الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إندونيسيا والتعددية الحرجة

9 أغسطس 2009 01:17
اعتاد المسلمون في إندونيسيا منذ فترة طويلة على التنوع الديني. إلا أن هذا التنوع لا يُقبَل به إلا كحقيقة وليس كمبدأ إرشادي. ولسوء الحظ أن مستقبل التعددية في إندونيسيا مازالت تقرره المفاوضات السياسية بين النخب الدينية والنخب الحاكمة، ولا يتأسس على المبادئ التي يعترف بها جميع أتباع الديانات. ونتيجة لذلك، يقف التسامح الديني في إندونيسيا على أرض هشة. ولا ينعكس التنوع في إندونيسيا، كدولة توجد على أكثر من 17 ألف جزيرة، في مواردها الطبيعية فقط، وإنما كذلك في أعراقها ولغاتها وأديان شعبها. وكانت للسكان المحليين قبل وصول الإسلام والمسيحية والبوذية وغيرها من الأديان نظم معتقدات خاصة بهم، مازالت تُمارَس في العديد من المجتمعات المحلية اليوم. ولذا قرر الآباء المؤسسون الإندونيسيون عام 1945، حتى تتسنى لهم إدارة هذا التنوع، اتّباع أساس مشترك يسمى «بانكاسيلا»، يضم المبادئ الأساسية الخمسة وهي التديّن والإنسانية والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وتحكم هذه المبادئ الحياة العامة، ويتم الاعتراف بالدور المهم للدين في الحياة العامة من خلال المبدأ الأول، وهو «الإيمان بإله واحد أعلى». إلا أن هذا المبدأ لا ينص على دين معين على أنه عقيدة الدولة. ويضمن الدستور الإندونيسي، الذي كتب عام 1945 أيضاً، حرية كل مواطن في ممارسة دينه، ويعلن أن «الدولة تضمن لجميع المواطنين حرية العبادة كل حسب دينه أو معتقداته» (المادة 29). إلا أن الدولة في الواقع لا تضمن سوى حرية ممارسة ديانات معينة هي الإسلام والهندوسية والبوذية والبروتستانتية والكاثوليكية ومؤخراً الكونفيشيوسية. ولا يعترف بديانات ونظم معتقدات أخرى كأديان رسمية. ومنذ عام 2006، لم يعد الذين يتبعون ديانات غير معترف بها رسمياً من قبل الدولة مضطرين لإدراج واحدة من الديانات المعترف بها من قبل الدولة على بطاقات هوياتهم، على رغم أنه لا يسمح لهم كذلك بإدراج دياناتهم. وإضافة إلى هذا، وحسب القانون الإندونيسي الجزائي تملك الدولة سلطة التحقيق في أية مجموعات تُتهم بانتهاك التعاليم الدينية ومعاقبة المخالفين. وكان انعدام الانسجام بين مُثُل الدستور وسياسات الحكومة في الماضي يعني أن إدارات ما بعد حقبة سوهارتو لم تكن تملك سياسة واضحة حول معاملة مجموعات كانت تعتبر خارج التيار الرئيس، مثل الأحمدية، أو تجمّع «ليا إيدن»، وهي طائفة صغيرة تجمع عناصر من الإسلام والمسيحية. ومنذ عام 1998، أصبحت هذه المجموعات أكثر ظهوراً. ورأت العديد من المجموعات الدينية في التيار الرئيس في ظهور هذه المجموعات تهديداً. ففي يونيو 2008 على سبيل المثال، قامت مجموعة متطرفة بهجمات على مجتمعات إندونيسية محلية تعتنق الأحمدية. ورداً على هذه الأزمة، قامت الحكومة بإصدار مرسوم وزاري مشترك من وزارة الشؤون الدينية ومكتب المدعي العام ووزارة الشؤون الداخلية، تمنع فيه أتباع الأحمدية من نشر تعاليمهم بهدف «الحفاظ على التناغم الديني والنظام العام». ومن الأمثلة على غياب سياسة واضحة، إحجام الحكومة عن اتخاذ موقف حول فتوى أصدرها مجلس العلماء الإندونيسي عام 2005 يمنع فيها المسلمين من «اتباع أفكار التعددية والليبرالية والعلمانية». ولا يُسمح بموجب هذا المرسوم للمسلمين الاعتراف بحقيقة وجود الديانات الأخرى، الأمر الذي يناقض بوضوح مبادئ التنوع التي تشكل أسس إندونيسيا كدولة. وتُظهر هذه الأمثلة أن إدارة التعددية في إندونيسيا، ارتكازاً على مصالح الحفاظ على التناغم الاجتماعي، ضحّت أحياناً بالحرية الدينية والحقوق المدنية. ولن يتحقق التناغم الاجتماعي الحقيقي من خلال إسكات التنوع، ولا يمكن تحقيقه إلا عندما يتم الحفاظ على حقوق كل مواطن وكل مجموعة بعيداً عن التمييز الديني. وحتى يتسنى حدوث ذلك، يتعين على الدولة أن تكون غير منحازة دينياً. عرفان أبوبكر منسق برامج في مجال حل النزاع ودراسات السلام في جاكرتا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©