الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان خلف الأبواب السبعة لـ«مدينة الورود» في الجزائر

رمضان خلف الأبواب السبعة لـ«مدينة الورود» في الجزائر
14 يونيو 2016 13:24
مختار بوروينة (الجزائر) يستعيد المجتمع «البليدي» بكافة شرائحه عشية رمضان، وخلاله، عادات وتقاليد متنوعة تعكس موروث مدينة الورود المحصنة بأبوابها السبعة العتيقة، وتبرز مدى حفاظ أهلها على تراث أجدادهم في استقبال شهر الرحمة والغفران للظفر بفرصة للعتق من النار، وأخرى لإعادة العلاقات الاجتماعية إلى سابق عهدها. ومن الممارسات المرتبطة بروحانية المناسبة وقيمتها الاجتماعية «الشعبانية» (نسبة لشهر شعبان)، التي تميز طريقة استقبال شهر الصيام في منطقة البليدة، وتتشبث العائلات بها للإبقاء على صلة الرحم عبر تنظيم علاقات التلاقي والاجتماع بين أفراد الأسرة في البيت الكبير للوالدين. ومن أهم مظاهر «الشعبانية»، التي تحدثت عنها الناشطة الاجتماعية فاطمة الزهراء مشهد «فسحة العرائس»، حيث تقوم البنات المتزوجات حديثاً بزيارة ذويهن وقضاء فترة تتراوح بين 3 إلى 7 أيام في حضن العائلة، لأنها لن تتمكن من زيارتهم خلال شهر رمضان، فهي تلزم بيتها الجديد للقيام بالأشغال المرتبطة بشهر الصيام وعدم السماح لأهلها بالزيارة أثناءه. وأضافت أن التحولات في المجتمع بحكم التطور والانفتاح لم تتمكن من محو «فسحة العرائس» كونها ترتبط بمفهوم العائلة الكبيرة، وتخطط الأخوات وبنات الأعمام لهذا الموعد مسبقاً من أجل الالتقاء في التوقيت نفسه، وعدم تفويت فرصة الاجتماع سوية ما يمكنهن من استرجاع ذكريات أيام الطفولة في «لبليدة الوريدة» أو البليدة مدينة الورود، التي قام أهلها أياماً قبل رمضان الحالي بغرس ما لا يقل عن 140 ألف شجيرة ووردة، حباً منهم برؤية مدينتهم مزينة بألوان الزهور والحدائق الغناء، كما كانت عليه أيام فترة مؤسسها اسيد أحمد الكبير سنة 1519، فقد كانت شبيهة بمدن الأندلس الزاهرة، إلى جانب الاهتمام ببعض البنايات القديمة بالأحياء الشاهدة على الطابع العربي الأندلسي المميز بالزخارف الجميلة للأقواس والنمط الهندسي الرائع الذي يزين بعض مداخل حماماتها ومساجدها التي تكتظ بالمصلين في التراويح. ومن طقوس «الشعبانية»، وفق فاطمة، تخضيب يدي ورجلي الفتاة القادمة إلى بيت ذويها بالحناء، وتخصيص سهرات عائلية على وقع أكلات تقليدية على غرار «الرشتة» و«الكسكسي» وصولاً إلى قعدة الشاي بـ «المقروط المعسل»، مثلما تستفيد الفتاة التي تزور أهلها من «حمام الهنا» كما يتعارف على تسميته باللهجة البليدية، ولا يمكن للفتاة المتزوجة حديثاً العودة إلى منزل زوجها في رمضان من دون أن تكون قد توجهت نحو الحمام مع شقيقاتها، أو من دون كسوة جديدة تحرص الأم على أن تحضرها لها عند العودة إلى عش الزوجية وهي في أبهى حلة، ومعها أيضاً أجود أنواع الحلوى وأشهاها تأخذها إلى عائلة الزوج. وتثير أجواء «الشعبانية» طقوساً أخرى على صلة باستقبال رمضان عبر التوجه إلى الأسواق المعروفة بالمنطقة لانتقاء أجود التوابل التي تستعمل في طهو الأطباق، فمع حلول أول أيام رمضان، يتفنن الرجال - على غرار النساء - في الطبخ خلال الشهر، حيث تنمو روح غريبة للتنافس بين الجميع لإبراز مواهب الطبخ وأسرار إتقان الأكلات القديمة المعروفة في المنطقة أبرزها «صبيعات العروسة»، والذي يعتبر طبق «شباح الصفرة»، ولا تغيب «شربة المقطفة» المصنوعة يدويا برفقة الطماطم المصبرة بطريقة تقليدية حيث تعد الطبق الرئيس للموائد مرفوقة بـ «البوراك» وطبق «اللحم الحلو»، الذي تشترك فيه عديد من مناطق الجزائر. ولا يحلو لعدد كبير من العائلات البليدية تناول الأكلات إلا إذا كانت مطبوخة داخل القدر المصنوع من الفخار وتحريكها بملعقة من خشب، مؤكدين أن ذلك يعطي لهذا الطبق حلاوة وطعماً رائعاً، ويحافظ على المذاق الأصلي للأطباق الرمضانية، مثلما تحرص بعض العائلات البليدية على تناول السلطة وطبق الشوربة في صحون من الفخار وسلال مخصصة للخبز مصنوعة من نبات الحلفاء. وتحتفي العائلة البليدية بأول يوم يصوم فيه أبناؤها بتقليد مميز يرسخ فريضة الصيام في روح وفكر الأطفال بطريقة سلسة ومقدسة لهذه الشعيرة، وتشجيعاً للصائم الصغير تقام وجبة خاصة واحتفالية عائلية تقدم فيها الهدايا، ويتم إلباس أطفالها الجديد ومنها ألبسة تقليدية، إلى جانب ذر حبات الحلوى فوق رؤوسهم وإعطائهم عصير «الشاربات» شريطة أن يكون داخل الكأس خاتم من الفضة. سر الحلويات تتزين المائدة بألذ الحلويات، وأشهرها «زلابية بوفاريك»، خاصة المصنوعة بمدينة البرتقال، وهي إحدى دوائر مدينة البليدة التي يقصدها الناس من كل مكان لشرائها، بالنظر لتفنن أصحابها في صنعها، وهم من العائلات الثلاث العريقة التي ترفض الكشف عن سر المهنة منذ 125 سنة، الشيء نفسه بالنسبة لقلب اللوز والقطايف اللذين لا يمكن أن يغيبا عن مائدة البليديين. مشروب تقليدي لا يمكن الحديث عن رمضان بمدينة البليدة من دون الإشارة إلى أشهر المشروبات، وأقدمها «الشاربات»، التي تقدم مع كل الوجبات وحتى مع الحلويات، لاسيما للمصابين بالتخمة أو القلق. ويصنع بمزيج طبيعي لمكونات فاتحة للشهية وأخرى ملطفة، كالليمون وأزهار الياسمين والحليب مع المياه الباردة ويحلى بالسكر، إلا أنه وفي الوقت الراهن خرج المشروب من التقليد المنزلي ليصنع في معامل غذائية ويوزع على مناطق كثيرة من الجزائر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©