الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يتجاوز الخطوط الحمراء ويتوغل نحو المسكوت عنه

يتجاوز الخطوط الحمراء ويتوغل نحو المسكوت عنه
17 مارس 2011 20:08
ليست السينما خاضعة للواقع بالضرورة، هي يمكنها، أحياناً يجدر بها، أن تنتج واقعها الموازي الافتراضي، وإن بدا غير واقعي، وأن تقارب أحداثه وفقاً لمنهجية مقنعة ومتلائمة مع شروطه على غرائبيتها، يقاس نجاحها حينها بمدى قدرتها على اجتذاب المشاهد نحو هذا المتخيل، ودفعه لتقبل شروطه، والموافقة على الاحتمالات التي يقترحها عليه، وما يمليه عليه من حقائق تصير كذلك بعد خضوعها للمعالجة السينمائية المحترفة. فإذا تعذر الإقناع بوسع العمل السينمائي الاكتفاء حينها بقدرته على أن يكون مادة مشرعة للسجال والنقاش. يمثل ما سبق بعض ما يمكن استنتاجه بعد مشاهدة فيلم hall pass «إذن خروج»، إخراج بوب وبيتر فاريللي، بطولة أوين ويلسون. جاسوم سوديكيز، كريستينا ابليغيت، وجينا فيشر. أزمة الجنسين هي أزمة رجال في منتصف العمر، لكن مهلاً: هل هي أزمة رجال فقط؟ أم أنها تبدو كذلك لأن الذكور هم عادة أكثر جرأة في التعبير عما يجول في الخواطر الإنسانية المفخخة غالباً بالمحاذير والمحظورات؟! وهم أكثر استعداداً، للبوح بما يعتمل في دواخلهم من هواجس مهما كانت حميمة، ومن خارج الحدود المسموح بها، أليس للنساء من صلة بالأمر؟! الأرجح أن قدراتهن على مداراة أفكارهن الملغمة، والتحكم بما ينتابهن من تهويمات خطرة يجعلهن، نظرياً، خارج دائرة الاتهام، أما التعمق في المسألة، ومراقبة النتائج المترتبة على السلوكيات، فالأرجح أنَّها ستتيح استنتاجات أخرى.. هي أزمة تعترض الزيجات التي مضى على قيامها من الزمن ما يسمح للملل والروتين بالتسلل إلى جوهر العلاقة الناظمة لها، ويشرع بالتالي فرصة التساؤل عن مواضع الخلل وطرق معالجته، المرأة، مدفوعة بالجدية القسرية التي تطبع سلوكها وتصرفاتها، هي عادة من تجد نفسها معنية أكثر من الرجل بالتعمق في الإشكالية الطارئة. لكن يبقى السؤال المحوري: أين يكمن الحل؟! تخطي الخطوط الحمراء يشكل ريك (أوين ويلسون) وزوجته ماجي (جينا فيشر) نموذجاً للسعادة الزوجية المهددة بمخاطر الزمن ورتابته، وليس الثنائي فريد (جاسون سوديكيز) وزوجته جريس (كريستينا ابليغيت) بعيداً عن ذلك، العائلتان مرتبطتان بصداقة حميمة قلصت المسافات بين أفرادها، وأزالت خطوط التحفظ، بوسع كل طرف أن يكون واسع الاطلاع على خفايا الآخر، كما أن ثمة مساحة واسعة من البوح لا تترك مستوراً إلا وتكشفه أمام عناصر الدائرة المتشابكة. وكان لتشابه المشكلة العائلية أن حتمت البحث عن حل مشترك. إجازة من الزواج إذن كان على جريس وماجي أن تتباحثا في ما آلت إليه حالت رجليهما، الاثنان يتجاوزان الخطوط الحمر في الكشف عن متخيلهما الحميم، تشاء الصدف أن يتعرضا لحادثة اختراق للخصوصية حصلت في سياق من الطرافة الساخرة، والمتميزة إخراجياً: كان الأربعة برفقة معارف لهم يلبون دعوة إحدى