الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكرة الأرضية ليست بحاجة إلى قائد واحد

الكرة الأرضية ليست بحاجة إلى قائد واحد
5 مايو 2010 20:19
بعد العديد من الروايات التي أغنى بها أمين معلوف المكتبة اللبنانية والعربية، والعالمية. منها: ليون الإفريقي، سمرقند، صخرة طانيوس نال عليها جائزة جونكور 1993، وبدايات... يندرج كتابه الجديد “اختلال العالم” في سياق كتابه السابق “الهويات القاتلة” المنشور سنة 1998 والذي أصبح اليوم مادة تدريسية في برامج العديد من الجامعات في العالم. وكتاب “اختلال العالم” الذي صدر عن دار الفارابي في بيروت، يستعرض فيه دخولنا القرن الجديد بلا بوصلة وحصول أحداث مقلقة منذ الشهر الأول والظن بأن العالم يعاني اختلالاً كبيراً، وفي عدة ميادين معاً اختلالاً مالياً، مناخياً، جيوسياسياً، أخلاقياً. صرخة إنذار يرى المؤلف أنه بين الحين والآخر تظهر تحولات غير مأمولة؛ ووصول البشر إلى مأزق، لا بد لهم من أن يكتشفوا وسائل الخروج منه. وأنه ليس هنا بصدد حالات الجزع اللاعقلانية التي رافقت الانتقال من ألفية إلى أخرى، ولا بصدد الويلات المتكررة التي يطلقها دوماً أولئك الذين يخشون التغيير أو يفزعون من وتيرته. إن مصدر قلقه هو من نوع آخر؛ قلق نصير للأنوار، يراها تترنح، وتشحب، وفي بعض البلدان، تشرف على الانطفاء؛ قلق مولع بالحرية، التي كان يحسبها سائرة إلى الانتشار في كل أنحاء المعمورة وهو الآن يشهد ارتسام ملامح عالم لا مكان لها فيه؛ إنه قلق نصير للتنوع المتناسق يجد نفسه مكرهاً على أن يشهد، عاجزاً، صعود التعصب، العنف، واليأس؛ إنه، قلق عاشق للحياة، لا يقبل التسليم بالفناء الذي يتربص بها. يصر المؤلف على القول إنه ليس من الناقمين على الزمن الحاضر؛ بل هو مفتون بما يأتيه به هذا العصر، مترصد لآخر مخترعاته، التي يسارع إلى إدراجها في حياته اليومية؛ وهو مدرك لانتسابه، إلى جيل محظوظ جداً بالنسبة إلى الأجيال التي سبقته. مخاوف لها مبرراتها؛ أمر سيعمل على تبيانه في صفحات كتابه هذا، بحسب ما يقول. لأنه يريد إيصال صرخة الإنذار إلى الإسماع، وإيجاد الكلمات الصائبة لإقناع معاصريه، بأن المركب الذي نحن على متنه بات بعد الآن بلا طريق، ولا مقصد، ولا بوصلة، في بحر هائج، وأنه لا بد من صحوة، ومن حالة طوارئ تفادياً للغرق. ويقول أيضاً بأنه لا توجد حتى اليوم سوى مؤشرات قليلة تسمح بالأمل بأن يحسن البشر التغلب على تبايناتهم واستنباط حلول يسيرة التصور، ثم أن يتحدوا ويعبئوا جهودهم لوضعها موضع التنفيذ، هناك علامات كثيرة تحمل على الظن بأن اختلال العالم وصل إلى طور متقدم وبأن الحؤول دون التقهقر سيكون أمراً عسيراً. ناطور ليلي يقول أمين معلوف عن مسعاه في كتابه أنه سيكون أقرب إلى ناطور ليلي لبستان غداة مرور عاصفة، وفيما تنذر بالهبوب عاصفة أخرى أشد عنفاً. إنه ليس عالم نبات، ولا مهندساً زراعياً، ولا رساماً لمناظر الطبيعة، ولا يملك شيئاً في هذا البستان. إلا إنه يقيم، مع الأشخاص العزاء