاقات غير الرسمية مع السلطات الضريبية بشأن تمويل منظمات صينية ربما باتت اليوم موضع شك؛ غير أنه مع آخرين في مجال المنظمات غير الحكومية يؤكدون أنه من السابق لأوانه القول بما إن كانت ثمة حملة تضييق واسعة، وما إن كان التمويل الخارجي سيختفي عملياً، إذا كان الأمر كذلك. سايمون مونتليك - بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©