الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعد الممات!

بعد الممات!
18 مارس 2011 18:58
يقولون إنه في اللحظات الأخيرة قبل انفلات الروح من الجسد، يرى المرء أحداث حياته كأنها شريط سينمائي، والسؤال الذي لا أعرف له إجابة ويخطر ببالي هو: هل سنرى الشريط كما هو أم سيكون مصحوباً بالأخطاء التي ارتكبناها، أقصد الأخطاء التي لا تدخل في باب الصالح والطالح؟ وهل سنرى الشريط النموذجي بعد ذلك، أي الذي فيه كل تصرفاتنا الخاطئة مع التصرف الصحيح الذي كان من المفترض أن نأتيه؟ وكل مؤمن بالبعث والحياة الآخرة، يعتقد أنه سيعرف منزله ومبوّءه هناك، ما إن تخرج روحه من جسده، فمن مات قامت قيامته، وسيعرف ساعتها أن ذلك الفعل كان صالحاً وتقبّله الله قبولاً حسناً، وذاك الفعل كان مثل وجهه ولم يُتقبّل منه.. لكن ماذا عن بقية الأشياء التي ليس فيها ثواب ولا عقاب؟ هل سنعلم مثلا القصة الكاملة والحقيقية لأحداث 11 سبتمبر؟ وهل سنعلم مثلاً ما هي الماسونية ومن يقف وراءها؟ وهل سنعرف كيف مضت الساعات الأخيرة للطغاة؟ وهل سأعلم مثلاً سبب إصابتي بالمرض الفلاني؟ هل سيعلم أحدنا أن انقلاب سيارته ووفاته متأثراً بالإصابات لم يكن نتيجة السرعة الزائدة وإنما بسبب وجود حصى في الشارع؟ هل سيعلم أن حقيبة سفره التي ضاعت في المطار ذهبت لشخص آخر لم يعرف ماذا يفعل بها فسلّمها لإدارة المطار التي لم تستطع التعرف إلى صاحبها وبيعت في مزاد علني للمعثورات؟ هل سيعرف أن رسوبه في الامتحان كان بسبب الإجابة الخاطئة عن السؤال الفلاني؟ هل سيعلم أن سبب مرض طفله كان العصير الفلاني؟ هل سيعلم أنه في ذلك اليوم الذي ذهب فيه إلى السينما، لو لم يكن هناك وكان مثلاً في المقهى، فإنه كان سيشرب قهوة تقضي عليه؟ هل سيعرف من المصيب ومن المخطئ في أي حوار جدلي صار بينه وبين شخص آخر لا علاقة له بالحلال والحرام والحسن والقبيح والثواب والعقاب؟ وإذا كان يتهم شخصاً ما بأنه كثير النسيان، بينما المتهم بالنسيان ينكر التهمة بل يتهمه هو بالنسيان، وبقيا يتجادلان في أيهما أبو النسيان إلى أن تخلّصت البشرية من وجودهما، فهل سيعرفان الحقيقة بعد موتهما؟ وإذا كان يصف شخصاً بأنه عنيد، والآخر يصفه هو بالعناد، فهل سيعرفان من كان العنيد؟ هل سيعلم أن العشرة دراهم التي فقدت منه وبقي يبكي عليها حولاً كاملاً كانت قد سقطت منه في السيارة وتزحلقت إلى تحت المقعد، ثم حصل أن باع السيارة ولم ينتبه المشتري للمبلغ ثم أحيلت السيارة إلى التقاعد ثم فُرمت وصُهرت في أفران الحديد؟ هل سيعلم مثلاً أن تحت بيته هناك كنز ولم يكتشف أحد وجوده؟ تطور العلم كشف لنا الكثير من المخفيّات والأمور الغامضة التي كانت تحيّر أجدادنا، فنحن نعرف اليوم أسباب بعض الأمراض التي فتكت بهم، ونعرف أسرار الكثير من الآثار التاريخية، لكن ما يشغل ذهني لا علاقة له بالعلم وتطوره، لأن العلم غير معني بمن كان أكثر عناداً من الآخر، وغير معني بالعشرة دراهم الضائعة. والسؤال الأهم: هل سنكون في شأن يغنينا أصلاً عن معرفة كل هذه الأمور لأنها ستكون غير مهمة لنا حينئذ؟ لا بد أن يذهب أحدهم ليستطلع الأمر ويعود إلينا بالنتائج، فالفضول يكاد يقتلني. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©