السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمارة ··· إعادة الحياة لأراضي فرنسا الضائعة

عمارة ··· إعادة الحياة لأراضي فرنسا الضائعة
16 يونيو 2008 02:11
بادرت ''فضيلة عمارة'' -سكرتيرة الدولة لشؤون المدينة بفرنسا- وهي تهم بالخروج من مركز لرعاية الأطفال المتواجد في إحدى الضواحي متعددة الأعراق، بعد أن تحدثت إلى الموظفين وعانقت الأطفال، إلى مقاطعة السيل المتدفق من المطالب الموجهة لها قائلة ''اسمعوا لست زورو كي أحقق كل الرغبات''، لكن الفرنسية ذات 44 ربيعاً الناشطة في اليسار السياسي والمناضلة مع الحركة النسائية التي لم تحظ بفرصة التعليم العالي، هي في الواقع أكثر من ذلك· إنها إحدى أبرز النساء في الحكومة الفرنسية المكلفة ببث الأمل لدى الشباب الفقراء والناقمين في الضواحي الفرنسية، لا سيما بعد الاضطرابات العنيفة التي اجتاحت الضواحي قبل ثلاث سنوات وكان لها وقع الصدمة على البلاد· وفي الشهر الجاري ستعقد السيدة ''عمارة'' اجتماعاً سيضم جميع الوزراء في الحكومة الفرنسية ليتمحور حول معالجة المشاكل التي تعاني منها أحياء الضواحي في فرنسا، ويذكر أن جميع الوزراء في الحكومة مكلفون بصياغة برامج مفصلة لمساعدة خمسة إلى ستة ملايين مواطن فرنسي-حوالي 8 بالمائة من السكان وينحدرون من أصول مهاجرة- يعيشون في الضواحي، حيث تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 40 بالمائة· والهدف الرئيس الذي تعمل ''عمارة'' على تحقيقه هو خلق المزيد من فرص العمل لشباب الضواحي، وفتح المجال الثقافي أمامهم، فضلا عن تعزيز الخدمات مثل الرعاية الصحية والنقل والتعليم والحرص على تطبيق القانون في المناطق التي تسميها الوزيرة الفرنسية ''أراضي الجمهورية الضائعة''، ويُفترض بالوزيرة ''عمارة''، أن ''تقود الأوركسترا'' -كما تقول- مسلحة بعصا صغيرة لضبط الإيقاع وبدعم الرئيس ''ساركوزي''، هذا الأخير، بعد أن وصف المحتجين قبل ثلاث سنوات عندما كان وزيرا للداخلية ''بالحثالة''، عين ثلاث نساء من أصول مهاجرة في حكومته يشملن سكرتيرة الدولة لحقوق الإنسان ''راما يادي'' -31 عاماً- ووزيرة العدل ''رشيدة داتي'' -42 عاماً- بالإضافة إلى ''فضيلة عمارة''، ولم تتردد ''عمارة''، في انتقاد الحزب الاشتراكي الفرنسي لميوله البرجوازية، ولصراعاته الداخلية، لذا اختارت ومنذ سن مبكرة طريقاً مغايراً في النضال والتعبير عن غضبها· ففي العام 1978 عندما كانت تبلغ 14 عاماً وتقطن في أحد مشاريع الإسكان في الضواحي مع عائلتها، شهدت مقتل أخيها ''مالك'' الذي لم يتجاوز خمسة أعوام على يد سائق مخمور، وخلال تلك الحادثة الأليمة رأت كيف انحازت الشرطة إلى السائق، بل الأكثر من ذلك تقول الوزيرة: ''سمعت عبارات عنصرية استخدمتها الشرطة ضد والدتي''، وتتابع قائلة: ''تلك الحادثة كانت بمثابة استيقاظ للوعي، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشعر بالغضب ولا أطيق الظلم في فرنسا''، وبانغماسها في العمل السياسي تعددت