الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حقوق الإنسان في المكسيك... ومستقبل «مبادرة ميريدا»

حقوق الإنسان في المكسيك... ومستقبل «مبادرة ميريدا»
9 أغسطس 2009 01:17
عندما يذهب الرئيس أوباما إلى مدينة جوادالخارا المكسيكية اليوم من أجل المشاركة في قمة رؤساء أميركا الشمالية، فإنه سيشيد من دون شك بالشجاعة التي أبان عنها الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون في الحرب التي يشنها على المخدرات. والحق أن الإشادة مستحقة؛ لأن «كالديرون» جعل من مواجهة تجار المخدرات المحورَ الرئيسي لإدارته وأعلن حرباً بلا هوادة على الجريمة المنظمة بشهادة الجميع. ولكن قبل أن يأخذ الحماس أوباما ويربت على ظهر «كالديرون» مهنئاً إياه على نجاح مهمته، من المهم أن يستحضر الرئيس الأميركي كلفة وعواقب الحملة التي يقوم بها نظيره المكسيكي. فانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الجيش والشرطة في إطار هذه الجهود تعرف ارتفاعاً لافتاً في المكسيك اليوم، ولكن معاقبة مرتكبيها مازال أمراً بعيد التحقق. وبالتالي، فإذا كان على أوباما أن يقر بالجهود التي يبذلها «كالديرون»، فإن عليه أيضاً أن يشدد على أن محاربة الجريمة لا يمكن أن تتم عن طريق خرق القانون، وعلى أن الجيش أيضاً ينبغي أن يخضع للبحث والمحاسبة اللذين يرفضهما حتى الآن. اليوم، يقوم أكثر من 45000 جندي بتأمين طرق المدن المكسيكية الرئيسية والمناطق المنتجة للمخدرات في إطار استراتيجية، تروم مواجهة تجار المخدرات، وبعض أعمال العنف التي يتسببون فيها. وفي هذا الإطار، تم اعتقال العديد من زعماء العصابات ومصادرة الكثير من شحنات المخدرات وسجن العديد من المهربين. ولكن العنف مازال مستمراً في وقت باتت فيه العواقب غير المقصودة لجهود «كالديرون» واضحة على نحو مؤلم، حيث ارتفع عدد قضايا انتهاكات حقوق الإنسان المعروضة على أنظار لجنة حقوق الإنسان المكسيكية بـ600 في المئة خلال العامين الأخيرين. فتحولت الحرب على المخدرات إلى حرب على السكان المدنيين التي لا يمكن وصفها فقط بالخسائر الجانبية. صحيح أن الجيش المكسيك يعتقل زعماء العصابات، ولكنه يقوم أيضاً بالاغتصاب وانتزاع الاعترافات عبر التعذيب واعتقال الناس بشكل تعسفي. والحال أن الجرائم تولد جرائم أخرى. وعلى هذه الخلفية، فإن السيناتور الأميركي «باتريك لي» (الديمقراطي عن فيرمونت)، كان محقاً هذا الأسبوع حين وصف مسودة تقرير لوزارة الخارجية الأميركية، تزعم فيه بأن المكسيك وفت بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان في إطار ما يعرف بـ»مبادرة ميريدا»، بـ«السابقة لأوانه». كما أنه محق حين ذكّر المسؤولين على جانبي الحدود بأنه مقابل الـ1.4 مليار دولار من المساعدات التي تمنحها الولايات المتحدة للمكسيك في إطار مبادرة «ميريدا»، فإن حكومة «كالديرون» أعطت وعوداً لم تفِ به، وفي مقدمتها قدر أكبر من الشفافية المحاسبة، وضرورة محاكمة المسؤولين العسكريين من قبل محاكم مدنية. بيد أن «كالديرون» يقاوم مراراً وتكراراً هذه المطالب، متبنياً موقفاً متناقضاً بشكل متزايد، حيث يقف ويده ممدودة يطلب من الولايات المتحدة الدعم ومشاركةً أكبر في الحرب على المخدرات، ولكنه في الوقت نفسه يدافع بعناد عن استثناء العسكريين من المثول أمام محاكم مدنية، ويندد بالتدخل الأميركي في الشؤون الداخلية للمكسيك، ويحشد الطبقة السياسية المكسيكية تحت لواء المشاعر المناوئة للولايات المتحدة. بعبارة أخرى، إن كالديرون يريد كل شيء من دون أن يقدم شيئاً بالمقابل، فهو يريد طائرات الهليوكبتر والمساعدة العسكرية والأموال التي توفرها مبادرة «ميريدا» من دون الوفاء بالتزامات حقوق الإنسان التي تتضمنها. وعليه، فإذا لم تشدد إدارة أوباما على ضرورة استيفاء هذه الشروط، فإن مبادرة «ميريدا» ستكون في هذه الحالة مسؤولة عن تمويل الإفلات من العقاب، وستزيد أجواء الخوف التي يسعى التعاون الثنائي إلى تبديدها. كما ستسمح للجيش المكسيكي وقوات الشرطة بالاستمرار في القيام بما تقوم به اليوم: اعتقال الناس بشكل تعسفي، وقتل المارة الأبرياء في نقاط التفتيش، وتهديد واستغلال المتهمين المفترضين، وتجاهل الإجراءات القانونية أثناء القيام باعتقالات من دون محاسبة ومعاقبة؛ لأن «كالديرون» يرى أن الغاية تبرر الوسيلة، وهو الذي قال مؤخراً في حوار صحفي: «إن أسوء انتهاكات حقوق الإنسان هي تلك التي يرتكبها تجار المخدرات». غير أن موقف «كالديرون» للأسف يقوض القضية التي يتبناها ويدافع عنها؛ لأن التجاوزات العسكرية التي تمر من دون محاسبة أو معاقبة تُضعف الدعم الشعبي للحرب على المخدرات وتزيد من صعوبة بناء وتعزيز حكم القانون. وبالتالي، فإلى أن تحقق المكسيك تقدماً حقيقياً على صعيد حقوق الإنسان، فإن على الكونجرس الأميركي أن يرفض تمويل مبادرة «ميريدا» في المستقبل. ذلك أنه ما لم يوافق «كالديرون» على وضع المسؤولين العسكريين الذين ينتهكون حقوق لإنسان تحت اختصاص المحاكم المدنية، فإن الدعم الأميركي لن يؤدي إلا إلى إدامة الوضع القائم حالياً. وتأسيساً على ما تقدم، فإنه يتعين على أوباما حين يلتقي بـ«كالديرون»، وقبل أن ينهال عليه بالمدح والإطراء، أن يذكّره بالانتهاكات التي نقلتها مصادر حقوق الإنسان، مثل النساء اللاتي اغتصبهن جنود في تشيواوا، والعائلة التي قُتلت في إحدى نقاط التفتيش في 2007 في سينيالوا، والأشخاص الثلاثين تقريباً الذين اعتُقلوا من دون مذكرة بإحدى الكنائس في «ميتشوكان» خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي. إن كل هؤلاء هم ضحايا جرائم لم يعاقَب مرتكبوها؛ ولذلك، فإن العديد من المكسيكيين يأملون أن يتعامل أوباما مع مضيفه بالصرامة المطلوبة ويحمل معه عصا غليظة حين يأتي إلى جواد الخارا من أجل القمة. دنيس دريسر محلل سياسي مكسيكي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©