السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحلم المستحيل

الحلم المستحيل
15 يونيو 2008 01:15
والدي رجل بسيط كان يحقق دخلاً متواضعاً من عمله، توفيت زوجته الأولى فتزوج أمي، ثم توفيت هي الأخرى فتزوج الثالثة، وكانت حصيلة هذه الزيجات تسعة: خمس بنات، وأربعة أولاد، أنا الثاني بينهم· بعد أن توفيت والدتي تذوقت اليتم الحقيقي، فقد كنت متعلقاً بها بشدة لأنها كانت -رحمها الله- إنسانة حنونة وطيبة، زرعت في داخلي الخوف من الله ومحاسبة النفس وردعها عن الشر· كانت تحدثني عن آمالها الكبيرة في أن أكون إنساناً متميزاً تفخر بي وترفع قامتها وهي تردد: هذا الرجل الناجح هو ابني، هذا ما كانت تردده على مسامعي، وكنت أسمعها وابتسم وتمتلئ نفسي بطموح كبير وإصرار على أن أحقق حلمها أن أكون رجلاً مميزاً في هذا العالم· رحلت والدتي وأنا بأمسِّ الحاجة لكلماتها ولحنانها ولوجودها الهام في حياتي، ذلك الرحيل كان صدمتي الأولى في هذه الدنيا التي كنت أعتقدها دار فرح ومرح وسعادة ليس فيها إلا كل الأحلام الجميلة والأمنيات الحلوة· الصدمة الثانية التي تلقيتها في حياتي كانت في إصابة والدي بالشلل النصفي، فكانت المعاناة الكبرى في تقبله لمثل هذا الوضع، وحاجته الماسة إلى عنايتنا واهتمامنا، بالإضافة إلى عدم قدرته على مواصلة عمله، مما جعلنا نمر بظروف مادية صعبة، فاضطررت للعمل قبل أن أنهي دراستي الثانوية· قارب النجاة مع كل الظروف الصعبة التي مررت بها تولد لديّ إصرار وعناد لإكمال الدراسة تحت أي ظروف ومهما كانت الصعوبات، كنت أفكر بوالدتي وحلمها العزيز أن أكون رجلاً ناجحاً، كما أن أسرتي بحاجة لمن يسحبها بقوة من عالم الفقر والحاجة، قررت بدافع من إحساسي الشديد بالمسؤولية أن أكون حبل النجاة لقارب هذه الأسرة الكبيرة التي تحتاج إلى القوة والإصرار لمساعدتها على تخطي الأزمات· اعتمدت على نفسي في الدراسة والمذاكرة، وقدمت لامتحانات المنازل للثانوية العامة فوجدت صعوبة كبيرة بسبب ساعات عملي الطويلة وحاجة والدي الماسة لوجودي إلى جانبه وقضاء احتياجات المنزل، لهذه الأسباب لم أحصل نسبة جيدة تؤهلني للقبول في الجامعة، فكانت هذه الصدمة هي الثالثة في حياتي والتي أدت إلى شعوري بالإحباط لفترة غير قليلة· مرة أخرى عادت لي رغبتي في التحدي والمواصلة، فالحلم الكبير ما زال يملأ قلبي ونفسي، وطيف الوالدة الغالية لا يفارقني، وهو يحثني باستمرار على ترك اليأس والإحباط وإعادة المحاولة مراراً وتكراراً· بعد مراسلات مع عدة جامعات عربية جاءني الرد فكدت أطير من الفرح، وسعدت سعادة كبيرة بهذه الفرصة التي كانت بالنسبة لي كالشمس المضيئة في ظلام اليأس، وقد شجعتني عائلتي خصوصاً والدي وأخي الأكبر الذي وعدني بتحمل مسؤولية الأسرة لأتفرغ أنا لدراستي، فلا يشغلني شيء سوى التفوق والعودة إلى بلدي بعد أن أحصل على الشهادة الجامعية· أثناء فترة الدراسة، كنت أحاول مراسلة بعض الجامعات الأجنبية للحصول على منحة دراسية لعلمي المسبق أن شهادات الدول العربية ليس لها قيمة كبيرة لدينا، ولكنني لم أوفق في ذلك، المهم أكملت الدراسة في ظروف قاهرة وصعبة، وعدت لبلدي وأنا أطمح بالوظيفة التي ستحقق لي كل أمنياتي· مواجهة صعبة قدمت أوراقي هنا وهناك وانتظرت انتظاراً