السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المصالح الصينية... في مهب الأزمة الليبية

18 مارس 2011 22:22
ظل عمال البناء والتشييد الصينيون وعائلاتهم يختبئون في المجمعات السكنية التابعة لشركتهم في شمال شرق ليبيا، خوفاً من عصابات أعمال الشغب التي تحطم السيارات وتنهب المكاتب والمؤسسات العامة والخاصة. وبمجرد تراجع الفوضى قليلاً، تدافع نحو 930 من العمال الصينيين في ليبيا نحو الصحراء المكشوفة، ليبدأوا بذلك رحلة سبعة أيام باتجاه ميناء بنغازي الذي رست فيه سفينة صينية بانتظارهم لتقلهم في طريق العودة إلى وطنهم. وعندما ذاعت أنباء ذلك الخروج الجماعي للعمال الصينيين، أفاض المدونون الإلكترونيون الصينيون في الثناء على المدير التنفيذي للشركة الذي قاد جميع موظفيه وعماله إلى بر الأمان. وقد وفر الأهالي الليبيون إمدادات الماء والطعام لهؤلاء العاملين الذين قطعوا مسيرة سبعة أيام مشياً على الأقدام، على حد قول الناطق الرسمي باسم شركة "هاوفينج لأعمال التشييد والبناء" التي كانت تعمل على عدد من المشاريع الهادفة إلى بناء شقق سكنية في مدينة اجدابيا. وأضاف المتحدث قائلاً: "لقد نجا جميع هؤلاء العاملين، غير أن في وسع المرء أن يتصور كم كانوا خائفين مما يهدد حياتهم وحياة عائلاتهم في تلك الدولة التي كانوا غرباء بين أهلها". هذا وقد وصل عدد الرعايا الصينيين الذين أجلتهم حكومة بكين من ليبيا، نحو 36 ألفاً. وقد استخدمت في عملية الإجلاء الواسع هذه الحافلات والطائرات، وصولاً إلى إرسال سفينة حربية إلى سواحل ليبيا بهدف مراقبة عمليات الإنقاذ المدني التي تتم في إطار مهمة الإجلاء. وبينما أثنت وسائل الإعلام الصينية المملوكة للحكومة على عملية الإجلاء هذه على أنها دليل على قوة الصين، فإن ارتباط بكين بنظام العقيد القذافي، فيه ما يعرض للخطر الاقتصاد الصيني الذي يأتي في المرتبة الثانية عالميّاً. فبسبب تعطشها للنفط وارتفاع طلبها على المواد الخام بغية توفير متطلبات سرعة نموها الاقتصادي، تضخ الصين أموالاً طائلة، وتبعث المزيد من أياديها العاملة إلى أنحاء مضطربة من العالم، على أمل الحصول على ما تريده من هذه الدول من موارد طاقة ومواد خام. وعلى رغم الضغوط الدولية التي مورست عليها، لم تأبه الصين وواصلت تعزيز علاقاتها التجارية مع عدد من الدول الشمولية الغنية بالنفط والموارد الطبيعية. وقد تعمدت بكين التزام سياسة تقوم على تفادي توجيه أي انتقادات للنظم الحاكمة في تلك الدول. أما في ليبيا التي تأتي في المرتبة الثانية عشرة عالميّاً في قائمة كبريات الدول المصدرة للنفط، فقد برزت الصين باعتبارها مستثمراً رئيسيّاً وشريكاً ماليّاً لا ينافس للعقيد القذافي. وتعد الصين ثالث أكبر مشتر عالمي للنفط الخام الليبي، مباشرة بعد إيطاليا وفرنسا. وعلى رغم أن شركات النفط الأميركية والأوروبية عملت في ليبيا لعدة سنوات، فإن ذلك لم يمنع حكومات أوروبا أو أميركا من السعي منذ وقت طويل لمعاقبة القذافي على علاقاته بالنشاط الإرهابي. وفي المقابل فقد تمسكت الصين بسياسة "عدم التدخل" كما تسميها. بيد أن هذه السياسات لم تنجح في حماية مصالح الصين في ليبيا بأي حال. فقد هاجم المحتجون الليبيون الغاضبون العمال الصينيين ومشاريع الإنشاءات التابعة للشركات الصينية، إثر تصدي نظام القذافي للمتظاهرين المدنيين بالعنف الوحشي. وقبل اشتعال النزاع الدائر الآن في ليبيا، كانت تعمل هناك نحو 75 شركة صينية، تستثمر حوالي 18 مليار دولار في عقود تشمل بناء خطوط السكك الحديدية، ونظم الري، وشبكات الإنترنت والهواتف النقالة. غير أن الهدف الرئيسي للصين هو النفط وغيره من موارد الطاقة. وبالفعل أقامت شركة "النفط الصينية الوطنية" وهي أكبر شركة طاقة مملوكة للحكومة، علاقة شراكة مع شركة النفط الليبية الوطنية بهدف بناء خط أنابيب نفطي يمتد لمئات الأميال، إضافة إلى عمليات الاستكشاف المشترك للنفط والغاز في المياه البحرية. هذا وتستورد الصين -التي تعد ثاني أكبر مستهلك عالمي للنفط- ما يزيد على نسبة 50 في المئة من إجمالي الـ 8.3 مليار برميل التي تستهلكها يوميّاً من عدة دول أجنبية. فهي تشتري وارداتها النفطية من السعودية والكويت وفنزويلا، وهي جميعها دول تستورد منها أيضاً الولايات المتحدة، التي تعد أكبر مستهلك عالمي للنفط. وبالمقارنة فإن النفط الخام الليبي لا يعادل سوى نسبة 3 في المئة من واردات الصين، غير أن هذه النسبة ليس سهلاً تعويضها. وتكمن صعوبة تعويض نسبة واردات النفط الليبي هذه في حقيقة أن ليبيا تعد في الواقع من بين قلة من الدول المنتجة لخام النفط الذي تنخفض فيه نسبة الكبريت، وهو من أعلى أسعار الخام النفطي المستخدم في إنتاج الجازولين. وعليه فإن من المؤكد أن تؤدي زيادة التنافس العالمي على موارد هذا الخام النفطي الشحيح إلى زيادة الأسعار، خاصة إذا ما قررت الصين شراء كميات كبيرة منه بهدف بناء احتياطي استراتيجي لها منه. وبالإضافة إلى التنامي المحتمل لضغوط أسعار السوق العالمية، تواجه بكين ضغوطاً داخلية عليها، حيث يتعين عليها الآن أن تقرر ما إذا كان على شركات نفطها الوطنية أن تتحمل الارتفاع المطرد لتكلفة الإنتاج، أم أن على المستهلكين لمنتجات الطاقة تحمل هذه التكلفة. وهناك مخاطر كبيرة جدّاً في اتخاذ قرار صعب كهذا. فالصين تواجه تأثيرات أسوأ تضخم اقتصادي لما يزيد على العامين. وفي مثل هذه الظروف، فإن في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ما ينظر إليه على أنه مهدد رئيسي للاستقرار الاجتماعي في الصين. ديفيد بيرسون بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. تي. سي. إنترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©