الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النقاب والحجاب في فرنسا... جدل القيم العلمانية

النقاب والحجاب في فرنسا... جدل القيم العلمانية
10 أغسطس 2009 01:23
هنا قريباً من «بليس ليون سوبليه» الساحة الرئيسية في بلدة «فينسيو» العُمالية الواقعة جنوب شرقي مدينة «ليون»، يتسكّع المتسوّقون في محال بيع السلع الغذائية، تحت ظلال إحدى أقدم الكنائس الكاثوليكية في البلدة. وكان ممكناً لهذه الصورة أن تبدو لوحة تقليدية لنمط الحياة الفرنسية المألوف لولا وجود عددٍ كبير من النساء فيها من الكاسيات أجسادهن بالملابس الطويلة حتى كاحلي القدمين، المحجبات الرؤوس في الوقت ذاته. ثم جاءت امرأة أخرى مغطاة بالسواد التام من رأسها حتى أخمص قدميها، ولا يرى منها شيء سوى عينيها عبر فتحة ضيقة في نقابها. فهل هذه بلدة فرنسية تقليدية، أم أنها منطقة ما في قلب دولة إسلامية؟ المجتمع الفرنسي اعتاد منذ وقتٍ بعيد على رؤية النساء المحجبات الكاسيات طويلاً، لكن تكاثر النساء المنقبات المغطيات بالسواد التام في العديد من البلدات والضواحي الفرنسية أثار تساؤلات قلقة بشأن الدور الذي يمكن أن تؤديه فرنسا باعتبارها موطناً لأكبر جالية مسلمة في أوروبا، حيث يقارب عدد مسلميها الستة ملايين نسمة من جملة سكانها البالغ عددهم 64 مليون نسمة. وبسبب اختلاف النقاب بصفة خاصة عن غيره من الملابس الإسلامية المحتشمة الأخرى، جاهر الكثيرون بمخاوفهم على القيم العلمانية الفرنسية، وضمن هذا الإطار أعلن ساركوزي مؤخراً أن النقاب غير مرحب به في بلاده، ولم يستطرد في الحديث عما سيفعله بالنقاب على وجه التحديد، إلا أن لجنةً خاصةً شُكلت في الجمعية التشريعية الفرنسية للنظر حول ما إذا كان سيتم حظر ارتداء النقاب قانونياً أم لا؟ هذه الخطوة والتصريحات الرئاسية السابقة لها، أثارت استياء وغضب الجالية المسلمة، خاصة أن هذه المشاعر ظلت موجودة منذ الحظر القانوني الذي فرض في عام 2004 على ارتداء الفتيات للحجاب في حرم المدارس والجامعات الحكومية. لم يسبق للمنظمات الفرنسية المسلمة أن أعلنت تأييدها رسمياً لارتداء النقاب، إلا أنها أعربت عن شجبها للخطوة التشريعية المرتقبة بحظر ارتدائه واصفة إياها بأنها تشريعات مقيدة تهدف إلى وصم الجالية المسلمة التي تحاول إيجاد مكانة اجتماعية لها في مشهد الحياة الفرنسية. «فلا تطمح غالبيتنا سوى إلى العيش بقيمها الدينية باعتدال وتصالح مع الآخرين». هكذا صرح محمد موسوي، رئيس «المجلس الإسلامي الفرنسي» في حديث له مؤخراً إلى مجلة «لو بوينت». وقال «إن تسمية لجنة برلمانية للنظر في أمر النقاب، يجعل من النقاب أمراً جللاً، خاصة أن مثل هذه اللجان لا تشكل عادة إلا للنظر في المسائل التي تؤثر تأثيراً كبيراً على المجتمع الفرنسي كله». يذكر أن المنظمات المسلمة الرئيسية ظلت تنظر دائماً إلى الحجاب باعتباره أمراً ثانوياً يجب ألا يحمّل أكثر مما يحتمل. غير أن تعليقات معظم الكتاب والمعلقين الصحفيين