الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصفاء

الصفاء
5 مايو 2010 20:13
هناك مفارقة لافتة في موضوع الخمريات العربية، وهي أن معظم الشعراء كانوا يتبارون في صناعة أدبياتها وصياغة صورها وأشكالها على الرغم مما يحيط بها من تحريم شرعي وكراهة اجتماعية، كانوا يرون فيها فيما يبدو مظهراً لحرية الإبداع، ومجالاً للتنافس في إتقان الأوصاف والتفنن في التعبير. وكانت النتيجة أن العربية في عصورها الزاهرة زخرت بثروة شعرية عن الخمريات ليس لها نظير فى أي ثقافة إنسانية موازية لها. ما يشهد للإسلام بالسماحة القصوى مع أهله وأهل الأديان الأخرى، كما يشهد للشعراء بشجاعتهم فى امتلاك حرياتهم الشخصية والإبداعية. وهنا نأتي إلى الباب العاشر في كتاب السريّ الرفاء عن المشروب، وهو عن “صفائها وصفاء الكأس عليها” ويستهلها بقول ابن المعتز واصفاً له بالحسن: خليليّ قد طاب الشراب المبرّد وقد عدت بعد النسك، والعودُ أحمد فهات عقارا في قميص زجاجة كياقوتة في دُرَّةٍ تتوقد يصوغ عليها الماء شباك فضةٍ لا حلقٌ بيضٌ تُحل ومُعقدُ ولعل هذه الفكرة في العودة إلى الشرب بعد هجره في فترات التنسك مثل الصيام وغيره أن تكون هي التي ألهمت شوقي ـ وقد كان كثير التأمل في شعر ابن المعتز ـ كي يقول: رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى لمشتاق لكن ابن المعتز يطلق في هذه المناسبة عبارة أصبحت دائرة بعد ذلك هي “العود أحمد” كما يطلق جملة أوصاف للخمر التي ترتدي قميصاً من الزجاج فتصير ياقوتة في درة متوهجة، فإذا انصب عليها الماء صنع لها شباكاً من الفضة ذات الحلقات المتماوجة في حلها وعقدها، مما ينتج صورة مركبة طريفة ومترفة مثل صور ابن المعتز في شعره كله، ثم يورد المصنف بعد ذلك أبيات علي بن حبلة التي يقول فيها: رقت لطول بياتها فالعين عنها خافية وتريك رقتها كأن الكأس منك خالية حتى إذا ولد الظلام الصبح سقطا ناحية ناديت ندماني بهم من خبل سُكرٍ ما بيه من مقعسٍ في مشيه والكأس فيه ماشية وملجلج بلسانه يحكي لساما ثانية فهذه الرقة الصافية تستدعي بدورها رقة شعرية بالغة، تتذرع بقطعة سردية طريفة، ترى الخمر خافية عن العين من فرط رقتها، حتى لتظن الكأس خالية منها، فهي إذا أسفر الصبح سقطت مع الظلام في هوة النسيان، ثم ينتقل الشاعر إلى وصف حاله مع رفاقه وندمانه، فقد أخذ يناديهم وهم واقفون في خبل السكر مثله، متقاعسون في مشيهم، تعتقهم الكؤوس التي سرت في أبدانهم وجعلت لسانهم متلجلجا كأنه يحكي بلغات مختلفة. هذه الصورة السردية تأتي نتيجة لرقة الخمر وشدة تأثيرها في الآن ذاته، ويستمر الشعراء في تمثيل هذا الصفاء بالصور التي سنعرض لها فيما يأتي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©