الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسوغات وتداعيات «الحلم الأسود»

مسوغات وتداعيات «الحلم الأسود»
5 مايو 2010 20:20
التجربة هي النبع الذي ينهل منه الأدباء وتغرف منه الأديبات، وبما أن التجارب لا تتشابه، فإنه وجب الفصل بين تجربة الأديب الرجل عن تجربة الأديبة المرأة، فإن كانت أغلب الدراسات النقدية ترد الأدب النسوي في منطلقاته الأولى إلى تلك التفاصيل الخاصة والمعيشة التي تفرق بين الجنسين، ونظرة الكاتبات لها وتجاربهن الكتابية دون إغفال المسوغات الاجتماعية العامة لشكل الخطاب الأدبي الذي يقدمن، فإن حصر التجارب في قالب واحد من الصعوبة بمكان، لكن تبقى مشروعية القراءة والتأويل جائزة خاصة حين تتكرر أنماط في مسح موحد في محتوى متون سردية متعددة تقف على أشكال متشابهة لمضامين خطاب عام يجمعها. في القراءة التي تقدمها الباحثة في علم الاجتماع المعرفي نبيلة أحمد علي في كتابها “الحلم الأسود/ قراءة في الشخصية النسوية في آثار كاتبات القصة القصيرة الإماراتيات”، الصادر لهذا العام ضمن سلسلة “إصدارات”، التي تنشرها وزارة الثقافة وتنمية المجتمع الإماراتية، تنطلق الباحثة في معالجتها للقصص من هذه الزاوية مستعينة بقراءتها للمحتوى الأدبي بأداوت النقد وفق رؤية علم النفس الاجتماعي المعرفي. أشكال الخطاب وتتبع نبيلة أحمد عبر أجيال متعددة مسيرة القاصات الإماراتيات وتطور شكل الخطاب الأدبي لديهن انطلاقاً من الظرفية الزمانية والمكانية، في شكل مقارنات تدرس مظاهر تبرز الأصوات الخفية والأحلام المنشودة بكل أبعادها، برؤية نقدية تسبر أغوار المتن السردي لتلك الكاتبات. تبدأ الباحثة باستهلال معرفي وتوطئة تمهيدية للجاحظ حول التفاوت بين الكتاب في الفحوى والغرض ومشاعية الأفكار أمام الناس تؤصل فيها لمسوغات الاختيار ومبررات معالجتها للموضوع، حيث شغلت اهتمام الباحثين في أكثر من زمن الفروق الفردية بين الكتاب خاصة بعدما أصبحوا يستعينون بما قدمته الدراسات النفسية في أكثر من مجال، فاستعانوا بإسقاط تلك المعارف التي أتاحتها على الأدب وأصبحوا يقارنون بين الأثر الأدبي للكاتب ومخزونه النفسي والاجتماعي الخاص في مراحل النص المختلفة. مضامين الخطاب في فصلها الأول، تتناول الباحثة الاجتماعية مضامين خطاب جيل الرواد في القصة القصيرة النسائية الإماراتية، حيث تتناول مجموعة “الرحيل” للقاصة شيخة الناخي والتي يبرز فيها الهم النسوي بكل مظاهره، رغم ضعف مستوى التكريس وخضوعه لمستوى الشروط التي تفرضها المواضعات النمطية الذكورية، ففي مجموعة “الرحيل” تفكك هذه القاصة البنية الاجتماعية التي تعيش فيها المرأة من خلال شخصية علياء وحيرتها أمام العادات التي تحرم على الفتاة اختيار شريكها، ومع أن الفكرة المركزية المتكررة في ذلك المونولوج تدور حول الزواج والذي أعطته مساحات رحبة في “الرحيل”، فإنها في مجموعتها اللاحقة كرياح الشمال و”العزف على أوتار الفرح” و”حكايا حزينة” تبرز شخصيات محلقة أخرى تمازج بين هموم الوطن الكبير والغربة الوجدانية، تلك التحولات الاجتماعية التي تفرض متغيرات جديدة والتي تناولتها القاصة سلمى مطر بصوت أنثوي مغيب ولكنه عميق في حكاياها “عشبة” و”هاجر”، حيث يبرز الحلم الأسود المشرع في الفراغ، حيث النافذة المقابلة التي يتسلل منها ومض قليل لقمر شاحب كما في القصة، وربما هو انعكاس عند الكاتبة لتصور أنثوي يحلم بمساحات أكبر من الضوء والحرية، وقد قدمت سلمى الفكرة أيضاً في قصة “النشيد” بلغة جريئة مفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة، الأنماط نفسها التي قدمتها نجدها تتشابه مع صور أخرى ثائرة عند القاصة مريم جمعة فرج في تناولها لتفاصيل الحياة اليومية فيما يشبه بوح الماء أو استراحة على ضفاف الكتابة، وسعاد العريمي في تناولها لثنائية المرأة والوطن، والأنثى بين الحضور والرفض، وظبية خميس في قضايا الغربة والحرية والبوح بالممنوع وباسمة يونس في رؤيتها لجرائم الشرف والتي يظهر فيها مسحة وجودية أنثوية وإنسانية خاصة. في الفصل الثاني وفي سياقات متقاربة في الموضوعات مختلفة في الفترة الزمنية تتناول الباحثة