الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«حبكة البينالي» تقدم افتتان التشكيلي المعاصر بالأنماط البصرية المتسارعة والمتدفقة

«حبكة البينالي» تقدم افتتان التشكيلي المعاصر بالأنماط البصرية المتسارعة والمتدفقة
17 مارس 2011 23:12
تلخص ثيمة الدورة العاشرة من بينالي الشارقة المقامة خلال الفترة من السادس عشر من الشهر الجاري وحتى السادس عشر من مايو المقبل، افتتان المصور أو التشكيلي المعاصر بالأنماط البصرية المتسارعة والمتدفقة والتي تحمل في ثناياها نسيجا من القضايا المخاطبة لأنساق الراهن من تنويعات ذهنية وتغيرات اجتماعية وأحداث لاهبة. هذا الافتتان المعفى من كل تزيين ومواربة، يتكئ أيضا على إرث لامع من ذاكرة الفن نفسه، الفن الخالص والمتخلص من الشعارات اللحظية و الزائلة، فما يقدمه الفن يذهب باتجاه الديمومة والتراكم والتوسع في فضاء ومختبر بصري يعزل رماده ورواسبه كي يظل متوهجا في أرخبيلات الصوت والصورة والكلمة والأداء الجسدي، أو بمعنى مشابه: في تنويعات السينما والموسيقا والشعر والرقص. “حبكة لبينالي” هو شعار ضاج بالدلالات والخطابات والرموز لحدث يتكرر كل سنتين في متاحف وفضاءات وبيئات ومعالم الشارقة، حدث يقيس الأصداء والهمسات والاهتزازات المرئية في المكان وفي المدينة ليؤبد كل ما هو متبخّر وزائل في قاعة هائلة تتسع لروح بيضاء ترفرف مثل طيور الفردوس، كما تتسع أيضا لجماليات تنهدم وتتقّشر، كي تبزغ مجددا في جسد لامع ينفض غبار الصمت والحرقة والغضب، وكي تشيع مقولتها وسط الكتمان المريع لعالم موبوء ومتناحر ومشوش، ولا يستطيع في كل الأحوال أن يعبر عن أزمته وقلقه وتشاؤمه العميق والمغلق إلا من خلال اللغة الشيّقة واللاذعة للفن. “حبكة لبينالي” وكما تشير مدونات الحدث هي مقاربة تستعير بنية الفيلم السينمائي، لتتقاطع مع إيقاع الحركة التاريخية المستمرة ثقافيا واقتصاديا في قلب الشارقة، ليتكامل بذلك نسيجها البصري واللغوي من مفردات متألقة في جذرها الاشتقاقي، لغة مبتكرة تقترح مرادفات أخرى للمعنى، وهي حبكة تتشكل وسط سيناريو أعدّه القيّمون على البينالي لصياغة رؤيتهم الفنية والإنسانية، سيناريو سوف يحمل في طيّاته أيضا أدوارا يتقاسمها: الخائن والمتعاون والمجرب والمترجم. كل يبتكر دوره الخاص مستعينا بمنظومة من الكلمات مثل: الضرورة، التفاني، الإفساد، الترجمة، التجارة ... الخ، والتي تشكل بمجملها هوى ومناخ ورؤية البينالي في دورته العاشرة. ويترجم هذه الثيمة أو الهوية مجموعة من الفنانين الرواد والمعاصرين والموسيقيين والشعراء والكتاب والمؤدين والسينمائيين من كافة أرجاء العالم، تتوزع أعمالهم على عدة مواقع في مدينة الشارقة مثل: منطقة الفنون، ومنطقة التراث، وسينما الحمرا، وملعب الكريكيت، ومعهد الشارقة المسرحي، والبيوت القديمة التي تم ترميمها في أحياء الشارقة الشهيرة. وهنا رصد مكثف لبعض المعروضات التي احتضنها البينالي والتي ترجمت هواجس الفنان وانشغالاته الفكرية والجمالية من خلال وسائط فنية مدهشة وآسرة تستحق أكثر من وقفة وأكثر من تحليل نظرا للزخم الكبير الذي تميزت به برامج ونشاطات