الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مناضلون وصعاليك في حكايات مكاوي سعيد

مناضلون وصعاليك في حكايات مكاوي سعيد
5 مايو 2010 20:21
يخوض مكاوي سعيد تجربة جديدة في كتابه “مقتنيات وسط البلد” هو ليس رواية ولا هو مجموعة قصصية، ولا مقالات، بل نماذج بشرية مختلفة، عرفها الكاتب واحتك بها بشكل مباشر أو التقاها عابرا في وسط البلد. وسط مدينة القاهرة، النماذج البشرية هنا متنوعة ومتباينة، بينهم الصعلوك والمثقف. والرجال والنساء. شيء أقرب الى “المرايا” عند نجيب محفوظ. يقدم مكاوي الوقائع الأساسية للشخص، لكن يبدو أن الخيال يدخل أحيانا، لا للتغيير في الوقائع، لكن ليضيف عليها مسحة من الجمال ودرجة من البساطة تخفف من جهامة الواقعة. مناضل الكابتشينو هذا هو الحال بالنسبة للنموذج الذي أطلق عليه لقب “مناضل الكابتشينو”، ذلك الذي يجلس في المقهى طوال النهار يتحدث بصوت جهوري عن العدو الصهيوني وضرورة تحرير الأرض العربية، وتفتق ذهن هذا المناضل عن الاستيلاء على بنسيون كانت تديره سيدة سويسرية في القاهرة، فقد ارتكب عدة حيل قانونية، منها أنه كان يتعمد التشاجر مع بعض الناس ليذهبوا به الى قسم الشرطة كي يثبت عنوانه على “البنسيون”. ونشط هذا المناضل زمن حصار بيروت والتقى سيدة فلسطينية تعمل في مكتب مسؤول فلسطيني كبير، وانجذبت الى حنجرته وتزوجها ثم صار ناشرا وبدأ بنشر أعمال لكتاب إسرائيليين تحت شعار “أعرف عدوك” وتطور فكره إلى ضرورة السلام والصلح ثم مهاجمة من لا يوافقون على ذلك، وكان يبدأ الكلام فلا يعطي أحدا الفرصة حتى لالتقاط الأنفاس، وهكذا الى ان قام طفل، هو ابن احد أفراد الشلة، واقترب منه وصفعه على وجهه فسكت صاحب الحنجرة قليلا ثم ابتسم واحتضن الطفل مؤكدا ميله للسلام، وفي اليوم التالي دعاهم على بيته في الزمالك، وكان اللقاء فاخرا، وقام نفس الطفل يذهب الى دورة المياه فذهب معه، وفجأة صرخ الطفل، وتبين ان صاحبنا أطفأ الأنوار وارتدى قناعا مخيفا لإرهاب الطفل. ويقول الكاتب: وأظل أسأل نفسي لماذا يطلب منا أن ننسى الثأر مع العدو بينما لم ينس هو الثأر مع طفل؟ الكاتب “الحالة” وهناك نموذج تشعر بأن الكاتب لم يقابله، لكنه حالة تستحق التأمل والكتابة، هي حالة “الكاتب الظاهرة” أو من كان يطلق على نفسه أديب الشباب محمود عبدالرازق عفيفي، الذي ملأ شوارع القاهرة يكتب على حوائطها دعاية لنفسه وكتبه، وخارج القاهرة أيضا، وكان السؤال المحير؟ من أين وكيف له هذا الجهد والوقت؟ وأصدر عدة كتب، من بينها “من يسبح ضد التيار معي” وكان آخر ظهور للافتاته في شوارع القاهرة حين ظهرت أزمة الرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي، فقد ملأ شوارع القاهرة بعبارة تفيد أن البقع التي وجدت على فستان مونيكا تخصه هو ولا تخص كلينتون، وقد اتهمه البعض بأنه مريض نفسيا ولديه هلاوس، وقال البعض إنه “غاوي شهرة”. ويحكي مكاوي سعيد انه هو وشلته قرروا أن يستضيفوه في ندوة، وكان الهدف أن يسخروا منه، وجلسوا بالمقهى يحبكون المؤامرة، ولم ينتبهوا إلى انه كان يجلس الى جوارهم بالمقهى، لذا اعتذر ورفض الحضور، وتبينوا هم السبب، ويعتبره أعظم من كتب أحلام اليقظة، فقد كتب