طويلاً بلا جدوى، ففكرت بالحصول على منحة لدراسة الماجستير علها تشفع لي وتعينني على إيجاد الوظيفة، استخدمت كل وسائل التكنولوجيا والإنترنت لمخاطبة الجامعات الخليجية والدولية ولم أترك مكتباً أو جهة لم أتحدث معها بشأن الدراسة· أخيراً عثرت على بعض المكاتب التي يمكنها مساعدتي في الحصول على قبول دراستي في إحدى الجامعات شرط أن أدفع للمكتب مبلغاً كبيراً لا قدرة لي عليه، لأنني رجل فقير ولا دخل لي يساعدني على دفع الأقساط الباهظة التي تتكلفها الجامعات الخاصة· تحت هذه الظروف أبعدت عن رأسي فكرة الدراسة العليا، وقررت إعادة المحاولة للحصول على وظيفة حتى لو كانت بسيطة، فبدأت رحلة البحث من جديد حتى حصلت أخيراً على وظيفة حكومية براتب محدود· لم أحقق حلم الوالدة بأن أكون رجلاً ناجحاً يشار إليه بالبنان وأصبحت مجرد موظف ''كحيان'' براتب بسيط، مسؤولي المباشر لا يملك شهادة جامعية وهو متسلط عليّ تسلطاً تعسفياً لا رحمة فيه، ظل يتجاهلني ولا يكلفني بأي مهام، ثم يكتب عني تقارير تشوّه سمعتي الوظيفية لدى المسؤولين، المهم أنني وبعد معاناة طويلة جداً اكتشفت كيف تدار الأمور، يجب أن أكون منافقاً محابياً أقدم الولاء والطاعة للمسؤول كي أكسب رضاه فيأمر بترقيتي وإعطائي حقوقي· كرهت هذا الوضع، إنني فكرت بترك العمل، ولكني ترددت في اللحظة الأخيرة لعلمي المسبق بأن الحصول على وظيفة يعد من المستحيلات في هذا الزمن، ولأن أسرتي لا زالت تعتمد عليّ، فأجلت اتخاذ مثل هذا الموقف وبلعت الأمر على مضض· موجة الغلاء جاءت موجة الغلاء الرهيبة فحاصرتنا محاصرة قوية، اسودَّت الدنيا بعيني وأنا أحاول دفع المركب إلى بر الأمان، فما زال إخوتي الصغار على مقاعد الدراسة، ولا يزال الوالد وزوجته بحاجة لمساعدتي المستمرة لهم· أخيراً أدركت أن حلم الوالدة صار مجرد سراب لا سبيل للوصول إليه، وأنني يجب أن أتقبل هذه الحقيقة المرة إلى الأبد· في أحد الأيام ركبت سيارة الأجرة، وكان الرجل عربياً، حدثني عن وجوده هنا لمدة ربع قرن بعيداً عن أسرته، فاستغربت وسألته: كيف تحملت الغربة كل تلك السنين؟ أجابني: يا رجل ألا تعلم أن المال في الغربة وطن؟ يا إلهي!، ما هذا المنطق؟ كيف يتكيف الإنسان بعيداً عن أهله وأحبائه؟ كيف يسعد بحياته؟ على الرغم من استغرابي الشديد من منطق ذلك الرجل إلا أنني فكرت في عبارته وقلت في نفسي: لماذا لم أفكر بالبحث عن عمل في مكان آخر؟ فلربما كان في ذلك تغيير كبير لوضعي· ناقشت الفكرة مع أسرتي فواجهني الجميع بالرفض القاطع، واستهجنوا طريقة تفكيري، ثم بدأوا بالاستهزاء وإطلاق النكات حول ما يمكن أن يواجهني في الغربة، عندها أبعدت الفكرة وقررت أن أتكيف مع وضعي من جديد· ضاعت السنون في رحلة السعي لتحقيق حلم الوالدة واللهاث وراء السراب، فأنا الآن في الثانية والثلاثين من العمر، وأنا أحمد الله وأشكره على العافية لأنني لا زلت خالياً من الأمراض على الرغم من كل ما مررت به، غير أني لا زلت أعزب، لا مستقبل ولا زواج ولا غير ذلك· فكرت بالزواج، لكنني خشيت على مستقبل أولادي الذين سيولدون تحت جناح الفقر والحرمان، وحتى لو قررت الزواج جدياً فمن أين سأحضر المهر وراتبي لا يكفي للحصول على سلفة كبيرة تكفي لمصاريف الزواج؟ وإذا فكرت بالزواج من امرأة موظفة فإنني سأعاني من الشعور بالنقص لأنها ستساعدني في الإنفاق على الأسرة، وهذا ربما يجعلها تشعر بأنني ناقص الرجولة فأسقط من عينيها فتعاملني معاملة غير لائقة، أما إن فكرت بالزواج من فتاة لا تعمل فإنني عندها سأتعرض للضغط المادي الكبير الذي لا أطيقه أبداً· أشعر بالخوف من المستقبل، فالحال في كل يوم من السيئ إلى الأسوأ· لم أفكر بكتابة قصـــتي ونشــرها حتى لا أسبب الكآبة للقراء الأعزاء، لكن الظروف تضغط أكثر فأكثر، ومن يدري؟ ربما يهيئ لي الله من خلال نشـــرها حلاً مَّا يخفف عني وطأة ما أعاني· من دفاتر الخادمات استعانت الزوجة بتلك الخادمة لأنها رزقت بطفل يحتاج إلى رعاية حين تضطر لتركه في البيت أثناء ساعات عملها، فهذه المرأة تغربت هي وزوجها من أجل أن يحسّنا وضعهما الاقتصادي· تزوجا عن حب دام طوال أعوام الدراسة الجامعية، ولم يكن سهلاً عليهما الزواج بعد التخرج لعدم توفر فرص العمل، لذلك اجتهدا للحصول على عقدي عمل فلما حصلا عليهما، تزوجا بحفل عائلي بسيط وحضرا إلى هنا لتبدأ حياتهما الزوجية والعملية في وقت واحد· بعد مرور سنة على الزواج، قررا الإنجاب بعد أن شعرا بشيء من الاستقرار المادي، فجاء هذا الصغير ليتربى في أحضان الخادمة بسبب انشغال والدته في عمل يستغرق معظم ساعات النهار· قامت الزوجة أثناء إجازة الوضع بتعليم الخادمة كيفية الاعتناء بالطفل· واطمأنت إلى إتقانها لكل صغيرة وكبيرة من شؤونه، كما علمتها إعداد بعض الأطعمة وكيفية تنظيف البيت وترتيبه وغسل الملابس وكيها، فالخادمة كانت جديدة ولا تحمل أي فكرة عن العمل المنزلي ومتطلباته· كانت تلك الخادمة ذكية وتحب أن تتعلم كل شيء، فأتقنت عملها وصارت تؤديه على أحسن وجه· وسارت الحياة وفق نمطها الاعتيادي حتى دخل الشيطان فانقلبت الأمور رأساً على عقب· أصيب الزوج بالمرض فاضطر للمكوث في البيت للراحة· لم يسمح للزوجة بأخذ إجازة للعناية بزوجها لأنهما يعملان في مكان واحد، وكان عليها أن تحل محله تتحمل مسؤولية العمل عند غيابه، فما كان منها إلا أن طلبت من الخادمة العناية بسيدها وتلبية طلباته أثناء غيابها، هنا تدخل الشيطان ليلعب دوره في إنجاح محاولات الخادمة لاستثارة الزوج وجره للوقوع في المعصية، فانزلق الزوج في الهاوية بلا لحظة تفكير· بعد ذلك صار الزوج يكثر من البقاء في البيت، حتى إنه صار يستأذن من عمله لأيام كثيرة بحجة إنه يحاول البحث عن عمل جديد لتحسين وضعهما المادي· ولم تفكر زوجته بأنه يبحث عن أوقات مناسبة للذهاب إلى المنزل والاختلاء بالخادمة· بعد مدة شعرت الزوجة بأن الخادمة لم تعد مطيعة، ولم تعد تهتم كثيراً للطفل ولا لنظافة البيت، وهي تعد الطعام بطريقة سيئة بحيث لا يمكن تناوله· وتغيرت ملابسها فصارت تلبس ملابس غير لائقة بالعمل المنزلي، وهي تثور وتغضب عندما تكلمها سيدتها وتبدأ بمناقشتها وتتعامل معها كند لها وليس كخادمة· استغربت أكثر من رد فعل زوجها، فعندما تحدثت معه واشتكت من تقصير الخادمة لم يجاريها، وطلب منها التغاضي عنها بحجة التكاليف التي تترتب عليهما عند تغييرها أو تسفيرها، ثم بدأ بتذكيرها بالهدف الرئيسي الذي تغربا من أجله، وهو جمع المال وشراء شقة وتأثيثها حتى تستقر حياتهما في بلدهما، فما كان منها إلا أن سكتت وغضت النظر عن