المطروشي: أوثق العملات التي يتداولها الإماراتيون منذ 100 عام

انغرس في دواخله حب الأشياء القديمة التي تشكل له مبعثا للحنين والاكتشاف، فمنذ 20 عاما يخصص المقدم عبدالله ثاني راشد المطروشي أوقات فراغه للبحث والتنقيب عن كل ما هو قديم ونادر ليحكي تاريخ دولة الإمارات الأصيل، ويروي للأحفاد من خلالها مسيرة العز والفخر التي سطرها الأجداد بمثابرتهم واعتزازهم بهذه الأرض الطيبة. ودفعه إيمانه بضرورة تقديم صورة شاملة لحكاية هذه المسيرة المكللة بالنجاح والزهو لأن يتعدد في مجالات بحثه وتنقيبه، كجمع العملات التي تم تداولها في الدولة منذ مائة عام، والصحف والمجلات، خصوصا أعدادها الأولى، وكذلك الدوريات الأجنبية القديمة التي تتحدث عن حياة الأجداد، بالإضافة إلى اقتنائه مجموعة كبيرة من الشعارات والرموز والأوسمة التي تحكي هي الأخرى صفحة مشرقة من تاريخ الدولة. ورغم أن المطروشي أنفق من جيبه الخاص منذ بدء رحلته مع عالم الموروثات مليوني درهم، الأمر الذي سبب إزعاجا لزوجته، كونه كان في كثير من الأحيان ينفق كامل راتبه لشراء قطعة نادرة، إلا أن ذلك لم يزعزع إيمانه بالاهتمام بتراث بلاده والمحافظة عليه بشكل مباشر في تأصيل الهوية الإماراتية لوطنية وتسليط الضوء على مساحات منيرة من حياة الإماراتيين الماضية بشقيها الرسمي والخاص. العدد الأول من «الاتحاد» التقيناه في بيته الذي بدا للوهلة الأولى عبارة عن نموذج مصغر لمتحف يحوي كل ما هو أصيل ونادر، وفي البدء طالعنا ونحن نقف في جناح الصحف والمجلات الإماراتية الصادرة منذ عشرات السنوات، بنسخة أصلية للعدد الأول من جريدة «الاتحاد» الذي صدر في العام 1969، أي قبل عامين من قيام دولة الاتحاد، فيقول وهو يشير إلى العنوان الرئيسي «رواد الاتحاد» الذي تصدر أعلى الصفحة الأولى بلونه الأحمر القاني، إن صدور الاتحاد ارتبط بقيام دولة اتحاد الإمارات العربية، خصوصا انه جاء متزامنا مع الخطوات التمهيدية لقيام دولة الاتحاد، ويضيف وهو يقلب الصفحات الـ 12 بحجم التابلويد المكون منها العدد الأول ..» كما ترى فإن العدد الأول من الاتحاد تم تكريسه لتغطية تلك المناسبة الوطنية خبرا وتعليقا وتحليلا، ليعكس بذلك حماس مؤسسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لقيام دولة الاتحاد. بعدها يلتقط المطروشي نسخة أصلية من العدد الثاني لـ «مجلة زهرة الخليج» الصادر في أبريل عام 1979 ويقول إنه ابتاعه من أحد المعارض في أبوظبي بعشرين درهما، فيما يغطي مجلد السجل الذهبي لإمارة دبي الصادر في العام 1971 بالصورة والكلمة حفل تدشين مطار دبي الجديد وانعقاد الجمعية العمومية الرابعة عشرة لرابطة مكاتب السياحة والسفر العربية، فارداً مساحات واسعة لتقديم معلومات وافية عن دوائر حكومة دبي وإنجازاتها. كما يتضمن هدية داخل العدد هي عبارة عن شجرة عائلة آل مكتوم. وكذلك يطلعنا على دليل الهاتف لإمارتي دبي والشارقة باللغتين العربية والانجليزية والصادر عام 1964، ولعل ما يلفت في هذا الدليل هو أن أرقام الهواتف في ذلك الوقت كانت مكونة من أربع خانات إلى جانب احتوائه على عدد كبير من إعلانات البنوك وشركات المقاولات ومكاتب السياحة والسفر، لننتقل بعدها إلى تقليب صفحات مجلة «أخبار دبي» التي تعد اللبنة الأساسية التي قامت عليها الزميلة «البيان» دوريات أجنبية من بين الأشياء النادرة التي طالعناها في مكتبة المطروشي، دوريات باللغة الانجليزية تتحدث عن إمارة رأس الخيمة، فيما تتحدث دوريات «ناشيونال جغرافكم» الصادرة في العام 1956 عن حياة الإماراتيين في تلك الحقبة الزمنية مسلطة الضوء على ما عرف آنذاك