الثلاثاء 14 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شعرية الريشة.. الهاوية والمحترفة

شعرية الريشة.. الهاوية والمحترفة
5 مايو 2010 20:22
من الرائع حقاً أن تكتشف جمالية الإبداع في ذوات الآخرين، بخاصة أولئك الذين لم يأخذوا الفن احترافاً، بل مارسوه هواية بحثاً عن شعرية الريشة وهي تتحرك فوق سطوح كانت بيضاء في البدء. من المدهش حقاً أن تجد لمسات خفيفة هنا وهناك في أعمال فنية تختزل مكامن الإنسان وما ينوي أن يقدمه للآخرين، فلابد أن يكون في كل لوحة أو صورة فوتوغرافية أو عمل حروفي حالة قابلة للتفجر بل حالة من التركيز اجتمعت فيها المكامن الإنسانية الشفافة. قبل أيام أقيم في أبوظبي معرض لإبداعات موظفي الوزارات والمؤسسات الحكومية في الدولة بتنظيم من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، ومن الملفت أن كل صنوف الفن اجتمعت في هذا المعرض، الرسم التشكيلي بالزيت أو المائيات على الجمفاص والحروفيات العربية والمكس ميديا والكولاج والاشتغال بالحبر الصيني أو القلم الرصاص والتصوير الفوتوغرافي والأكرليك على الجمفاص والمنمنمات والخرز والقطع المعدنية والفسيفساء في التشكيل والأشغال اليدوية، رأيناها على جدران القاعة، وكأن الزائر ينتقل من فن لفن آخر مختلف، حتى يجد مبتغاه واهتمامه فيتأمل ما يرى بعين الفاحص، المتذوق، الراغب في المتعة البصرية. اشترك في المعرض 15 مبدعاً من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع وفنان واحد من شركة أبوظبي للإعلام وآخر من ديوان سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان مستشار رئيس الدولة و23 مبدعاً من وزارة التربية والتعليم و3 مبدعين من وزارة الداخلية و3 آخرين من مدرسة زيد بن حارثة. قدم المشاركون الـ46 ما يقرب من 58 لوحة تصدرتها حروفيات الخطاط الإماراتي محمد مندي في لوحاته الثلاث، الأولى للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله والثانية لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله والثالثة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. استطاع محمد مندي أن يشكّل الصورة من الاسم، فالاسم يتناهى بيد مندي وعبر ريشته الآسرة إلى الصغر ويشع ثانية حتى يصل إلى الحجم الذي يريد الفنان أن يشغل به الفراغ، ومن الاسم المتكرر تشع الصورة، وتبرق الملامح وفي تداخلات الصورة لا ينسى مندي روح التجانس صعوداً وهبوطاً من أجل أن يخلق الصورة المثلى. وحين يتنقل المشاهد متفحصاً الأعمال المعروضة تلفت انتباهه 6 لوحات للتشكيليتين أمل بنت محمد ومنيرة بنت محمد من وزارة الداخلية، أولاها للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد رحمه الله مركبة من فسيفساء مذهبة، امتازت بجماليتها وهدوئها ووقارها، وفي لوحاتهما الأخرى حيث يتجانس العالم المحلي الذي أرادتا تشكيله مع عناصر الأشياء. وتكمل التشكيلية أمل محمد شاهين فكرة المنمنمات في رسمتها التي نسجتها من الخرز والقطع المعدنية والفسيفساء كونها مشغولة تمثل بانوراما عامة عن تاريخ الإمارات وإنجازاتها، امرأة تضع نقاباً، وأكف ضمخت بالحناء وأيقونة الحسد معلقة بعينها الزرقاء الشفيفة مستخدمة أغلب الرموز الموروثية والشعبية في اللوحة لتعطي انطباعاً عن روح المكان وجذوره. ويجتمع