كثيرا، عن الفنانة منى عبدالغني التي تطارده وهو يتدلل عليها لأنه يحب فتاة فقيرة مكافحة، الطريف في حكاية “أديب الشباب” أن المجتمع كانت لديه درجة من الأريحية تجعله يقبله، وان رجال الأمن كانوا يمسكون به وهو يلوث الشوارع، ثم يتركونه، فقد تعامل معه الجميع باعتباره “حالة”. زين الحالم من النماذج الموجعة “زين” الموظف الناجح في شركة تأمين ولديه شقة، وصار متميزا في الكتابة، وتلقى دعوة للمشاركة في مهرجان “قرطاج” فعاد وقرر أن يحترف الإخراج ثم قرر أن يكتفي بالكتابة للسينما، واقنع نفسه ان الوظيفة تعوقه فأراد الاستقالة وحاولوا هم باعتبارهم الشلة إقناعه بالعدول، لكن أحدهم قال له بخبث وشر وربما بمزاح إن الوظيفة عبودية، فقرر ان يتقدم للحصول على معاش مبكر، ذهب أحد أصدقائه للسؤال عنه بالشركة، فالتقاه المدير ورجاه ان ينصح زين بعدم تسوية المعاش وليحصل على إجازة بدون مرتب، فإن تحقق ككاتب سينمائي يمكنه أن يستقيل، لكنه أبى وأصر وخرج الى المعاش المبكر، بمبلغ ضئيل للغاية، ولم ينجح في الكتابة السينمائية، وانقلب حاله، بعد أن كان مرتاحا ماليا، يقترض منه الاصدقاء الى معدم وباع شقته، وعاش حياة شقية وبائسة، لا يجد مسكنا ولا مصدرا للرزق ويذهب الى العشوائيات، ويستضيفه بعض الزملاء أحيانا وهكذا. حالة ونموذج من أولئك الذين تضربهم هواية الكتابة أو التعلق بفن من الفنون، فيتركون الحياة المستقرة والناجحة ثم يقفزون الى المجهول بلا إعداد كاف ولا أدوات تسمح، بذلك سوى الانبهار مرة والخيال أو الحلم مرة، فيحدث لهم ما حدث لزين. المناضل المكتئب الإنسان به الكثير من عناصر القوة، لكن يمكن لأمر بسيط ان يقضي عليه، مثل حالة عم ابراهيم الذي تحدث كزعيم للتنظيم ووقف في القفص يحدث هيئة المحكمة عن رفضه لديكتاتورية عبدالناصر وخروج الثورة عن أهدافها وتحمل السجن عشر سنوات، كان مقبلا على الحياة، محبا لها، متحديا للجميع، لكن عبارة قالها وكيل النيابة أصابته بالاكتئاب، والذي حدث أنه وجد فتاة مسكينة في الشارع أخذها معه الى البيت ودخلت الحمام للاستحمام ووقف هو في المطبخ يعد الطعام، كان الجيران يرقبونه وأبلغوا الشرطة وأخرجوا الفتاة عارية تماما، ملفوفة بملاءة وأخذوه بملابس البيت وفي يده إناء البيض، وفي التحقيق وجه إليه اتهام فرد عليه بأن القانون لا يمنع ان يكون للمرء صديقة، وأخيرا أخلى سبيله وكيل النيابة لوجود استحالة بيولوجية في أن تكون هناك علاقة بينهما، كان هو عجوزا، لكن هذه العبارة أصابته بالاكتئاب الذي قضى عليه. 41 حالة ونموذجا إنسانيا، اتبعها مكاوي سعيد في كتابه “مقتنيات وسط البلد/ وجوه وحكايات من وسط القاهرة” بقسم خاص عن الأماكن في القاهرة، الأماكن التي دارت حولها مصائر هذه النماذج من مقاه وشوارع وميادين، فضلا من أماكن السهر، وقام الفنان عمرو الكفراوي برسم بورتريه مصاحب لكل نموذج، فضلا عن لوحات للأماكن. وصدر الكتاب عن دار الشروق. الطريف ان رواية مكاوي “تغريده البجعة” التي صعدت الى التصويت النهائي لجائزة البوكر العربية في دورتها الأولى، كانت تدور حول منطقة وسط البلد بالقاهرة حيث تتمحور حياة الكاتب وعمله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©