مقامات البعاريني

حدثنا الحوار بن القعود بن الجمل بن البعير وقال: «خلال رحلة طويلة وشاقة إلى بلاد الشمال، حطت قافلتنا الميمونة للراحة من وعثاء السفر، وبعد أن أكلنا وشربنا وتثاءبنا وتنفسنا الصعداء... جلسنا نتحاور و نتسامر، على قاعدة الاحترام المتبادل المتعارف عليها بين البعارين المحترمة. كان والدي متحدثاً لبقاً مشهوداً له بذرابة اللسان وقوة الحجة، لكنه كان ضعيف النظر، وكان يتبع أثناء سير القافلة ذيل الحمار حتى لا يشذ عن السرب، لكن ضعف بصره هذا عوضه بقوة البصيرة وتوهجها... المهم: تفرّس والدي فينا واحداً واحداً، ثم نظر إليَّ ووجه الكلام لي شخصياً وقال: ثق يا حواري الصغير، والحكي للجميع، بأننا، معشر البعارين، كائنات ضالعة في العروبة، لا بل أنَّ أصولنا ترجع للعرب البائدة، وما نحن بالبائدين كما ترى وتدرك. لكننا تعرضنا، بعد كارثة انهيار سد مأرب المعروفة، إلى مكيدة سحرية من أحد ملوك الجن الملاعين الأشرار، وقد حوَّلنا ذلك المسخ الأهوج الى ما ترى وترون من عبودية وصبر وجلد، لأننا لم نرتض التخلي عن عروبتنا، والدخول في جيش الملك سليمان الغازي. وقد تغلبنا على سحر الساحر عن طريق الصبر والمثابرة، حتى صارت لنا مكانة عليا لدى أخوتنا العرب». قلت لوالدي باندهاش مستفسراً: ـ لكن يا ( بابا ) هذا كلام خطير... ألديك أدلة تاريخية على ما تدعي وتقول؟ ـ نعم يا حواري الصغير العزيز.. تعال (والحكي للسامعين) نقرأ اشتقاق الاسم، إذ تجد أنَّ الفعل الثلاثي (عرب)، يمكن أن تتلاعب بذات الأحرف: بعر/ برع / بعير، وها نحن أقرب الأسماء إلى العروبة لأننا من ذات الاشتقاق اللغوي، وذات الفعل والفصل والأصل. قلت لوالدي بمكر ومناكفة: لكن يا بابا، فإنَّ كلمة (عبر) هي أيضاً من ذات الاشتقاق اللغوي، وقد جاءت منها كلمة (عبراني) وهو اليهودي، فلماذا لا نكون يهوداً أقحاحا؟! نخر والدي وأرغى وأزبد، ونفض سنامه بغضب وقال: التشابه بيننا وبين العرب، ليس لفظياً فقط أيها الحوار المراهق الأرعن، ألا ترى أننا نرغي ونزبد حين تهضم حقوقنا، لكننا لا نفعل شيئاً يذكر؟ يوسف غيشان ghishan@gmail.com