الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيروت تستعيد بيوتها العتيقة

بيروت تستعيد بيوتها العتيقة
15 يونيو 2008 01:18
المنازل منتشرة في العاصمة والقرى والأرياف، حاكتها الأنامل الهندسية فحولتها الى تحف تحكي حكاية المبدعين الذين ساهموا في عملية تطوير الهندسة المعمارية، ناهيك عن استقطاب المهارات اليدوية التي هي رموز تعلقنا بالماضي والتراث· وإن كانت بعض المنازل أوقفت هذا المد ليبقى ذاكرة في دفاتر الايام بانتظار أن تعود الطبيعة الى هدوئها النائم على صخرة الأمل· أما الآن فتحول الحلم الى حقيقة بعد أن اندمجت حضارة الهندسة المعمارية، فأصبح الهدف انقاذ هذه المنازل بالشراء والترميم، فإلى جانب اللبنانيين يبدي الاخوة العرب اهتماماً بشراء هذه البيوت حيث يجدون فيها متنفساً جميلاً كونها تقع في مدن ساحلية فريدة من نوعها وقريبة من الشاطئ وكفيلة بجذب الناس اليها· ومراحل العمل تختلف من منزل الى آخر، بعد اجراء البحوث والدراسات حول تاريخ كل منزل وطريقة تقسيمه وتحديد وظيفة كل غرفة، عدا الاهتمام بالانارة حتى الخارجية، أي تلك المتوزعة على كل الحديقة، أما الترميم والاضافات فتتم عبر استعمال المواد نفسها أي الخشب القديم لا الالمنيوم، والبلاط القديم لا الرخام الحديث، مع الحفاظ على مقاسات النوافذ واعمال الخشب ونوعية الحجر الرملي· جماليات تراثية مهندس الديكور علي راضي تحدث عن فنون البيت التراثي وما يجمع من مزايا فقال: ''اول ما يلفتك في البيت اللبناني التراثي تقسيماته الهندسية و''تقطيع'' الغرف بداخله، الى جانب المداخل والاشكال المتميزة التي يتمتع بها· والتقطيع الاولي للمنزل ينطلق من الاشكال الهندسية التي اما ان تكون مربعة او مستطيلة، والانطلاقة البسيطة تكون مربعة والجمالية تكمن في السلالم والادراج التي يتكون منها المنزل التراثي، مع التشديد على المستويات السفلية في عملية البناء، حيث يتم استعمال هذا الجانب كمستودع للإقامة والمستوى العالي للسكن والنوم، وطبعاً المستوى العالي ضروري جداً لحماية البيت من الامطار والعواصف، عدا الفخامة والضخامة التي تلفت هكذا تصاميم في المنازل، مع وجود ادراج جانبية تطل بك على الشرفات المتعددة بالنقوش الزجاجية الملونة ذات الرونق الذي يبهر الانظار''· وأضاف: ''تأكيس'' المربع وهو مصطلح هندسي يتمتع بتخطيط من الزوايا الاربع للمنزل، ويحدد الدرج الداخلي للبيت من اجل الانتقال والاقامة الليلية عدا استعماله في النهار مما يعطيك استقلالية تامة· لكن هل تأخذ تصاميم المنازل الهندسية والتراثية نفس الاشكال ام تختلف في الاذواق والانماط المطلوبة؟ يجيب المهندس راضي: ''الخرائط الهندسية لم تعد تتبع نفس الاشكال، وهذا الامر انعكس على الوظائف الداخلية للبيت، فالاحجام قد تكون متساوية من الخارج، الا انها تختلف عن بعضها بغض النظر عن الشكل والمضمون، فالبيوت ترى فيها لمسات القديم والجديد والملفت انها لا تحاكي بعضها، فمثلاً الحديقة الواسعة اصبح مالك البناء يتفنن في هندستها ويعتبرها من الاولويات وهي الأهم من مكونات البيت في بعض الاحيان، على اساس انه يعيش في الطبيعة الخلابة ذات المساحات الشاسعة، وليس حديقة للتنفس والترويح عن النفس، حتى اصبحت ترى في هذه الايام ان الحديقة هي المسبح فقط بغض النظر عن البيت وداخليته الجمالية· ويتابع: أما القناطر فهي فن بحد ذاتها وتجمع الزخارف روعة البناء ومتعة النظر، حيث تضفي