الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ابن سينا العلم والإيمان والاستقلال المعرفي

ابن سينا العلم والإيمان والاستقلال المعرفي
15 يونيو 2016 14:26
إبراهيم الملا (الشارقة) تعود أصالة وتفرد الأفكار والنظريات التي طرحها ابن سينا في مسيرته المتوازنة بين حقول الطب والفلسفة والشعر وعلم الفلك، إلى تلك الدافعية الذاتية التي اكتسبها مبكرا وهو ما زال في الثامنة عشر من عمره، عندما قرر التفرغ للنداءات المعرفية المستقلة المعتملة في دواخله، والمستندة على رصيد وافر من القراءات والدروس والتأملات حول الطبيعة وما وراءها، وحول الناسوت واللاهوت، والملاحظة والحدس، والتجربة والتنظير. قرر ابن سينا وهو في مرحلة النضوج تلك أن يتفرغ لبحوثه وكتاباته وكشوفاته، مستلهما الأفكار الجريئة للعقلانيين المسلمين، وغارفا من أطروحات أفلاطون وأرسطو والفارابي وأبوقراط وجالينوس، ومستفيدا من آراء المشتغلين بالمنطق والغيبيات. ولد أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا في مدينة أفشانه ببلاد فارس، سنة 980م، وتوفي في همدان سنة 1037م، ثم انتقل إلى بخارى وأخيراً إلى إصفهان، وعرف باسم الشيخ الرئيس، وسماه الغربيون بأمير الأطباء. ومن عوامل تطوره الفكري أيضاً، تمكنه من الإطلاع على موجودات المكتبة الغنية في قصر السمنديين، وهم أول عائلة حاكمة كبيرة من أصول محلية ظهرت في فارس بعد الفتح العربي لها. وقد سمح لابن سينا بدخول تلك المكتبة الهائلة بعد نجاحه في علاج الأمير نوح بن منصور السمندي من مرض عجز كل أطباء عصره المشهورين عن علاجه. وعندما بلغ العشرين من عمره توفي والده، فرحل إلى جرجان، وأقام بها مدة، وألف كتابه «القانون في الطب»، ولكنه ما لبث أن رحل إلى «همدان» فحقق شهرة كبيرة، وصار وزيرا للأمير شمس الدين البويهي، إلا أنه لم يطل به المقام بها. ففي عام 1022 توفي شمس الدين ليجد ابن سينا نفسه وسط محيط غير مريح. وتسبب موت راعيه في مرحلة من المصاعب بلغت ذروتها بسجنه، ولكنه استطاع أن يتسلل إلى أصفهان، مصحوباً بعدد من تلامذته وأعوانه واستقر فيها مدة 14 عاما، وفيها أنهى كتابه» القانون في الطب» كما أنهى أيضاً كتابه الشهير الآخر» كتاب الشفاء». ولابن سينا ولع خاص بسبر أغوار النفس البشرية وتحليل دوافعها الظاهرة والخفية، ومن تعريفات ابن سينا للنفس أنها كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة من جهة ما يتولد، وهذا من مبدأ القوة المولّدة، ويربو ويتغذى، من خلال (النفس النباتية)، أما ما يدرك بالجزئيات ويتحرك بالإرادة فيسميه (النفس الحيوانية)، وفي النهاية هناك ما يدرك الكليات ويعقل بالاختيار الفكري، وهو ما أطلق ابن سينا عليه مسمى (النفس الإنسانية) التي تمتلك الحرية للاختيار بين بدائل مختلفة. وأشار ابن سينا إلى أن الإنسان يتميز بخواص لا تملكها الكائنات الأخرى ومن أهم خواصه: الكلام واستعمال الرموز والإشارات وإدراك المعاني المجردة واستخراج المجهول من المعلوم، والمعلوم من المجهول، مؤكداً أنها خواص غير نابعة من البدن، بل من النفس، التي يصفها هنا بأنها الجوهر المتصرف في أجزاء البدن، ويقول: «هذا الجوهر هو فيك واحد، وهو أنت بالتدقيق». لم يكن ابن سينا يتقيد بكل ما وصل إليه من سبقوه من نظريات، وإنما كان ينظر إليها ناقدا ومحللا، ويعرضها على مرآة عقله وتفكيره، فما وافق تفكيره وعقله أخذه وزاد عليه ما توصل إليه واكتسبه بأبحاثه وخبراته ومشاهداته، وكان يقول: «إن الفلاسفة يخطئون ويصيبون كسائر الناس، وهم ليسوا معصومين عن الخطأ والزلل». ولذلك حارب التنجيم وبعض الأفكار السائدة في عصره والمتعلقة بعلوم الكيمياء، وخالف معاصريه ومن تقدموا عليه، الذين قالوا بإمكان تحويل بعض الفلزات الخسيسة إلى الذهب والفضة، فنفى إمكان حدوث ذلك التحويل في جوهر الفلزات، وإنما هو تغيير ظاهري في شكل الفلز وصورته، وفسّر ذلك بأن لكل عنصر منها تركيبه الخاص الذي لا يمكن تغييره بطرق التحويل المعروفة. وقد أثارت شهرة ابن سينا ومكانته العلمية حسد وغيرة بعض معاصريه، ووجدوا في نزعته العقلية وآرائه الجديدة في الطب والعلوم والفلسفة مدخلا للطعن عليه واتهامه بالإلحاد والزندقة، ولكنه كان يرد عليهم بقوله: «إيماني بالله لا يتزعزع؛ فلو كنت كافرا فليس ثمة مسلم حقيقي واحد على ظهر الأرض». ولابن سينا قصيدة عينية شهيرة يصف فيها النفس قائلاً: هبطت إليك من المحل الأرفع / ورقاء ذات تعزّز وتمنّع محجوبة عن كل مقلة عارف / وهي التي سفرت ولم تتبرقع وصلت على كره إليك وربما / كرهت فراقك وهي ذات تفجّع أنفت وما أنست فلما وصلت / ألفت مجاورة الخراب البلقع ترجمت كتب ابن سينا في الطب إلى اللاتينية ومعظم لغات العالم، وظلت حوالي ستة قرون المرجع العالمي في الطب، واستخدمت كأساس للتعليم في جامعات فرنسا وإيطاليا، وظلت تدرس في جامعة مونبلييه الفرنسية حتى أوائل القرن التاسع عشر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©