العائلات الصديقة التي اكتسبت ثراء مباغتاً، في جولة على منزلهم الجديد، وهي ما سيطلق عليها ريك وفريد «مناسبة التباهي بالمقتنيات»، يتأخر الصديقان عن المجموعة، ويتابعان حديثاً ساخراً خالياً من أدنى أشكال التحفظ، لكن المضيفين كانا، لصدفة مؤسفة، يرغبان في إطلاع ضيوفهما على وسائل الأمن التقني الذي يتميز بها منزلهما الباذخ، ثمة كاميرا تتيح تصوير وارصد كلام كل من يتجول في المنزل، وكتجربة للآلة المتطورة جرى تسليطها على فريد وريك، البديهي أن الكلام الذي تناهى إلى أسماع القائمين بالجولة بدا غير باعث على الاطمئنان: لم يترك الثنائي العابث ستراً مغطى، تهويماتهما الفائقة القذارة طالت الحاضرين في الجولة (الحاضرات بمعنى أدق)، ولم توفر أصحاب الدعوة، ولا زوجتيهما نفسيهما أيضاً. المسألة بلغت من الخطورة حد ضرورة البحث عن حل. رجلان في منتصف العمر والعقل والإرادة مهددان بالتحول إلى أنموذجين للمراهقة المتأخرة التي تبدو أكثر إرباكاً من مثيلتها القائمة في موعدها الحقيقي. اختراق المحظور تباحثت ماجي وجريس مطولاً في الأمر، استعانتا بإحدى الصديقات التي تفوقهما عمرة وخبرة، جاء اقتراحها من خارج المألوف: ماذا لو أعطيتاهما إجازة لمدة أسبوع من الزواج؟! أسبوع يتحللان خلاله من أعباء الحياة الزوجية كاملة، ولا يحسب عليهما أي عمل خارج الأطر الناظمة للانضباط الزوجي؟! هنا يمكن الإشارة إلى خروج السينما عن مسار الحياة الواقعية، لعلها تستجيب لدواعي سلوكها الإبداعي في التوغل عميقاً نحو المسكوت عنه، وقول ما تضعه ضرورات اللياقات الاجتماعية والسلوكية في خانة المحظور: إجازة من الزواج الذي يتحول بعد سنين طويلة إلى مؤسسة، فيعتريه ما يصيب سائر المؤسسات من وهن وضجر ورغبة العاملين في الانعتاق وكسر الروتين، الاقتراح، على غرابته، هو وضع للأمور في نصابها الحقيقي، وإن كانت المقتضيات المتعارف، الأصح المتواطئ، عليها تفترض إنكارها، وبالتأكيد فإن ثمة الكثير من الحقائق التي تلزمنا الأعراف بالتبرؤ منها، بل والتنكر لها لنبقى منسجمين، وخاضعين، لتلك الأعراف التي تقتصر مشروعيتها على توافق جماعي فقط. إذن فلتكن إجازة أسبوع من الزواج، يحق للمرء أحياناً أن يخرج على قواعد الوظيفة، ربما حرصاً على الوظيفة نفسها، أسبوع خارج الأسوار الزوجية يعني شرعنة للخيانة ووضع التهويمات الخطرة التي تدور في الجانب الخفي من اللاوعي الذكوري موضع التنفيذ المباح والمتاح. كان ريك هو المتقدم في الحصول على الإجازة، ولما حاول فريد استدراج زوجته نحو إجراء مماثل جوبه بالرفض، وكان الحل بارتكابه إثماً سلوكياً بالغ السوء، حيث اقترف في العلن ما كان منذ بدء الخليقة خاضعاً لسطوة السر، عندما قبضت عليه الشرطة وسلمته مكبلاً لزوجته بدت الأخيرة مقتنعة بكون الإجازة الزواجية حلاً لمشكلة آخذة بالتفاقم. في مهب الخطيئة بدأ الأسبوع الاستثنائي، ولم يكن أمام ريك وفريد خياراً آخراً غير النجاح، فالمسألة لا تعنيهما بمفردهما، بل هي قضية الرجال