هالة من الفخامة على البيت، لكن لا تقدر عليها الا الطبقة الميسورة· والقناطر من اساسيات انشاء البيت ولها دراسة متميزة عن غيرها، وهي الى جانب الاعمدة والجسور، لها اهتمامات في غاية الاهمية، كونها تحمل الاوزان وتقع عليها ضريبة الجمال الداخلي والخارجي، وتعكس صورة المنزل في نفس الوقت يعطي حجرها البرودة في الصيف والدفء في الشتاء· طبعاً تتأثر القناطر في عملية البناء بحضارات عديدة عرفناها سابقاً مثل الحضارة الفرعونية واليونانية وغيرهما ولكل حضارة تأثيرها، فالقنطرة لها عقدة مستمدة من عدة اشكال، مثل القناطر الدائرية التي هي عبارة عن نصف دائرة وتعتمد نصف القوسين، وصولاً الى زاوية رأس لولبية، او ثلاثة اقواس اثنان على مستوى واحد والثالث يقفل القنطرة، مع اضافة في بعض الاحيان للقفلة التي زاد الفن عليها مع الزجاج والكروم والالمنيوم ذات الحديد ''النورجية''، وهو عبارة عن حديد له بصمات جمالية اي تقليد للقنطرة الحقيقية، ويبدأ من نصف دائرة القوس ذات الزجاج الملون وتعطي لعبة الضوء الخاصة بالشمس رومانسية، وأكثر ما نرى ذلك في الكنائس والجوامع، حيث يزيد الخشوع الداخلي في روعة المشاهد الانسانية· ولا بد من القول ان القناطر والاقواس وحتى فنون الزخرفة بدأت تفقد هويتها وأصالتها، لان المهندس المعماري والتراثي اصبح يدخل عليها اشياء اخرى وإضافات لا تتعلق بها، وهذا يعود لعدم الخبرة والتجربة، واذا نظرنا الى بعض الابنية في الجنوب وغيره لوجدنا العمارات القديمة غير موجودة الا في ''الفيلات'' الجديدة انما بهويات غير اصلية اطلاقاً· أكثر من زخارف يقال ان الزخرفة هي التي تضع بصماتها الفنية على ميزة المنزل، ان كان ذلك من حيث التصميم والشكل او لوحة العمارة المتميزة عن غيرها، وهذا ما يراه المهندس راضي يقول: ''فن الزخرفة يأتي بعد عملية بناء القناطر، وآليته تكمن في الإبهار والروعة والجمال الذي يظهر القنطرة التي لم تعد حجراً فقط، بل اخشاباً تلعب اشكال القناطر· والزخرفة دليل على ''موضة'' قديمة وعظيمة وهي علم بحد ذاتها، والاهمية هنا في التواصل بهذا الفن بين المهندسين لإنتاج كل جديد، مثل التواصل ما بين المربع والمربع نفسه، ومع المستطيل والدائرة لخلق تداخل بين الجديد والقديم، وبين الحديث والتقليدي، وان كان البعض لا يعترف بهذه النظرية، أي ان القديم لا ينسجم والجديد كهوية حقيقية''· وبرع البعض في استعمال الخطوط الهندسية وصياغتها في اشكال فنية رائعة، فظهرت المضلعات المختلفة والاشكال النجمية والدوائر المتداخلة، وقد زينت هذه الزخرفة المباني، كما وسمت التحف الخشبية والنحاسية ودخلت في صناعة الابواب وزخرفة السقوف، ولطالما اعتبرت الزخرفة دليلاً على موهبة فنية عظيمة واثباتاً على علم متقدم بالهندسة العملية· يرتفع البناء بتمهل وتتبلور صورة البيت التراثي اللبناني بكل تواضع، وتنكسر الحجارة بصمت لتسمو مع مفردات الفن المصاغة والمسبوكة في لوحات تتشبث بالارض، وتنطلق على طول الطريق المؤدية الى تقسيمات ومساحات واسعة تغطي فيها فسحات لتنعكس من خلال ذلك الى تعبير يلامس حدود الحلم· منازل تراثية، بيوت هندسية أشبه ما تكون باللوحات المبنية على كتل من الزخارف والاقواس والقناطر، والمرتكزة على دوائر لونية من اقواس القزح، وامامك الانسان المتحدي بعنفوان كل الصعاب، فلا شيء مستحيلا امام الارادة والعزيمة··· والبناء·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©