الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نسيان

نسيان
9 أغسطس 2009 00:41
الأرجح أنَّ الأمر يجد تفسيره في تلك الرغبة الجامحة الطامحة للعودة إلى بؤرة الضوء بعد انحسار... وهي غاية مشروعة حتماً، إلا أنَّها تستدعي وسائل مكافئة لها في مشروعيتها، ما لا يبدو متوافراً في القضية موضع البحث.. يصعب أن يختلف اثنان على كون الكاتبة أحلام مستغانمي إحدى العلامات المضيئة على امتداد مساحة الرواية العربية المعاصرة، وقد يبدو القول نافلاً أنّ أعمالها الروائية حظيت، مستحقة، بما استعصى على نتاجات معظم مجايليها من قبول وإقبال جماهيريين، والبديهي تالياً أنَّه ينبغي لأي مقاربة تتخذ من مستغانمي هدفاً لها أن تحرص على الاعتراف بهذه المقولة، بل واستلهام تداعياتها أيضاً. إلى أين من هنا؟ إلى محاولة تلمس الدوافع وراء إطلاق الكاتبة الجزائرية مؤخراً لموقع إلكتروني، أتى متزامناً مع إصدارها لكتاب ورقي حمل اسم «نسيان دوت كوم». وعبرهما تتولى صاحبة «ذاكرة الجسد» تحريض النساء على فضِّ شراكتهنّ مع الذكور، والتحرر مما أسمته «غوانتنامو الحب». تنتصر مستغانمي في كتابها الورقي الجديد ورديفه الإلكتروني، لـ «النساء القابعات في معتقل الذاكرة»، تبرز «معاناتهن بسبب الرجال»، وتسعى لتغيير المرأة العربية التي هي، من وجهة نظرها، «امرأة وفية مبرمجة للانتظار». قد تصح الدعوة التي تتبناها الكاتبة لأن تكون تيمة رئيسية في فيلم كوميدي، يجري تحميلها بأحداث ساخرة تمنح العمل مقومات الإمتاع والترفيه، كما يمكن استيعابها بوصفها محاولة لإعادة إنتاج المقولات التي بنت عليها الدكتورة نوال السعداوي حضوراً خلَّبياً مؤقتاً، قبل نصف قرن، عندما كرست جهودها لتصوير الرجل بوصفه عدو المرأة، وبشيء من المغالاة في تفسير دلالات الواقعة يصير ممكناً تصنيفها كامتداد لمآثر السيدة الجليلة سيمون دي بوفوار التي نذرت حياتها لثورة عارمة ضد الهيمنة الذكورية، وسط إصرارها على أن تقيم مع جان بول سارتر علاقة تداني القداسة من جانبها، وتتماهى مع الصلة التي كانت تجمع الجواري بمالكيهن في أكثر عصور الحريم ظلماً وظلاما، كلُّ ما سبق ممكن، لكنَّ من الصعوبة المحاذية للإستحالة أن يتم إدراج التجربة الجديدة بوصفها استكمالاً للإضافة النوعية إلى المخزون الروائي العربي التي حققتها أحلام مستغانمي عبر ثلاثية «فوضى الحواس»، و«ذاكرة الجسد»، و«عابر سرير». غفلت الكاتبة عن كون حضورها الابداعي قد تحقق بفضل أعمال روائية كان للرجل فيها مكان رئيسي ومكانة محورية، واستساغت الدخول في لعبة دعائية تستوحي مقاييس الزمن التلفزيوني المهيمن راهناً، حيث يتكفل الصخب الضوئي بتكريس الفعالية بعيداً عن معايير الجودة ومقاييس الكفاءة، قنعت، وهي صاحبة الإنجازات المعترف بها، أن تشارك في لعبة مسطحة ساذجة قد تغوي مذيعة ناشئة، أو مغنية تفتقد المرونة في حبالها الصوتية، ساعية عبر الوهم إلى تحقيق ما سبق لها أن أنجزته واقعاً ملموساً.. يبقى القول إنَّه يوم خرجت روايات أحلام مستغانمي إلى الملأ كان هناك من نفى أن تكون من صنعها، ناسباً الفضل إلى بعض المبدعين من الذكور، المنجز الجديد الذي اقترحته الكاتبة لا يساهم في دحض هذه المزاعم، بل لعله يبرر طرح التساؤل عما إذا كانت قد قرأت الروايات المنسوبة إليها.. علي العزير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©