الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صبا مبارك: أنا حرة

صبا مبارك: أنا حرة
15 مارس 2012
أثبتت الفنانة الأردنية صبا مبارك نجوميتها على خشبة المسرح كما هي نجمة على الشاشة الفضية في مسرحيتها “الحادثة” التي قدمت على المسرح الرئيس بالمركز الثقافي الملكي بعمان والتي أخرجتها سوسن دروزة. المسرحية التي استغرقت ما يقارب ساعة وعشر دقائق لم تهرب للأدب العالمي ولم تقتبس من هنا أو هناك على اعتبار أن “الإفرنجي برنجي” بل جاءت من عمق المشاكل التي يعاني منها المواطن بالأردن وربما العربي أيضا بالتلميح تارة والتصريح المباشر تارة أخرى، وهي عمل مسرحي متكامل إخراجا وإضاءة وديكورا وموسيقى مشحون بالإسقاطات السياسية والاجتماعية. العمل الذي يقدم للمرة الثانية يبدأ بأغنية للمطربة الراحلة أسمهان “روحي وعقلي فداك” يتناول حكاية مواطنة فنانة أضاعت جواز سفرها قبل ساعات من سفرها لتكريمها في باريس، وهو أهم حدث لفنان في العالم الثالث كما جاء في المسرحية، لتبدأ رحلة المعاناة في استصدار جواز سفر بالسرعة المطلوبة حتى تلحق بطائرتها المغادرة بعد ساعات فتتهم سائقها بإضاعته وتفويت فرصة تكريمها. الفنانة صبا مبارك “سلمى” أثبتت قدرتها على تقمص دورها وانتقالها من مشهد لآخر بسلاسة وجدارة وخاصة عندما كانت تقف وحيدة على الخشبة من خلال تغيير نبرة صوتها بطبقات تتناسب مع الجملة المحكية والموقف بلكنات عربية مختلفة، فأحيانا المحكية هنا بالأردن أو الشمال إفريقية وأظنها التونسية وفيزيائية جسدها التي أضافت للمشهد ديناميكية عالية. والملاحظ أن جرأة صبا مبارك جاءت بما يتناسب مع الدور وصلت حتى تصفير بعض المراهقين رغم انه لم يكن مبتذلا أو خارجا عن النص عندما غيرت جزءا من ملابسها على خشبة المسرح وهذا جديد جدا، إذ لم تتجرأ أي فنانة أردنية وربما عربية على الإقدام على خطوة مماثلة. ومن الإسقاطات ذات المغزى والمعنى ترديدها مقولة “هوّ إللي بيدخل على الداخلية ـ تقصد وزارة الداخلية ـ بيطلع” عندما أشاروا عليها لتلحق بحفلة تكريمها بمراجعة وزارة الداخلية. ورغم أن ظاهر الحديث هو ضياع جواز سفر ومحاولة استصدار جواز سفر جديد بسرعة كبيرة حتى لا يضيع التكريم، إلا أن جوهره هو سحب الجنسيات وما يسمى الرقم الوطني من أعداد كبيرة من الفلسطينيين وما خلقه هذا الإجراء من تعقيدات ليس لأصحاب الجنسيات المسحوبة فحسب بل لأطفالهم وعائلاتهم وشؤونهم الحياتية. وكحل للمشكلة يقترح عليها سائقها “احمد سرور” الذي أدى دوره باقتدار وكما يجب أن يكون بتهريبها من العقبة إلى ليبيا ومن ثم ايطاليا لكنها ترفض الاقتراح وتبدي تمسكا بالقانون وكأنها توجه رسالة للجميع بأن القانون مقدس يجب احترامه وتطبيقه ولا أحد فوقه. ذروة الإسقاطات تصل مداها عندما يقول لها أحمد سرور “إن خطا احمر في عينيك” لتجيبه بصوت مرتفع “خط أحمر في عيوني.. أنا لا أحب الخطوط الحمر” في إشارة واضحة لما يتردد هنا بعد الحراك العربي بان كذا وكذا خطوطا حمراء لا يجوز الاقتراب منها. والحادثة الثانية التي شهدتها الخشبة هي هبوط فستان التكريم من سقف المسرح لتضعه فوق ملابسها العادية وتتخيل نفسها تقف في حفل تكريمها كفنانة من العالم الثالث، لتتحدث عن أطفال الشوارع الذين يشكلون مشكلة اجتماعية في جميع دول العالم الذي يطلقون عليه “النامي”، وتقول في جملة: كنا نخترع ألعابا “القلول” وهي لعبة للأطفال ما زالت مستمرة حتى اليوم حيث يرمي اللاعب قطعة زجاجية صغيرة مدورة داخل حفرة ومن يوقع قطعته بالحفرة يفوز.. كنت أفوز دون أن أمد يدي في الجورة حتى لا أقدم تنازلات”. وتخاطب العالم بقولها “إن العالم الذي جئت منه له تاريخه وتراثه.. لسنا إرهابيين أو متطرفين ولسنا متخلفين نحن أصحاب حضارة وحق”. المسرحية لم تنس الربيع العربي فذكرت أن تونس مهد الشرارة وتحرك بعدها عشرات الآلاف في مصر وعواصم عربية أخرى مطالبين بالحرية والإصلاح والعدالة لتمارس صبا مبارك حريتها كاملة حتى الرقص في الشارع، وترفض تغطية عيونها “أنا إنسانة من لحم ودم.. أنا حرة”. كما أخذت حقوق المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة نصيبها من المشاهد “ما بدنا حدا يعلمنا وطنية”، ومن حق الأبناء الحصول على جنسية والدتهم وبالذات المطلقات أو المهجورات من أزورج تهربوا من تحمل مسؤولياتهم أو توفوا في ظروف غامضة.. والإصلاح يتطلب فصل الدولة عن الدين في تلميح واضح للإسلاميين الذين حصدوا الانتخابات في تونس ومصر في الوقت الحاضر وربما في عواصم عربية أخرى في حالة تحقيق نزاهة الاقتراع وفرز الأصوات. ووجه العمل المسرحي رسالة واضحة لمن يحتشدون في الساحات “الوطن أمانة في أعناقكم”، “ديروا بالكم على الديمقراطية”، “ملايين الأسئلة في داخلي.. أنا ضيعت جواز سفري في منطقة تعيش من هون وأريد بدل فاقد.. 20 ألف شهيد مين بدوا بيطلعهم بدل فاقد” في أشارة لما حدث في غزة 2006، “ناس صبروا وتحملوا وقاوموا وما سكتوا وما خافوا.. دفنوا أولادهم تحت التراب دون أن يشعر احد.. مع هيك قاموا لملموا كدماتهم ورسموا بدلا منها وردة على السور”. وتختم آخر المشاهد بتوجهها للجمهور بإسقاط سياسي واجتماعي “من ايش خايفين.. ضيعت حالي.. سنتين وأنا واقفة على حد الشفرة.. شو ذنبي أن احصل على جواز سفر سنتين”، في أشارة للغزيين سكان غزة المتواجدين الأردن. باختصار لقد مثلت صبا مبارك والمخرجة سوسن دروزة ثنائيا جميلا واستطاعتا بعد عقد ورشة عمل تقديم عمل مسرحي لامس قضايا شريحة واسعة من الناس بالأردن بلغة مسرحية راقية وشفافية عالية دون تجريح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©