الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاتحاد الأوروبي··· والصفعة الأيرلندية

الاتحاد الأوروبي··· والصفعة الأيرلندية
15 يونيو 2008 02:04
دخلت أوروبا في مرحلة من الاضطراب السياسي أول من أمس الجمعة، بعد أن رفض الشعب الأيرلندي الموافقة على ''اتفاقية لشبونة'' -التي تم التوصل إليها بعد عناء- بهدف تعزيز سلطة الاتحاد الأوروبي، وتسهيل إجراءات العمل البيروقراطية فيه، والتي كانت تزداد صعوبة على الدوام· ويرجع السبب في النتيجة التي انتهى إليها الاستفتاء على المعاهدة وهي الرفض بأغلبية 53,4 إلى 46,6 إلى تلك الحملة المنظمة التي سبقت الاستفتاء، والتي كانت تدعو المصوتين الأيرلنديين إلى الرفض، عازفة في ذلك على وتر المخاوف العميقة لدى هذا الشعب من الاتحاد الأوروبي، فعلى الرغم من الفوائد المترتبة على ذلك الاتحاد، فإن الشعب الأيرلندي، شأنه في ذلك شأن باقي الشعوب الأوروبية، ينظر إليه على أنه اتحاد بعيد عن همومهم، وغير ديمقراطي، ويميل إلى انتزاع حقوق أعضائه الأصغر حجما، وحرمانهم من حقهم في صنع قوانينهم، وتقرير مصائرهم· والأصداء التي ستترتب على نتيجة التصويت ستكون مدوية، وهو ما يرجع لحقيقة أن وضع تلك الاتفاقية موضع التطبيق، يتطلب مصادقة الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد، وأن رفضها حتى من دولة صغيرة بحجم أيرلندا، يهدد بتجميدها· وقال مسؤولو الدول الأوروبية التي شعرت بخيبة الأمل جراء رفض الاتفاقية، أن بلادهم ستمضي قدما من أجل جعل تلك الاتفاقية ترى النور في خاتمة المطاف -على الرغم من كل شيء- وأن هذا الموضوع -نتيجة الاستفتاء- ستتم مناقشته عندما يجتمع قادتهم في العاصمة البلجيكية بروكسل الأسبوع القادم· وفي حالة فشل هؤلاء القادة، سوف يتعين على الاتحاد أن يجد طريقة أخرى لإعـــادة تكييف مؤسساته، وجعلها قادرة على التعامل مع الظروف الناشئة عن انضمام 12 دولة جديدة إليه منذ عام ،2004 كما سيتعين عليه أيضا أن يتوافق مع الحقيقة المزعجة بالنسبة للأوروبيين، والتي تعد مهمة أهمية الاتحاد ذاته لحياتهم اليومية، ألا وهي أن هناك العديد من الأوروبيين الذين لا يزالون يشعــــرون أنهم مستبعـــدون عـن الاتحاد، ومشوشون بخصوص الطريقة التي يعمل بها· و''اتفاقية لشبونة'' التي تمت صياغتها بعد اجتماعات شاقة بين الدول الأعضاء، هي اتفاقية عويصة ومعقدة، ولكنها إذا ما فُعِّلت، فإنها سوف تمنح أوروبا رئيسا للاتحاد، ورئيسا لشؤونه السياسية الخارجية، سيكون من ضمن مسؤولياته الإشراف على مساعدات التنمية التي يوزعها، كما سيترتب عليها أيضا تقليص حجم المفوضية الأوروبية، التي تمثل الجهاز التنفيذي للاتحاد، والتي تتبنى نظام التدوير، الذي يضمن تمثيل كل دولة من دول الاتحاد فيها 10 سنوات من بين كل 15 سنة، فضلا عن ذلك ستعمل الاتفاقية على تغيير نظام التصويت في المجلس الأوروبي، المكون من رؤساء الدول والحكومات الأوروبية، بحيث يتم تقليص عدد القرارات التي تحتاج إلى الإجماع من أجل إقرارها· ويرى مؤيدو الاتفاقية -مشيرين في ذلك إلى