عامة، إذا تمكنا من إثبات نجاعة هذا الحل في إعادة ترميم الزيجات المتهالكة سيصبحان بطلين في عيون أبناء جنسهما، وربما أصبحا كذلك لدى بنات الجنس الآخر أيضاً. في اليوم الأول، كانت التجربة غير مختمرة، الفرح بالإنجاز لم يدع مجالاً لتحقيق المزيد منه، كانا برفقة بعض أصدقائهما ممن كانوا يستعجلون إضفاء صفة البطولة عليهما، انتهى الأمر بالجميع لتناول عشاء فاخر أقعدهم عن الحراك وجعل الإنجاز الأبرز يتجسد في إدراك أمكنة النوم. في اليوم الثاني، كان للعبث أن دعا المجموعة إلى تجريب المخدرات، فآلت بهم الحال نحو ضياع الهدف والهيام على غير هدى في الشوارع بعيداً عن الهدف المنشود، اليوم الثالث أيضاً ضاع في الحانات، وكان للثمل المقيم أن أطاح باليوم الرابع كذلك، في اليوم الخامس تعرف ريك إلى فتاة فائقة الجمال تعمل في أحد المقاهي، وعندما تواعدا على اللقاء في اليوم السادس في النادي الرياضي غرق الرجل في مسبح الجاكوزي، مدفوعاً بقلة الخبرة، وتواضع التجربة. الخبير المنقذ في اليوم السابع كان الرجلان ينويان التسليم بالخسارة، عندما صرخ فريد في وجه ريك مبشراً: لقد جاء كويكلي(ريتشارد جينكينز) الرجل خبير في شؤون النساء يجيد الحكم على طبائع المرأة من نظرة فاحصة لملامحها وأطرافها، ومقتنياتها المتحركة: خلال سهرة عامة في إحدى الحانات أقصى فريد عن الاهتمام باثنتين من الإناث اللتين لفتتا نظره، وصوب نظره نحو ثالثة: أنظر إليها لقد أقلعت عن التدخين منذ فترة قريبة، وهي تبحث عمن يساعدها في هذه المرحلة الحرجة، وبالتأكيد فهي فرصتك!! أما كيف عرف كويكلي ذلك، فمن عيني الفتاة المصوبتين دوماً نحو جناح المدخنين، ومن شفتها السفلى دائمة الارتجاف، وأيضاً من حقيبتها الكبيرة التي من الواضح أنها تحتوي على سندويشات خشية الإحساس بالجوع المباغت، وهو ما ينتاب المقلع عن التدخين عادة. بحثاً عن الفشل صحت توقعات الخبير، لكن رفقة المرأة بدت غير ممتعة على الإطلاق، إذ إن اهتمامها مركز على الكائنات الفضائية، ولم تبدُ معنية بما يحصل على الأرض، في ختام سهرة مملة سنجد فريد يوقف لها سيارة أجرة، ويعطي السائق مبلغاً كبيراً طالباً منه أن يقلها إلى حيث شاءت. أما ريكي الذي كان يسعى للاستفادة من يومه السابع برفقة فتاة المقهى ذات الجمال الباعث على فقدان الوعي، فقد توقف فجأة، ليقص عليها حكايته مع زوجته، ومع أطفاله الثلاثة، معلناً نيته البقاء وفياً لشريكة العمر. بنبرة لا تخفي إعجابها ستقول له الفتاة:«أنا موقنة أنك ستندم على هذا الموقف فيما تبقى من عمرك، لكنك للحقيقة رجل وفي»! ما لم يحسب أحد حساباً له أن زوجتي ريك وفريد اللتين ذهبتا برفقة الأطفال إلى منزل والد ماجي إفساحاً في المجال أمام زوجيهما للاستفادة من إجازتيهما سيتعرفان على رجلين، وستكون الإجازة الحقيقية من نصيبيهما هما، وهو ما ستتذكره ماجي فجأة وسط تعابير من الذعر تملأ وجهها: أنا كنت أحتاج الإجازة!!
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©