الأفعال السخيفة لتلك الخادمة· بدأت المرأة بالتغاضي عن تمرد خادمتها وبرود زوجها وبقيت شكواها كنوع من التفريغ لزميلاتها في العمل حتى جاء ذلك اليوم· شعرت بتوعك في صحتها فطلبت إجازة وعادت إلى البيت لتفاجأ بزوجها مع الخادمة في وضع مشين· انهارت وبكت ولطمت خدودها وهجمت عليه فضربته ثم دفعت الخادمة إلى غرفتها وأغلقت عليها الباب بالمفتاح· تحولت المرأة إلى لبؤة شرسة بعد أن شعرت بالإهانة والغدر والخيانة، لم تدر ماذا تفعل وهي في غربتها وحيدة· ترك الرجل البيت ونام عند أحد أصدقائه عسى أن تهدأ زوجته، وقد ندم ندماً شديداً على ما فعله بنفسه وبزوجته التي تزوجها عن حب ولم يجد منها إلا الإخلاص والتضحية· أصيبت الزوجة بانهيار عصبي، ورفضت فتح باب غرفة الخادمة، وتركتها حبيسة ليومين من دون طعام· عاد الزوج وحاول أن يستسمح زوجته ويعتذر منها، ويؤكد لها ندمه على فعلته· وطلب منها أن تفتح الباب ليعيد الخادمة إلى مكتب العمالة ويتخلص منها، فرفضت وأصرت على حبسها حتى تموت، ثم طردته من المنزل· كان لدى الزوج نسخة أخرى من المفاتيح، فانتظر حتى نامت زوجته، ففتح الباب للخادمة وخرج من المنزل، ولم يدر بأن الخادمة كانت تشعر بالحقد والرغبة في الانتقام من سيدتها، فما أن خرجت حتى ذهبت إلى المطبخ وتناولت سكيناً كبيراً، وعادت به إلى غرفة سيدتها وقامت بطعنها عدة طعنات مزقت أحشاءها ثم خرجت من البيت واختفت· عاد الزوج في مساء اليوم الثاني ليجد زوجته وقد تحولت إلى جثة هامدة وقد امتلأت الغرفة بدمائها، ووجد طفله وهو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة· حواريات طاعة الزوجة * أين زوجتك وأولادك؟ لماذا لم تحضرهم معك؟ ** الأولاد ليسوا بخير، وهي مشغولة بهم· * لا تكذب، قل بصراحة، زوجتك لا تريد زيارتنا· ** أنت تعلمين يا أمي· لا أستطيع إرغام زوجتي على زيارة أهلي إن لم تكن مقتنعة· * هكذا، بكل بساطة!!· ** تعلمين بأنني رجل ديمقراطي· * حتى لو أدى ذلك إلى معصية الله؟ ** ماذا تقصدين؟ * أليس في قطع صلة رحمك معصية لله؟ ** لا ''تكبّري'' الموضوع· * لقد حرمتنا من رؤية أولادك لمدة طويلة· ** ليست طويلة، أسبوعان فقط· * أنتم تجتمعون عند أهل زوجتك كل يوم جمعة· ** أجل هذا صحيح· * تعالوا عندنا في كل خميس· ** هذا يعني أننا لن نخرج سوياً· * عندكم يوم السبت، خصصوه لأنفسكم· إنه يوم إجازة أيضاً· ** سأقترح هذه الفكرة على زوجتي· * لن تقبل· أنا أعرفها· تضايقت مني عندما قدمت لها نصيحة· ** لا أعتقد· * هذا زمان عجيب، زوجة الولد لا تطيق سماع كلمة واحدة من أهل زوجها، تتحين أية فرصة لمقاطعتهم· ** إنها حساسة· * لو سمعت نفس النصيحة من والدتها، هل ستقاطعها كما فعلت معي؟ ** لا أدري· * ألم أقل لك؟ إنه زمان عجيب، كنا نتحمل سوء المعاملة والشتم والسب من أهل الزوج فنصبر ولا نتذمر· ** أنتم جيل مختلف· الدنيا تتغير· * أنت زوجها والمسؤول عنها، علمها كيف تبرّ أهلك كما تبرّ أهلها· ** سأحاول بكل تأكيد· * حتى إن بقيت على عنادها، لا تجاريها واحضر لزيارتنا أنت والأطفال· ** سأحاول يا أمي· * لا تقاطع أهلك لإرضاء زوجتك، هل تفهم ما أعنيه؟ ** أفهم يا أمي··· لن أقاطعكم ولن أعصي ربي إرضاءً لزوجتي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©