نجاح الاتحاد في توفير ملاذ ديمقراطي واقتصادي للدول الشيوعية السابقة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي- أن تمريرها يعد أمرا ضروريا، من أجل جعل أوروبا الموسعة أكفأ، وأكثر ديمقراطية، وتعليقا على نتائج الاستفتاء يقول ''اندرو داف'' -العضو البريطاني في الاتحاد الأوروبي، والناطق باسم الاتحاد للشؤون الدستورية-: إن هزيمة المعاهدة تعد ''كارثة'' للمشروع الكبير وهو الاتحاد الأوروبي، مضيفا -خلال مقابلة أجريت معه-: ''المشكلات التي صيغت الاتفاقية من أجل حلها لا تزال قائمة، وهي نقصان الكفاءة والديمقراطية، والقدرة على الفعل''، مشيرا في ذلك إلى اتفاقية ''نيس'' التي كانت آخر اتفاقية تُعرّفْ الطريقة التي يعمل بها الاتحاد: ''إذا ما كانت نتيجة الاستفتاء الحالي ستعني أننا سنواصل عملنا بناء على الاتفاقية الحالية، فإن ذلك يعني أن الأيرلنديين لم يقدموا لنا -ولا حتى لأنفسهم- معروفا''· ليس معروفا ما الذي سيحدث بعد ذلك بالضبط، حيث أن أيرلندا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي أجرت استفتاء على اتفاقية لشبونة نظرا لأن دستورها وقوانينها يحتمان عليها ذلك، ويشار إلى أن المعاهدات والاتفاقيات التي يتم التوصل إليها في إطار الاتحاد الأوروبي عادة ما تكون أكثر شعبية بين القادة، منها بين الشعوب، وهو ما يجعل معظم الحكومات الأوروبية تعزف تعريض نفسها لمخاطر عدم اليقين الذي يصاحب طرح تلك الاتفاقية لاستفتاء وطني عام، أما باقي دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 26 دولة، فتنظر حاليا في تلك الاتفاقية من خلال هيئاتها التشريعية والتنفيذية، علما بأن 18 دولة منها قد وافقت عليها حتى الآن· وفي بريطانيا، أعلن المسؤولون أنهم سيمضون قدما في إجراءات اعتماد اتفاقية لشبونة التي يتم بحثها الآن في البرلمان البريطاني، وإن كانت هناك علامات واضحة على وجود مشاعر مناوئة لأوروبا في أروقة ذلك البرلمان، مما يعني أن الرفض الأيرلندي لها سوف يمنح زخما للقائمين بحملة من أجل رفضها أيضا في بريطانيا، وقالت مصادر في حزب المحافظين المعارض، إن إصرار الحكومة على المضي قدما في إجراءات التصديق على الاتفاقية، سيكون عملا دالا على ''غطرسة متناهية'' من جانب الحكومة، كما سيكون من ناحية أخرى إهانة كبرى للرأي العام البريطاني برمته· وفي أيرلندا قال خبراء في شؤون العلاقات الأيرلندية - الأوروبية إن الدولة لا تعبر برفضها التصديق على اتفاقية لشبونة عن مناوءتها لأوروبا، وإنما فقط عن رفضها للمؤسسات الأوروبية التي تراها غامضة ومتباعدة، يعلق ''مايكل بروتر'' -كبير محاضري العلوم السياسية بكلية لندن للاقتصاد- على هذا الرأي بقوله: ''أيرلندا دولياً موالية لأوروبا، ولكن المشكلة هي أن شعبها لا يفهم تلك الاتفاقية، ولا يفهم لماذا كانت هناك حاجة إليها، ولا ما الذي يدعو الآن إلى تغييرها وهو بالتالي لا يريد أن يمنح أوروبا شيكا على بياض''· سارا ليال- لندن ستيفن كاستل- بروكسيل ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©