بـ»سنة الجراد» وذلك حينما غزا الجراد مدن الدولة الساحلية، وكذلك تقدم هذه الدوريات شرحا لطرق حفر آبار المياه في منطقة «ليوا» التي كان ينفذها الإماراتيون، وكذلك تحقيقا عن صناعة القوارب الصغيرة التي كانت مخصصة للعب الأطفال وصناعة تجفيف سمك السردين، واحتفالات الإماراتيين بعيد المولد النبوي الشريف، بالإضافة إلى تحقيق مصور عن معتقدات الإماراتيين القديمة مثل علاج المصاب بالرمض عن طريق تكحيل عينه بذيل الأفعى. عملات عمرها قرن ولا تتوقف مقتنيات المطروشي عند هذا الحد فهو يعد جامعا بارزا للعملات التي تم تداولها في الدولة منذ مائة عام، فيقول إن عشقه لتاريخ الإمارات جعله لا يترك مكانا في العالم إلا وبحث فيه عن العملة التي تداولها الأجداد منذ قرن، فهو سنويا يسافر للمشاركة في معارض العملات القديمة بحثا عن غايته، ويشعر أن حصيلته من هذه العملات بمثابة عائلته الثانية التي لا يستطيع الاستغناء عنها، فقد صنع لكل منها ملفا يضم كل تاريخها والمعلومات الخاصة بها. ويعترف بأن هواية جمع العملات ساعدته على التأمل كثيرا في حياته واكتشاف أمور كان من الصعب عليه أن يعرفها وإن كان يسمع الكثير عنها من آبائه وأجداده. ويقول إن العملات ليست فقط مجرد قطع نقدية أو ورقية يتبادل الناس من خلالها البضائع والأشياء، بل هي مرآة تعكس عبق الأجداد وملامح حياتهم كما تصور رحلتهم مع المكان والزمان، وتحكي تاريخا طويلا لا سيما أنه من المسلم به استقراء تاريخ أمة ما من الكتابات والرموز والصور المنقوشة على العملة النقدية التي تداولتها الأمة عبر السنين فالعملة الرسمية لدولة تشكل وثيقة تاريخية تحدد معالم ظروفها السياسية والاجتماعية. جورج الخامس يؤكد المطروشي أنه بات متخصصا في جمع العملة الإماراتية وبعض العملات الخليجية خصوصا التي تم تداولها في الحقب الماضية داخل الدولة، وتضم جعبته عملات إماراتية نادرة مثل فئة الألف درهم التي تحمل الرقم 6 والتي كان اشتراها بعشرين ألف درهم، وعملة من فئة الـ 100 درهم التي لم تطرح للتداول، كما لديه عملات ورقية قدمت كمشروع ولم تعتمد من قبل مجلس النقد انذاك، وتتعدد مقتنيات المطروشي من العملات النادرة فلديه ورقة مالية من فئة 100 درهم طباعة عام 1973 وكان اشتراها من أميركا بخمسة آلاف درهم، ونموذج لـ 500 درهم موافق عليه من مجلس النقد، وكذلك 100، و10، و5 ريالات من عملة قطر ودبي الصادرة في العام 1966 والتي كان يتم تداولها في قطر ودبي والإمارات الشمالية، إضافة إلى جميع فئات الريال السعودي الذي تداوله الإماراتيون لمدة أربعة أشهر فقط والدينار البحريني الذي كانت إمارة أبوظبي تتداوله والروبية الهندية التي كانت تحمل صورة الملك جورج الخامس ومخصصة للتداول في الدول الخليجية وتحمل الحرف «ز». بالإضافة إلى الروبيات الهندية التي كان يتم تداولها في الدول الخليجية ما قبل الاستقلال الهندي وما بعده. معرض لمقتنياته ويمتلك المطروشي أكثر من 1000 شعار وأوسمة ورموز تسجل صفحة مشرقة من تاريخ الدولة، فهو يملك شعارات قوة ساحل عمان وشرطة أبوظبي وقوة دفاع دبي والحرس الأميري أم القيوين وشرطة الشارقة وشرطة رأس الخيمة وشعار قوة الاتحاد. بعد استعراض هذه المقتنيات الثمينة كان لا بد من معرفة المصير الذي ستؤول إليه فيقول المطروشي إن خططه المستقبلية تقوم على إعداد كتاب عن تاريخ العملات في دولة الإمارات وإقامة معرض لكافة مقتنياته مبينا أنه يلقى كل التشجيع من شرطة دبي لهذا الغرض ويطمح كذلك لأن يكون مرجعا للعملات في الإمارات ويأمل أن يقوم المصرف المركزي بالتوثيق للعملات التي تم تداولها في الدولة منذ 100 عام