انصبت على حقوق وحريات النساء في فرنسا. ويعتقد الكثير من هؤلاء أن ارتداء النساء المسلمات للنقاب يُفرض عليهن فرضاً من قبل أزواجهن. على سبيل المثال وافقت المحكمة الفرنسية الإدارية العليا «مجلس الدولة» على قرار حكومي قضى برفض تجنيس مهاجرة مغربية منقبة بدعوى أن مظهرها يتنافى وقيم المجتمع الديمقراطي ومبدأ المساواة الجنسية بين المواطنين. وعلى النطاق الأوسع، فقد بدا للكثيرين أن ارتداء النقاب من قبل المسلمات المهاجرات يشي بنوايا تحدي فكرة إدماج المسلمين في نسيج المجتمع الفرنسي، مع العلم أن هذه الفكرة تمثل المبدأ العام الذي تتعامل به الحكومة الفرنسية مع الجالية المسلمة وغيرها من الجاليات المهاجرة الأخرى. وفي رفض المسلمات المستمر التخلي عن ارتداء الحجاب والنقاب ما يثير غضب الفرنسيين الأصليين من هذه القيم والمظاهر السلوكية الغريبة على مجتمعهم الأوروبي. لكن مشاعر الغضب والنفور هذه سرت إلى أوساط بعض المهاجرين المسلمين أنفسهم، خاصة الذين هاجروا منهم إلى فرنسا منذ عدة عقود، وعملوا بجدٍ للاندماج في نسيج المجتمع الفرنسي. من هؤلاء قال مصطفى زيماوي -من قدامى المسلمين المهاجرين ويبلغ من العمر 65 عاماً- في وسع هؤلاء النسوة العودة متى ما شئن إلى بلدانهن التي جئن منها إن لم ترق لهن الحال هنا. فهناك يمكنهن ارتداء ما شئن. بيد أن التحرك الأخير ضد النقاب، قاده هذه المرة «أندريه جرين» -العضو البرلماني الذي ظل عمدة لبلدة فينسيو لمدة 24 عاماً وكان يعمل سابقاً عاملاً في مصنع للسيارات. فمن رأيه لا تمثل المشكلة المثارة حول الحجاب سوى رأس جبل الجليد. و»تحت هذا الجبل -على حد رأيه- تكمن مجموعة من المهاجرين الأصوليين الإسلاميين العازمين على فرض قيمهم المتطرفة على المجتمع الفرنسي». جاء ذلك في لقاء أُجري معه مؤخراً في إحدى قاعات اجتماعات الضاحية، حيث لايزال يحتفظ بمكتب خاص به هناك، رغم استقالته من منصب عمدة البلدة منذ عام. وفي اللقاء نفسه، أكد «أندريه جرين» وجود عمل أيديولوجي متكامل ومنظم وراء هذه المظاهر الخارجية السطحية المثيرة لردود الأفعال الاجتماعية عليها. وبتأييد حوالي 90 في المئة من عضوية البرلمان الفرنسي، طالب «جرين» بتعيين اللجنة المكلفة بالنظر في أمر النقاب. وهذا ما أعلن عن تأييده ساركوزي على الفور، ويُتوقع أن تبدأ اللجنة جلسات استماعها خلال الشهر الجاري، على أن تعلن توصياتها بحلول نهاية العام الحالي. يذكر أن «جرين» ظل يعمل طوال حياته السياسية جنباً إلى جنب مع الجالية المسلمة في بلدته. إلا أنه بدأ مراجعة علاقاته هذه منذ عام 2002 حين تم اعتقال اثنين من الشباب الذين عمل معهم في أفغانستان وأرسلا إلى سجن جوانتانامو في شبهة علاقة لهما بالإرهاب. وقبل عامين، لعب «جرين دوراً رئيسياً» في طرد داعية اتهمه «جرين» بالتحريض على كراهية القيم الغربية وغسل أدمغة الشباب في بلدة فينسيو. إدوارد كودي - فرنسا يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©