الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محادثات مبكرة مع الإسلام

12 أغسطس 2009 01:29
عند سماع الأميركيين والمسلمين يتحدثون عن بعضهم بعضاً خلال السنوات الماضية، تعتقد أن العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي كانت دائماً صدامية. يجعل العنف والجدل الملتهب اللذان ولّدتهما هجمات الحادي عشر من سبتمبر وحروب العراق وأفغانستان من الصعب التفكير بغير ذلك. ولكن إذا كان التاريخ الفكري يشكل أي نوع من الدليل الإرشادي، نرى أن أية أمة غربية لم تكن في يوم من الأيام أكثر مشاركة مع المجتمعات الإسلامية كالولايات المتحدة. لنأخذ بضعة أمثلة لإيضاح تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والإسلام. كما اعترف الرئيس الأميركي مؤخراً في خطابه في القاهرة، كانت مملكة المغرب، وهي دولة ذات غالبية إسلامية، أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة. وفي العام 1778، وقّع جورج واشنطن والسلطان العلوي محمد الثالث معاهدة دبلوماسية للصداقة لحماية جميع السفن التي ترفع العلم الأميركي من القرصنة. شكّلت هذه المواجهة الأولى مع أمّة ذات غالبية مسلمة، بناء على الأشعار والمسرحيات أو الروايات التي كُتبت خلال السنوات المبكرة لجمهورية ما بعد الاستعمار، فرصة للأميركيين في القرنين الثامن والتاسع عشر لفسح المجال بشكل تدريجي لحوار ثقافي معمّق كثيف مع العرب والمسلمين. ومن الأمثلة الرئيسية على ذلك، رواية «الأسير الجزائري» التي ألفها «رويال تايلر»، والتي تعتبر ثاني أقدم رواية في أميركا. يسرد الكتاب الذي نُشر عام 1779 قصة طبيب أميركي من بوسطن أسره القراصنة المسلمون البربر وباعوه عبداً في الجزائر. يقضي بطل الرواية، الدكتور أبدايك أندرهيل بضع سنوات في الأسر قبل الحصول على حريته والعودة إلى أميركا. أُعيد إحياء الرواية، التي نفدت نسخها لمدة تزيد على قرنين من الزمان، من خلال مصادفـــة مثيرة للسخــــرية، حيث أُعـــيدت طباعتها عام 20002. صحيح أن الجو المتوتر للرواية يفتح المجال لمقارنة كهذه، خاصة إذا ساوى المرء بين قرصنة القرن الثامن عشر وإرهاب العصر الحديث. إلا أنه عند إجراء بحث عن كثب، يمكن للرواية أن تشكل مؤشراً راسخاً يناقض، ولا يدعم طرح صدام الحضارات. نجح «تايلر» في تحويل سياسات الأسر إلى سعي ساحر للحصول على المعرفة. يطلق بطل روايته حوارات متعددة حول قضايا خلافية مثل العبودية الأميركية والتصوير النمطي والتحول عن الدين، مع آسريه والأئمة وغيرهم من الأشخاص البارزين في محاولة ملهوفة لاستكشاف الثقافة الإسلامية والترويج لدينه المسيحي. مهّد «رويال تايلر» الطريق لمزيد من الكتّاب المشهورين، رواد عصر النهضة الأميركية، لتوسيع معرفة مجتمعهم عن الثقافة الإسلامية. وقد كتب «واشنطن إرفينج» كتاباً مثيراً للاهتمام عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وكتب «إدغار ألان بو» بمهارة قصة ساحرة حول «ألف ليلة وليلة»، ورجع «هيرمان ملفيل» بشكل واسع إلى النصوص العربية في روايته الكلاسيكية «موبي ديك». وبحلول عام 1850، أصبحت «ألف ليلة وليلة» تتمتع بشعبية كبيرة في المخيلة الأميركية لدرجة أن «هارييت بيتشر ستوي»، وهي شخصية بارزة أخرى في النهضة الأميركية حثت الآباء والأمهات الأميركيين على سرد قصص شهرزاد لأطفالهم حتى يمكن التركيز على قيمهم الجمالية وتقديرهم للتنوع. شكلت الإشارة إلى القرآن الكريم والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وصحابته ممارسات شائعة بين الآباء المؤسسين والكتّاب والشعراء، من بنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون ورالف والدو إمرسون ووالت وايتمان. وقد وصف إمرسون، وهو أبو حركة التسامي الأميركي، وصف القرآن الكريم بأنه «مملكة العزيمة»، مشجعاً قرّاءه الأميركيين على اعتبار «الأنبياء» نماذج ملهمة في «النشاط» الذي يرعاه «العقل الراسخ السليم في الجسم السليم». ورغم أن حركة التسامي جرى تسويقها كسمة ثقافية أميركية، فإن رائدها «إمرسون»، اعترف بها كفلسفة صوفية شرقية ألهمها الشعراء الفارسيون الذين قرأهم وقام بترجمتهم. تستحق هذه الأمثلة المنوِّرة أن نحتفظ بها في أذهاننا في الوقت الذي يوشك فيه الأميركيون والمسلمون على فتح فصل جديد في علاقتهما. مختار غامبو أستاذ في دراسات ما بعد الاستعمار والأدب الأميركي بجامعة «ييل» ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©