المبدعون بأسمائهم وبريشهم وبلوحاتهم التي تشير إلى الأسماء وهي تضج بحركة الريشة ويتجلى حقاً عبيد سرور وعبدالرحيم سالم ونادية أحمد حسين داوود ووليد الزعابي وسعيد العامري وأمل البدواوي وشيخة النقبي وهدى القمزي ومهاب بطرس ونجود الزعابي وفاطمة يوسف شحود وسوسن محمد ومريم سالم موسى وغيرهم الكثير. ويلفت الموروث أنظار الجميع ما بين الفانوس بالأبيض والأسود, حيث زجاجه اللامع المصفى وقبضته المتدلية على الجانب بحنو جميل، والدلال “جمع دلة” التي تنتظم مع بعضها كأنها الإنسان في ترحيبه للضيف الآتي، والجرار الفخارية التي تشابه الدلال وزجاجه الفانوس، عنق طويل وبطن مستعرضة. جسدت هذه التراثيات الفنانة نجود الزعابي ونيفين نعيم ابراهيم الخزف ويشاطرهما الفنان مهاب بطرس في لوحاته الأربع حين يلتقط عالم الموروث الشعبي حيث الامرأة والفرس وصناعة شباك الصيد والخوص في احتراف مرسوم بالمائيات الشفيفة التي توحي بواقعية اللوحة والمشهد، وهو إبداع يجيده الفنان مهاب بطرس، وتؤكد ذلك أيضاً أعمال شيخة النقبي “الفتاة المنقبة والجرار” و”الفتاة البرونزية” و”الفتاة داخل الوردة”. ويشتغل سعيد العامري في لوحاته الحروفية الأربع على تشكلات القول المبجل “إن مع العسر يسراً” و”محمد صلى الله عليه وسلم” و”ما شاء الله”. وتسهم فاطمة يوسف شحود بلوحتين صورت فيهما “بيوتاً” تراثية وأبواباً خشبية، وهذا ما أجادت فيه الفنانة علا محمد عبدالغفار عندما التقطت الموروث المحلي ضمن رؤية تشكيلية عالجت فيها الباب الخشبي الموروثي المرصع بالزرد النحاسية والسلسلة الحديدية المتدلية بوصفها إشارة واضحة عن الماضي. وتشكل أعمال عبدالرحيم سالم الثلاثة اشتغالاً واضحاً على التجريد بكل مفاصله مستغلاً تغيير اللون والحركة تعبيرياً حيث الأحمر ثم الأخضر ثم الأزرق في طغيان فاضح على فضاء اللوحة بإيحاء واضح بالشبحية المغربة في عالمنا، وتقابل هذا المفهوم الفنانة شيخة النقبي في لوحتها الدوامة الحمراء وكأنها لوحة كونية تجريدية تشير فيها إلى ما وراء الواقع. حاول عبيد سرور (من وزارة التربية والتعليم) في لوحاته خاصة لوحته الكبيرة 180 * 120سم أن يشتغل على المثلث والمربع متخيلاً عالماً من البيوت والعمارات المتراكبة، عالماً من البيوت القديمة والأخرى الحديثة والطائرات والسماء المختلطة كي يروي قصة حضارة جديدة تنبثق من عالم قديم انقضى. في هذا المعرض هناك من يستوقف بفنه البسيط الأخاذ ليدهشك في القدرة على التحكم بالأبعاد والفضاءات والزوايا والظلال، ومن هؤلاء الفنانين هدى القمزي في لوحتيها اللتين لم تتجاوز الواحدة منهما 30 * 40 سم حيث الوردة الدافئة وكيوبيد الحزين، واللتان اشتغلتهما بالقلم الرصاص “بالأسود والأبيض”، حركة تنبثق من الصمت وروح الفنان وتمثله للألم والفرح والحزن. وكان لأمل البدواوي حصة في تصويرها الفوتوغرافي عندما التقطت الغيم النازل على الأرض حيث الكف والعين معاً تمسكان الغيمة المنفلتة. ويختتم الفنان وليد الزعابي مسيرة هذا المعرض وتنقلات رؤى فنانيه واتجاهاتهم في الرسم ونظرتهم إلى العالم حينما يخط كلمة “الله” بالأسود والأحمر أرضية له، بوصفه عملاً منفذاً بالكرافيك على الجمفاص، لتتشكل الرؤية السماوية في عمق قاعة المعرض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©