عليه، وكل ما يمكن أن يمس هذه الأرض يمسه عن كسب. فعندما سقط جدار برلين اجتاحت العالم موجة من الأمل. فانتهاء المجابهة بين الغرب والاتحاد السوفييتي أبعد خطر حصول زلزال نووي كان معلقاً فوق رؤوس الناس منذ نحو أربعين سنة، وكان ينتظر بعد ذلك أن تنتشر الديمقراطية شيئاً فشيئاً، وأن يتطور تداول الناس والسلع والصور والأفكار دون عوائق، يعود ويقول إنهم كانوا يزدادون ضياعاً كلما ازدادوا تقدماً. فبعد أن صرعت الولايات المتحدة عدوها الرئيسي، وجدت نفسها تخوض غمار مشروع هائل ينهكها وهو أن تروض بمفردها، كوكباً يستحيل ترويضه. وحتى الصين، التي تصعد بصورة مسرحية، لديها أسبابها للقلق؛ وإن جميع شعوب الأرض في مهب العاصفة بشكل أو بآخر. أغنياء أو فقراء، محتلين أو تحت الاحتلال، على متن زورق سائرين إلى الغرق، وأن تفقد أوروبا معالم الطريق من جراء انتصارها، فهذه ليست أول مفارقة في عصرنا. وقد يكون بالطريقة ذاتها إن انتصار الغرب الاستراتيجي، الذي كان من شأنه أن يعزز تفوقه، قد عجل في انحداره؛ وإن انتصار الرأسمالية قد عجل في زجها في أسوأ أزمة عرفها تاريخها؛ وأن توازن الرعب قد خلق عالماً مهجوساً بالإرهاب؛ وإن هزيمة نظام سوفييتي اشتهر بالقمع ومعاداة الديمقراطية قد أدى إلى تراجع النقاش الديمقراطي في العالم كله. الهوية والمزايدات فمنذ سقوط جدار برلين، في عالم استشرت فيه الانتماءات، ومن بينها تلك المتعلقة بالدين، بحيث التعايش بين مختلف الجماعات البشرية بات يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، وحيث أمست الديمقراطية تحت رحمة المزايدات الهووية. كان لهذا الانزلاق من الإيديولوجية نحو فكر الهوية عواقب مدمرة على الكرة بمجملها، لكن هذا الدمار لم يبلغ في أي مكان القدر الذي بلغه في المحيط الثقافي العربي الإسلامي، حيث اكتسبت الأصولية الدينية، التي ظلت أقلية مضطهدة زماناً طويلاً، أعلوية فكرية جماهيرية داخل معظم المجتمعات، كما في الشتات؛ وراحت هذه الحركة تعتمد خلال صعودها نهجاً معادياً للغرب بعنف. بعد أن ابتدأ هذا التطور مع صعود آية الله الخميني سنة 1979، راح يتفاقم مع نهاية الحرب الباردة. كانت النخب الحداثية في العالم العربي الإسلامي تسعى عبثاً منذ أجيال إلى تربيع الدائرة، أي كيف يمكن التأورب دون خضوع لسيطرة الدول الأوربية التي كانت مسيطرة على بلدانها، وكانت تهيمن على مواردها؟ وكان كفاحها في سبيل الاستقلال يخاض ضد البريطانيين والفرنسيين والهولنديين، وكلما عمدت بلدانها إلى أخذ زمام السيطرة على قطاعات جوهرية في اقتصادها، اصطدمت بشركات النفط الغربية. وحينما برزت في شرق أوروبا كتلة قوية تدعو إلى تصنيع متسارع، وترفع شعار الصداقة بين الشعوب، وتتصدى للدول الاستعمارية، رأى كثيرون في ذلك حلاً لهذه المعضلة. في سياق الكفاح من أجل الاستقلال، كان مثل هذا التوجه يبدو معقولاً وواعداً. إلا أنه مع مرور الزمن لا بد أن نعاين أنه كان مشحوناًُ بالبلايا. فلم تحصل نخب العالم العربي الإسلامي