اللغة والسرد عند القاصات الجدد ولم تعتمد فيه كما في الفصل الأول على الريادة وكم الأعمال، بل حاولت فيه تفكيك الخطاب النسوي على أساس اللغة والتراكيب وإبداعتها، حيث تبدأ بالقاصة فاطمة الكعبي وأزهاقها للخطاب الذكوري في متنها السردي في أكثر من قصة، حيث تفرد مساحات واسعة للصوت الأنثوي في لغتها وتؤكده في المحتوى، كما تنحو لمنحى مقارب الكاتبة سارة الجروان في مجموعتها القصصية “أيقونة الحلم”، حيث تنتقم الكاتبة لكل بطلاتها من المواضعات في شفافية تحمل عمق الروح، فبطلة هذه القصة تحلم بالحب السامي، لكنها تصطدم بإكراهات واقع وضغوط وجدار الحياة والتفاصيل اليومية المملة، وبطلة “الجحيم الأخير” لا تستسلم وتنتقم لنفسها من ظلم الزوج الخائن بدل الصورة النمطية التي تكرر بكاء المرأة وإحباطها أمام الخيانة، كما تعرضت الباحثة لكتابات عدة أيضاً في هذا الفصل لقاصات كريا مهنا سلطان، وعائشة الكعبي، وأسماء الكتبي، تركن شخوصهم في أغلبها لتقديم تصورات حالمة يتضح فيها همس أنثوي صارخ لصوت نسوي يبغي البوح في ظل عالم ذكوري مسيطر. تجليات الكتابة وبما أن أغلب الدراسات النفسية للكتابات الأدبية لا تخرج في تقييماتها الأولى عن فصلين ضروريين لا بد منهما يندرجان في تفريقات الذكورة والأنوثة، والتي يكون من الضروري م عرفتها من حيث المبدأ مفتاحاً لتجليات الكتابة، ويكون ذلك أعمق وأكثر أهمية في أماكن تفرض العادات والأعراف فيها نوعاً من المراقبة على الأصوات النسوية، مما يمرر من خلال هذه الكتابات خطاباً واعياً أو غير واع لتلك المساءلات الذاتية والمجتمعية. شخوص السرد ولا تفتأ الباحثة تذكر تلك المواضعات وجدرانها وشخوص السرد وهواجسها المجتثة وأحلامها حتى تقف في الفصل الثالث عند التباين والتأرجح عند بعض القاصات بين خطاب التجديد والنمطي فتعطي، ذلك التأرجح الذي يعطي الحلم النسائي صفة حالمة تركن للمألوف عند بعضهن وثائرا في جنوحه وطرحه يكسر المتداول والتقليدي عند بعضهن الآخر، وتناولت تجارب كل من القاصة فاطمة المزروعي، وعائشة عبد الله، ومريم سعيد المري، وشروق محمد سلمان. وقد خلصت الباحثة الاجتماعية نبيلة أحمد في نهاية بحثها للوقوف على فكرة تتعلق بوجود فوارق متعددة بين القاصات الإماراتيات في شكل الطرح وطريقة المعالجة وملابسات الكتابة في الشخصية الأنثوية البطلة في سياق النص في تشكيله العام، كما برز التباين في الأفكار ومستويات الجرأة في الولوج إلى تفاصيل الحياة بكافة سياقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، رغم اضطراب الشخوص في توجهاتها العامة التي تقدمها ملامح الحركة النفسية في المتن القصصي، حيث تتوحد في بعضها التشاؤم كالموت أو الانهيار، وفي بعضها الآخر بعضاً من تفاؤل يفتح نوافذ الحلم المشرع والمباح للصوت النسوي الذي قضى تحت ثقل المواضعات. بصيص الضوء هذا يفتح آفاقاً مهمة للأدب النسائي؛ لأن الخطاب النسوي في تباينه عن الخطاب الذكوري معزز بوجهات نظر مقابلة للآخر تحاول في أكثرها الخروج عن النمط السائد والانفلات من عباءة الوصاية، وان كان الخطاب المقابل له في محتواه يميل إلى الوصف بدونية الخطاب الآخر، فإن الخطابين في تمايزهما ما يخرج عن مهمة الآدب التي تتجاوز تقييمات العرف والمألوف ويتجه لوصف الواقع، كما هو في الحياة وكما هو حقيقة، مما يقتضي صياغة الواقع ليس كما يريد أي من الطرفين، بل كما هو كائن، وهي دعوة لفتح الباب أمام ذلك الشعاع المتسلل من داخل الذات النسوية، ذلك الضوء الخافت المشرع للمستقبل والقادر على الحلم والاستقراء والنظر إلى البعيد، وبإمكانه أيضاً إضفاء مسحة على الأدب من تعقيدات حاضر زاخر بالمواضيع ستنأى به حتماً عن الإسراف في معالجة ماضي ومواضعات تعود إلى جزء متلبس من تلك الروح. ? ?تتبعت المؤلفة أجيالاً متعددة من القاصات الإماراتيات وتطور شكل الخطاب الأدبي لديهن انطلاقاً من الظرفية الزمانية والمكانية ? ?أغلب الدراسات النفسية للكتابات الأدبية لا تخرج في تقييماتها الأولى عن فصلين ضروريين لا بد منهما يندرجان في تفريقات الذكورة والأنوثة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©