مؤسسة الشارقة للفنون، الجهة المنظمة للبينالي. ففي عمل بعنوان: “دوائر المرأة” للفنانة الإماراتية ابتسام عبدالعزيز تبرز المعالجات البصرية الخاصة لعلاقة المرأة مع هاجس القمع الاجتماعي المتشكل مثل دائرة أو حلقة بيضاء تتداخل فيها المرأة المتلفعة بالسواد وبشكل كامل يوحي بالعزلة والكمون والجرح الداخلي، أما التنويعات الحركية التي قدمتها الفنانة من خلال صور فوتوغرافية متواترة مثل شريط سينمائي، فيبدو أنها تفضح هذا الكتمان، وتجعل من فعل التمرد فعلا مشاكسا وحميميا في ذات الوقت، لأنه يكشف عن حرية مكتنزة وفائرة، حرية تتحقق في انشغالات فردية لأنثى تمارس رقصها وانتشائها حتى في أكثر الأماكن وحشة وانغلاقا. الفنان والنحات الإيراني بهمن موهاسس المقيم في روما منذ العام 1953 قدم للبينالي أعمال كولاج مبهرة رغم السوداوية الخانقة المحيطة بتكوينها الغرائبي، تبحث لوحات بهمن الصغيرة في حجمها والشاسعة في دلالاتها عن مقولة ضارية حول “موت الوحش في الحياة، وحياة الرجل في الموت”، وهي مقولة ترجمها الفنان من خلال كائنات بهيمية وأسماك منقرضة وجدات ملتحفات بـ “الشادور” في غرف قديمة رغم أناقتها، غرف تختصر العالم المبهم والسريالي لكائنات منعزلة، تقف على حافة الزوال والتلاشي، وتتمتع بقتل النوستالجيا في داخلها، وزجّ الأحلام الزاهية في جحيم مكثف من الكوابيس والخيالات المبتورة والذائبة، خيالات مدمرة أيضا ومنزوعة بشكل أكيد من بوادر الرحمة أو التلذذ بالوجود. وفي برنامج (السينما / مقتطفات من الأفلام) يقدم البينالي لجمهوره تشكيلة بصرية متحركة من الأعمال التي توثق لمراحل سينمائية مهمة، تنطلق فيها الذاكرة على هواها، ولكنها تصطدم أيضا بالتبدلات المريعة التي طرأت على السينما نقدا وتعبيرا وتأويلا، وفي هذا السياق تقدم الفنانة المصرية رانيا اسطيفان سلسلة مقتطفة من أفلام النجمة الراحلة سعاد حسني، ويمثل العمل احتفاء وتحية لعصر كان غنيا ومنفتحا في الإنتاج السينمائي المصري، ولفنانة جسدت حضور المرأة العربية المعاصرة في تعدديتها وتناقضاتها من فترة الستينات في القرن الماضي وحتى تسعيناته، لتتحول بذلك إلى أيقونة للفنانة الحالمة المتمردة والمحطمة أيضا في مهجر بعيد لم يستوعب حنينها المشتعل والعارم لزمن لا يمكن تكراره. وفي عمل سينمائي آخر ومن خلال شريط يمتد زمنيا لخمس دقائق مكثفة يقدم الفنان “انطونيو خوزيه جوزمان” كشفا بصريا حول الحداثة والجماليات في أفريقيا السوداء الجديدة، وهو عمل يجسد النضال من اجل لغة بصرية مشتركة بين التقاليد الأفريقية والهولندية بغرض كشف صلات غير متوقعة ما بين التاريخ ما بعد الكولنيالي والرأسمالية المعولمة التي صنعت الهوية السوداء الجديدة، ويتناول الفيلم أيضا الطابع الماورائي للسفر والتوق للحرية والحركة المستمرة والشتات، وتتشكل رسائل الفيلم من خلال قصيدة “ اللغة المشفرة” للفنان الأفريقي ــ الأميركي سول ويليامز، يصف فيها التوترات ما بين جماليات الشتات والأصوات المكدسة في اللاوعي وكذلك الإيقاعات الموروثة لموسيقا الأسلاف.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©