الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بندر العمري: أروض أدواتي لترجمة الصور البلاغية

بندر العمري: أروض أدواتي لترجمة الصور البلاغية
9 أغسطس 2009 00:43
لم يكن يتوقع أن يتحول مزاحه مع الصبية والشباب الطلاب بمعهد الأمل للصم والبكم في حي «الملز» الذي يعيش فيه بالعاصمة السعودية الرياض، أن يجعل منه مترجماً خبيراً للغة الإشارات الخاصة بهم، أو أن يصبح يوماً مترجماً لهذه الفئة في أشهر البرامج التلفزيونية، وأكثرها اهتماماً وصيتاً «شاعر المليون» و«أمير الشعراء» التي تشرف عليهما هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ويبثان من تلفزيون أبوظبي، ويستقطبان قطاعاً كبيراً من المشاهدين العاشقين للأدب والشعر على امتداد الوطن العربي الكبير. بندر العمري.. شاب سعودي طموح، يلفت الاهتمام ويخطف فضول المشاهدين المتابعين لبرامج الشعر، بإشاراته وحركاته وإيماءاته ورشاقة أصابعه التي تتحرك بإتقان وانسيابية وتناغم، في توافق ذهني وعصبي بارع يسابق من خلاله جمال ومضمون المعنى، وحلاوة الصور الشعرية وبلاغتها ليترجمها بإشاراته إلى متابعيه من الصم. التقيناه في هذا الحوار ليجيب على فضولنا وتساؤلاتنا ويكشف عن الكثير من الأسرار والصعوبات وتثير فضول الكثيرين غيرنا: • كيف كانت بداياتك نحو عالم الصم والبكم؟ وما الذي أثار اهتمامك بهذا التوجه؟ إنني أسكن حي الملز بمدينة الرياض، ويوجد بنفس المنطقة التي أعيشها فيها معهد الأمل للصم والبكم، وكنت كثيراً ما ألتقي بطلابه في شوارع الحي بالقرب من البيت خلال ذهابي وعودتي، أو في محال البقالة، أو في المقهى الموجود، وشدني ترابطهم وحركاتهم ولغتهم الخاصة، ومن الطبيعي أن أتفاعل معهم وحاولت أن أفهم هذا العالم الغامض، ومن ثم ربطتني صداقات جيدة مع كثير من هؤلاء الشباب، وبالتدريج استطعت أن أتفهم ما يقولون، واجتهدت في تعلم إشاراتهم حتى أستطيع محاكاتهم والحديث إليهم، حتى وجدت نفسي قادراً على التعامل معهم، وهذا الفهم ساعدني على تكوين صلات وصداقات وطيدة معهم، ومن ثم أسهموا في تعليمي لغتهم وإشاراتهم بشكل سريع، وأفادوني بعد أن اخترت هذا التوجه كاحتراف مهني. • لكن إتقان لغة الإشارة أمراً ليس هيناً؟ نعم.. لكن الدافعية والحافزية والرغبة في التعلم تسهل الكثير من الأمور في أي عمل أو مهارة يسعى الإنسان إلى اكتسابها. فلقد أحببت هذا العمل وشعرت أنني يمكن أن أضيف له شيئاً، وكانت عملية الترجمة أمراً صعباً وشاقاً في السابق قبل الاتفاق عربياً على إشارات موحدة للصم والبكم، إلى أن تم الاتفاق الذي سعى إليه الاتحاد العربي للصم قبل ست سنوات، وأقر «القاموس الموحد» للغة الإشارات حتى يصبح للصم لغة إشارات واحدة (تزيد عن 3500 إشارة) ما عدا أبجدية الأصابع المعروفة، وهي الإشارات المعتمدة عالمياً. صعوبة الإشارات • هل معنى ذلك أن يستطيع أي شخص تعلم وامتهان هذه الحرفة؟ - نعم.. إن امتلك الرغبة في ذلك لكنه عمل شاق جداً، ويحتاج تقنيات حركية خاصة جداً إلى جانب «حفظ قاموس الإشارات» عن ظهر قلب، فضلاً عن تمتع الشخص بقدرات خاصة جداً مثل: قوة الملاحظة ودقتها، وخفة الحركة، والتوافق الذهني العصبي «الحركي»، والمتابعة المستمرة، والاحتكاك المباشر بالصم والبكم، والحرص على تطوير الذات والمهارات، وامتلاك رصيد لغوي جيد. ترجمة الشعر • إذاً.. كيف تترجم الشعر وهو بالطبع ليس كلاماً اعتيادياً مرسلاً؟ - من المؤكد أنها عملية صعبة وشاقة، وتحتاج من المترجم رصيدا لغويا هائلا، وإلماما بالشعر والأدب إلى جانب الدقة والسرعة، فالمترجم كثيراً ما يصادف كلمات ومعايد صعبة أو غير دارجة أو فصحى، وعليه أن يترجم المعنى في أقل من الثانية الواحدة أحياناً حتى يتمكن من المتابعة والاستمرار، وما من شك أن خبرتي وإلمامي بمجال الشعر ساعدني كثيراً لكوني شاعرا في الأصل، فأغلب المعاني والصور الشعرية والكلمات المستخدمة لها أكثر من مرادف في لغة الإشارة، والمترجم إن لم يكن لديه إلمام بها لن يستطيع الاستمرار. • كيف تنجح في نقل وترجمة المشاعر والمعاني والصور البلاغية الشعرية؟ - علينا أن نعرف أن كل مجال نوعي له مصطلحاته ومفرداته الخاصة به، والمتفق عليها ويكثر استخدامها عن غيرها، فمترجم المحاضرات الدينية مثلاً لديه مفردات ومصطلحات معينة، ومترجم نشرات الأخبار يعتمد على عدد معين من هذه الاصطلاحات والمترجم الرياضي، أو المعني بالموضوعات الطبية، وغير ذلك ومن ثم في ترجمة الشعر أعتمد على اصطلاحات معينة، لكن يجب الاعتراف بصعوبة الأمر. الإحساس الشعري • هل تستطيع أن تنقل إحساسك الشعري والجمالي للمتلقي؟ - إن الوصول إلى الإحساس الشعري ووصف الصور البلاغية بكل دقة صعب، ونسبي، لاعتماد الشاعر على الوزن والكافية والإيقاع «الرتم» الموسيقي، لكن كل قصيدة وكل بيت شعري يتضمن فكرة ويحمل هدفاً أو أهدافا معينة فيمكن نقل الفكرة والأهداف للمتلقي بسهولة متى ما كان المترجم متمكناً ويجيد ترويض أدواته في التعبير بلغة إشارة سهلة وواضحة وسريعة. تمييز الشعر • هل يستطيع الأصم أن يميز أو يفهم ما يترجم له على أنه شعراً عن غيره مما ينقل له من كلمات؟ - بكل تأكيد.. الأصم عادة ذكي جداً ولمّاح، وهو يستطيع أن يدرك أن ما ينقل له شيء مختلف عن الجملة الخبرية العادية.. ويدرك أنها قصيدة، ويستوعب المعنى من خلال اللغة التعبيرية الخاصة للمترجم. • ألم تصادفك مشاكل أو متاعب معينة «مطبات» خلال ترجمتك لـ»شاعر المليون» أو «أمير الشعراء»؟ - ليست مشاكل، وإنما هناك صعوبات أحياناً تتمثل في اعتماد بعض الشعراء في بعض القصائد على مفردات لغوية موغلة في القدم، أو مفردات محلية جداً وغير دارجة أو قديمة لا تنتشر بين الناس الآن، أو اصطلاحات لأشياء أو أدوات أو كلمات لا تستخدم الآن إلا في بيئة معينة أو نادرة الاستخدام عندها اضطر إلى استنباط المعنى من السياق العام، وأترجمها بلغة مفهومة وبالطبع واجهت كثيراً من هذه «المطبات» خلال برنامجي «أمير الشعراء» و»شاعر المليون». بحور الشعر •هل تعتقد أن الصور البلاغية واختلاف بحور الشعر تصعب مهمة المترجم؟ - نعم.. لكنني أحاول أن أترجم الصور البلاغية قدر استطاعتي، فمن الصعوبة بل ومن الاستحالة ترجمة ما يقال بدقة تصل إلى مائة في المائة حتى على مستوى الكلام العادي، فماذا يكون عليه الأمر بالنسبة للشعر، «فما لا يدرك كله.. لا يترك كله». فاختلاف بحور الشعر يستلزم أن أتعرض في البداية لنوع بحر الشعر الذي يعتمد عليه الشاعر، وأحاول أن أقرب الجرس الموسيقي للمتلقي، وهو أمر شاق جداً بالنسبة للمترجم والأصم، فأحياناً لا يهم أن يعرف نوع البحر، لكنني أركز فقط في هذه الحالة على المعاني والأفكار والرسالة الموجودة في القصيدة «المضمون». الطريق إلى «شاعر المليون» • كيف كان طريقك إلى برنامجي «شاعر المليون» و«أمير الشعراء»، وكيف تولدت فكرة ترجمة الشعر إلى عالم الصم والبكم؟ - في البداية كانت من خلال مشاركتي كشاعر ضمن برنامج «شاعر المليون» حيث شاركت بقصيدة «السكوت أبلغ» وترجمتها بلغة الإشارة وقدمتها كمتسابق في مدينة الدمام بالمنطقة الشرقية. وحظيت بردود أفعال هائلة من قبل اللجنة، ومن الجمهور ومن الصم والبكم أنفسهم، وتم اختياري للمشاركة ضمن طاقم العمل كمترجم للبرنامج ضمن الاهتمامات الإنسانية والحضارية لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي أولت الأمر اهتماماً استثنائياً في بادرة إنسانية راقية تترجم توجهاتها الثقافية إلى هذه الفئة الكبيرة من الناس، فإذا كان البرنامجان يحظيان بمتابعة أعداد هائلة من الجماهير العربية بشكل غير مسبوق، فإنهما نجحا في استقطاب أكثر من 250 ألف أصم في المملكة العربية السعودية وحدها، فضلاً عن الآلاف الموجودين في كافة الأقطار العربية الأخرى ولا سيما في منطقة الخليج العربي، وهي التفاتة حضارية وإنسانية غير مسبوقة. • هل معنى ذلك يستطيع أي أصم أن يستوعب ترجمة الشعر، أم أن الأمر يتعلق بنوعية الصم؟ - استفادة الأصم من ترجمة الشعر يلزمها إلماما مسبقا بلغة قاموس الإشارات فضلاً عن أبجديات الأصابع، لأنهما حلقة الوصل الوحيدة واختلاف درجة أو نوع الصم لا يؤثر بقدر ما يتصف به الأصم من وعي وثقافة وإلمام ورغبة وشغف تطوير ذاته. فلغة الإشارة لغة وصفية للمعاني والأفعال، أما «أبجدية الأصابع» فيعتمد عليها في ترجمة الأسماء وحروف الجر فقط، واستيعاب الترجمة يتوقف على إلمام الأصم بالتوعية معاً. هل يوجد شاعر أصم؟ • نعم.. لكنهم ندرة.. ولي صديق أصم يحمل درجة الماجستير في علم الاجتماع يعمل في منصب إداري رفيع بوزارة المالية السعودية، ويكتب الشعر، وهو قارئ جيد وعلى درجة عالية من الثقافة.. وربما ما ساعده على ذلك أنه أصيب بهذه الإعاقة في مرحلة متأخرة خلال عمر المراهقة تقريباً. •هل لمست تجاوباً من جمهور الصم حول ترجمة «شاعر المليون» أو «أمير الشعراء»؟ - نعم.. كثيراً ما ألتقي بهم وخلال جولة برنامج «شاعر المليون» في عامه الثالث التقيت بأعداد كبيرة وأعربوا عن تقديرهم وتثمينهم لهذا الجهد، وأثنوا على دور ودعم هيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي كانت سبّاقة نحو الالتفات إليهم، وتأكدت أنهم متابعون جيدون للبرنامجين، وكثيراً ما يتم التواصل والاتصال بيننا عبر المكالمات الهاتفية بواسطة خدمة «مكالمة الفيديو» بالموبايل، أو الرسائل النصية التي تحمل آراءهم وانطباعاتهم، وكثيراً ما حملوني مسؤولية نقل تحياتهم وشكرهم وتقديرهم للهيئة وللقائمين على البرنامجين على هذا الجهد، وعلى هذه المبادرة الجريئة والشجاعة التي تحمل مضامين إنسانية وحضارية راقية للغاية. أمانة كبيرة • كيف تقيم تجربة الترجمة خلال الموسم الثالث لشاعر المليون؟ - التجربة عمل غير مسبوق.. والمستفيدون وهم قطاع عريض على امتداد العالم العربي وحدهم الذين يحق لهم تقييم التجربة ونجاحها ومدى استفادتهم منها.. لكنني أشرت إلى انطباعاتهم وكما أن مهنة الترجمة بلغة الإشارات للصم أمانة كبيرة ومسؤولية يتحملها المترجم، فإنني أحمل بأمانة امتنانهم وتقديرهم لحكومة أبوظبي، وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، والمسؤولين عن البرنامجين وكافة العاملين بهما. وتجربة الموسمين الماضيين تؤكد مدى نجاح وتواصل هذا الجهد مع هذه الفئة من الناس، وكانوا في أمس الحاجة إلى مثل هذه الخدمة الإنسانية المتميزة. • تتولى الترجمة للصم في أقسام الشرطة وأمام المحاكم.. ألم تتأثر وتنحاز عاطفياً الى جانبهم خلال عملية الترجمة؟ - الترجمة أمانة كبيرة، والحياد هنا حتمي ولا يقبل سوى أمانة الترجمة، لكن يجب العلم بأن ثقافة الأصم دائماً ناقصة لضعف تواصله مع العالم من حوله، فعادة تجده يجهل حقوقه أو واجباته أو ماذا يجب عليه أن يفعل، أو لا يدرك العقوبة المحتملة ويجهل بها، ومن ثم لا يدرك كثيراً من أبعاد مشكلته، وكثيراً ما أتعاطف معه لكن دون تحريف لما يقول، وكثيراً ما يتعاطف معه الأشخاص المعنيون عندما يستوعبون ظروفه وحقيقته ومعاناته، وكثيراً ما يتسامحون إن كان بإمكانهم ذلك دون مساس بحقوق الآخرين
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©