لا على تطور، ولا على تحرر وطني، ولا على ديمقراطية، ولا على حداثة اجتماعية، بل حصلت على نسخة ستالينية قومية لا تحوز شيئاً مما جعل للنظام السوفييتي إشعاعه العالمي لا خطابه الأممي، ولا إسهامه الكثيف في دحر النازية خلال 1941 ـ 1945 ولا قدرته على بناء قدرة عسكرية، بل نسخة لأسوأ عوراته، عنفه البوليسي، إدارته الاقتصادية التي أثبتت عقمها، واحتكار الحكم لمصلحة حزب، أو فئة، أو زعيم. القلق والأمل يعرض المؤلف أن ما يجري في بداية هذا القرن ليس اضطراباً عادياً. ولعله بالنسبة إلى العالم الكروي، الذي ولد على أنقاض الحرب الباردة، ذاك الذي سيهز الضمائر والعقول لعهد سابق لتاريخ طويل، يسأل المؤلف هل سنعرف كيف نجعل كل هذه الشعوب، المختلفة من حيث الدين واللون واللغة والتاريخ، والتقاليد، والتي اضطرها التطور أن تتجاوز وتتدانى، قادرة على العيش معاً في سلام وانسجام؟ والجواب لا يزال حتى اليوم غير أكيد. مع العلم وفي الوقت ذاته شهد تحولات مفاجئة في رؤية الغير تكشف عن توجهات خفية في أفكار معاصرينا، كان انتخاب باراك أوباما المثل الأكثر سطوعاً ومشهدية عليها. وفي الخاتمة وتحت عنوان “عهد سابق للتاريخ مفرط في الطول”، يشير المؤلف كيف أن الشعب يجد نفسه في القادة الذين يتبنون كفاحه، وهذا القول على الصعيد الكروي. ذكر أيضاً أن هناك خصوما للولايات المتحدة، ومنافسين، وحتى أعداء الداء يحاربونها بمزيد من الإصرار إذا رأوا العالم يتجمع حولها بصورة إرادية. إلا أن أكثرية الشعوب والقادة ستحكم عليها من خلال أفعالها. فإذا عرفت أن تتصرف على الساحة الدولية بدقة وإنصاف، والتزمت باستشارة الأمم الأخرى باحترام. وبدلاً من فرض مشيئتها عليها، وإذا تعهدت بأن تطبق على نفسها أولا ما تطلب تطبيقه على الآخرين، وإذا أقلعت بوضوح عن الممارسات المنافية للأخلاق التي كثيراً ما شابت تصرفاتها عبر العالم، وتصدرت التعبئة العالمية ضد الأزمة الاقتصادية، ارتفاع حرارة المناخ، الأوبئة والأمراض الواسعة الانتشار، الفقر والظلم وجميع أنواع التمييز بين البشر؛ حينذاك سيكون دورها كقوة أولى مقبولاً ومرحباً به. وحتى استخدامها لقدرتها العسكرية. فالعالم اليوم بحاجة إلى أميركا أكثر من أي وقت مضى، لكن إلى أميركا متصالحة مع ذاتها، أميركا تمارس دورها الكروي في حدود احترامها للآخرين، واحترام قيمها. هي باستقامة، وإنصاف، وشهامة، وكاد يقول المؤلف بأناقة، برشاقة. لقد ذكر في كتابه هذا بضعة عوامل تسمح بالاحتفاظ بالأمل. لكن المهمة المطلوب أدائها، ولا يمكن أن يعهد بها إلى قائد واحد، مهما تحلى بصفاء الذهن وقوة الإقناع، ولا إلى أمة واحدة، مهما بلغت من القدرة، ولا قارة واحدة. ذلك أن المطلوب ليس فقط إقامة نمط جديد من الأداء الاقتصادي والمالي، ونظام جديد للعلاقات الدولية، ولا تصحيح بضعة اختلالات ظاهرة للعيان، ينبغي أن نخترع مفهوماً جديداً للعالم لا يكون مجرد ترجمة عصرية، لأفكار مسبقة قديمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©