أنشطة ''عمارة'' من مناهضة العنصرية إلى الدفاع عن حقوق المرأة لتستهدف بالخصوص وسطها العربي والمسلم الذي تنحدر منه، وبعد تزايد حالات الانتحار والاعتداء على النساء اللواتي يُنظر إلى سلوكهن على أنه مناف للأخلاق نظمت ''عمارة'' في العام 2003 مسيرة للدفاع عن حقوق النساء شارك فيها أكثر من 30 ألف فرنسي دخلت بها العاصمة باريس في مشهد مهيب أكسبها احترام الطبقة السياسية· وقد تبنت الوزيرة أحد الشعارات المرفوعة، ''لا عاهرات ولا خاضعات''، عنواناً لمنظمتها الجديدة التي لا يجمعها سوى القليل مع التصورات الفكرية والبرجوازية للحركات النسائية التقليدية، وأوضحت ''عمارة'' أن نضالها كان من أجل تحرير المرأة، لكن أيضا من أجل حمايتها من العنف والممارسات التقليدية الموروثة من الفترة الاستعمارية، أو المجتمعات القبلية كتلك الموجودة في بلد والديها، الجزائر· وتشرح ''عمارة'' عملها قائلة ''إننا حاربنا الإسلاميين وأوقفنا تقدمهم، ونحن إذا كنا ندافع عن المساواة والحرية، إلا أننا ندين النسبية الثقافية· وتؤكد الوزيرة بحماس أنه ''لهذا السبب استعادت موروث الثورة الفرنسية، إني أومن بشدة بقيم الجمهورية··الحرية والمساواة والإخاء''· والمطلوب حالياً كما تؤكد ''عمارة'' هو ''إعادة الحياة'' إلى تلك القيم ''في جميع أنحاء البلاد، لا سيما في المناطق الهشة، فالمواطنون الذين يعيشون في الضواحي يحظون بالأولوية لأنهم بحاجة ماسة إلى الإحساس بالمواطنة''· وفي الضاحية التي زارتها الوزيرة، يعيش ما يقرب من 7 آلاف إلى 9600 شخص في مساكن بنتها الحكومة في السبعينيات ينحدر نصفهم من أصول مهاجرة جاءت من أفريقيا الشمالية، ويتركز 70 بالمائة من المهاجرين في مساكن تخضع حالياً لإعادة التأهيل بمبلغ إجمالي يصل إلى 140 مليون دولار تهدف ليس فقط إلى تطوير المساكن، بل أيضا تقليص الكثافة السكانية، والهدف من الزيارة، كما توضح ذلك الوزيرة، هو الاستفادة من المبادرات الواعدة والنظر في إمكانية نقلها إلى مناطق أخرى، لا سيما تجربة مركز رعاية الأطفال الذي يعمل، وخلافاً لما هو سائد في فرنسا، طيلة أيام الأسبوع و24 ساعة في اليوم· ويقدم المركز خدماته لموظفي الوقاية المدنية ولرجال الشرطة وباقي العمال الذين يعملون في الليل، أو نهايـــة الأسبوع، لكن مديرة المركز ''ناتاليا بالياتو'' -إحدى الهاربات التشيليات من نظام الدكتاتور ''بينوشيه''، اشتكت إلى الوزيرة من المشاكل التي يواجهها المركز مع السلطات الحكومية بسبب عمله في أيام الأحد· تخشى الوزيرة ''عمارة'' من التحديات التي يواجهها شباب الضواحي وتوجه بعضهم إلى التطرف الديني بسبب انعدام البدائل وغياب المبادرات الحكومية، وتعبر الوزيرة عن مخاوفها قائلة: ''لقد بدأت مشكلة التطرف الإسلامي في الضواحي خلال السنوات الأخيرة، وهي تزهر في أوساط الشباب الذين يعانون من الهشاشة ومن الظروف الاقتصادية الصعبة''· ستيفين إيرالنجير - فرنسا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©