الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قضية حياة أو موت

8 أغسطس 2009 00:29
نواصل ما بدأناه الأسبوع السابق حول النزاع بين دول حوض النيل، إذ انتهى اجتماع الإسكندرية الذي ضم وزراء الري وخبراء المياه في بلدان الحوض كلها، وذلك دون الوصول إلى قرار ينهي الأزمة، ولكنه أقر اقتراحاً تقدم به السودان لمواصلة المشاورات والاجتماع مرة أخرى بعد مرور ستة أشهر. والهدف من كل هذا هو الوصول إلى اتفاق إطاري لكل دول الحوض تقبل به دول المنابع وكذلك تقره وتوافق عليه دولتا الممر والمصب، السودان ومصر. كانت قد شهدت اجتماعات الإسكندرية جدلاً حاداً بين المجموعتين المتواجهتين (مجموعة المنبع ومجموعة الممر والمصب)، أوشك أن يؤدي إلى مواجهة تامة من العسير التنبؤ بنتائجها، وكان مما رشح أن اجتماعاً منفرداً لدول المنبع اقترح فيه بعضهم اللجوء لأسلوب المواجهة التامة، ولكن غلبت الحكمة في النهاية. إن القضية في جوهرها قضية حياة أو موت لا سيما بالنسبة للسودان ومصر، ويكفي أن نشير إلى أن احتياجات هذين البلدين من المياه ستقفز بمعدلات عالية خلال السنوات القليلة المقبلة وتتخطى الأرقام التي حددت في اتفاقية عام 1959 (55 مليار متر لمصر و18 ملياراً للسودان). فالسودان مثلاً، ستكون حاجته في عام 2020م حوالي 57 مليار متر، ثم سيرتفع هذا الرقم إلى 75 ملياراً في عام 2030م، ولكن السودان يعتمد كثيراً على مياه الأمطار التي يقدر هطولها في مختلف أنحاء القطر بحوالي 1094 مليار متر مكعب، أما مصر فوضعها هو الأكثر حرجاً؛ لأن مستوى مياه الأمطار فيها ضعيف لا يقارن بالسودان. ويقدر الخبراء حاجة مصر من المياه أن ترتفع إلى 93 ملياراً في العام المقبل، ثم إلى حوالي 126 ملياراً في عام 2020م لتصل إلى 169 ملياراً في عام 2030م. وعلى الجانب الآخر، أي بالنسبة لدول، المنبع فإن البنك الدولي يقول في قرار صدر له عام 1996م، إن ندرة موارد المياه في أفريقيا جنوب الصحراء يمكن معالجتها باستغلال البحيرات العظمي بشرق أفريقيا بوصفها مورداً غير عادي. وهذا ما لم يحدث حتى الآن بصورة جادة وفعالة وما يقال عن بحيرة فيكتوريا في وسط شرق أفريقيا كذلك يمكن أن يقال عن بحيرة تانا الواقعة داخل الأراضي الإثيوبية. أما من الجانب القانوني، فإن اتفاقيات مصر والسودان (1929-1959) التي ترفض الاعتراف بها دول المنبع فإنها تكتسب شرعيتها من قانون دولي جديد صدر عام 1997 وبات نافذاً. وبعد، فإن هذه هي حقائق الوضع المائي لدى دول الحوض في منابعه أو مصابه، وكذلك هذا هو الوضع القانوني. إذاً فالدوافع في إثارة هذا النزاع ذات طابع سياسي. وفي مقالنا الأول، تحدثنا عن أصابع تدخل لإسرائيل التي تتمتع بقدر كبير من النفوذ في أغلبية بلدان المنبع مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا وغيرها. ولكن قد لا يكون هذا التعليل كافياً رغم صحته ذلك أن هذه الدول أي دول المنبع ظلت ساكتة على اتفاقية المياه بين مصر والسودان لنحو نصف قرن، ولم تبد في الأعوام السابقة ما تبديه الآن من رفض للاتفاقية وادعاء بأن حقوقها سلبت منها. هناك تفسير آخر للنزعة غير الودية لتلك الدول تجاه القاهرة، وهو أن مصر فقدت خلال السنوات الأخيرة ما كانت تتمتع به من نفوذ في بلدان القارة الأفريقية خصوصاً خلال عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر واتفاقية المياه المشار إليها عقدت وهو رئيس للجمهورية. بقي أن نأمل في أن الأشهر الستة ستنتهي بالوصول إلى توافق يعيد علاقات دول الحوض لسابق عهدها، وأن يتم وضع برامج تستفيد منها كل شعوب الحوض لا سيما والماء متوافر إذا أُحسن استغلاله والحفاظ عليه. محجـوب عثمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©